كلمات نسمعها بين الحين والآخر.. يرددها أولئك المترددون المتخوفون ممن ينظرون إلي نصف الكوب الفارغ.. ممن يرصدون الأشياء بنصف عين فلا يرون سوي نصف الحقيقة.. و لا يدركون من الأشياء سوي الظاهر منها فقط. يتعجلون قطف ثمار الثورة.. متناسين أن أوان قطوفها لم يحن بعد.. مازلنا في أول الطريق.. خطوات صعبة قطعناها ومازالت أمامنا خطوات ربما تكون أصعب، علينا إجتيازها. في مفترق الطرق نقف.. لندرك حقيقة أن الهدم كان أسهل مما كنا نتصور.. وأن البناء يبدو أصعب مما كنا نعتقد أو نأمل.. تكاتفت الأيدي الثائرة عند البناء.. ثم مالبثت أن تشتت حتي قبل أن تطمئن إلي وضع أولي لبنات الصرح الذي طالما حلمنا جميعا به. هي المرحلة الأصعب إذن أو الموجة الأخطر في عمر الثورة.. الأخطر لأنها أفرزت اختلافات وخلافات بين القوي الثورية.. إئتلافات هنا وأخري هناك.. تجمعات ليبرالية وأخري يسارية وثالثة إسلامية ورابعة شبابية.. زخم الائتلافات جعل من الصعب علي أي متابع مهما بلغت يقظته إحصاء عددها وفرز أوجه الاختلافات بينها. ربما يبدو المشهد مربكا ومرتبكا.. لكنه لايمكن أن ننكر أنه يعكس أيضا درجة من الحراك السياسي الكبير.. ربما تجاوز الحد المتوقع أو الطبيعي أو الصحي.. لكن من المؤكد أن وقتا ليس بالطويل سيمضي ليدرك الجميع أن في إتحادها ليس فقط قوة وسرعة نحو الهدف وإنما أيضا فيه تحقيق لمصلحة كل طيف سياسي. ويبدو أن مؤشرات إدراك هذه الحقيقة بدت واضحة في تحركات من بعض القوي للتنسيق وتوحيد الهدف والاتفاق علي خطوات التحرك وتنظيم تلك الخطوات خلال الفترة القادمة. محاولات لم الشمل التي بثت قدرا من التفاؤل والأمل فينا.. تجعلنا علي ثقة أن النجاح سيكون حليفها في النهاية ليحسم الجدل الدائر حول أولوية الدستور أم البرلمان كخطوة أهم وأجدي فهناك عدد من مشاريع القوانين تطرح فضلا عن وثيقة البرادعي إضافة إلي دعوة الإخوان والوفد لوضع مبادئ دستورية كلها تصب في اتجاه البحث عن وسيلة للتوافق للخروج من الأزمة الحالية وهو مايدفعنا للهدوء عند متابعة المشهد السياسي دون أن تجرفنا فزاعة التناحر والاقتتال وركوب الموجة التي يحلو للبعض بين الحين والآخر اعتلاؤها.. لاشك أن المرحلة الحالية تحتاج منا لقدر من الحكمة وتغليب المصلحة العامة.. كما تتطلب قدرا من الصبر وعدم التسرع لجني ثمار الثورة فمازلنا نحتاج لسنوات حتي نشعر أننا بالفعل حققنا هدفنا في بناء دولة ديمقراطية علي أسس سليمة. علي الجميع أن يدرك أنه من الصعب أن نفتح عيوننا ونغمضها فنري مصر كما نريدها أن تكون.. ديمقراطية.. حرية.. عدالة اجتماعية.. تقدم.. رقي.. نهضة ثقافية.. إعلام حر.. كرامة إنسانية.. شوارع نظيفة.. مدارس تربي وتعلم وتفتح الأذهان للابتكار والابداع.. مصانع تنتج ومزارع تثمر تكفينا شر سؤال اللئيم.. تعود مصر لمكانتها التي تستحقها كقوة إقليمية ودولية مؤثرة لتمحو معها سنوات من الهوان والتقزم.. تصبح درعا قوية يخشاها العدو لاسندا له ولا كنزا إستراتيجيا لأطماعه التوسعية. هذه هي أحلامنا الكبيرة وليست المستحيلة.. يبدو الطريق إليها صعبا والعقبات كثيرة.. إنفلات أمني.. سوء حالة اقتصادية.. صراع قوي داخلية وتربص أخري دولية. صعوبة الطريق تدفع البعض لليأس.. يدفعهم أحيانا للتذمر للاحتجاج للشكوي واستنكار ما أنجزته الثورة.. يتساءلون بضجر ماذا قدمت لنا الثورة.. مازلنا نعاني الفقر والجهل والمرض.. مازلنا نعاني زحام المواصلات وضيق اليد وفوق كل ذلك زادنا الانفلات الأمني وغياب الشرطة وانتشار البلطجية لتضيف آلاما وأخطارا فوق ما نتحمله من مصاعب وآلام وأخطار.. ويتناسي هؤلاء أن ثورتنا مازالت في المهد.. وأن تحقيق التغيير الجذري الذي نأمله يحتاج لسنوات.. ويتناسون أيضا أن هناك من يتربص بها يحاول إجهاضها ووأدها لايريدها أن تكتمل.. يريد لعقارب الساعة أن تعود إلي الوراء.. مازال المنتفعون والموالون للنظام السابق يتشبثون بقوة بمراكزهم ومواقعهم لايريدون أن يتركوها فتمتد أيديهم بالتخريب والتدمير والعبث لعرقلة مسيرة الثورة. علي هؤلاء المتعجلين المتخوفين وغيرهم البائسين من نجاح الثورة عليهم جميعا أن يتساءلوا ماذا لو لم تقم الثورة؟! ماهو السيناريو البديل؟ ماهو الواقع الآخر الذي كان ينتظرنا؟! في الإجابة تكمن بشاعة المصير الذي كان يتوعدنا.. مزيد من نهب أموال الوطن.. استقواء رجال الأعمال وممارستهم لأبشع الجرائم للاستيلاء علي المال العام.. اغتصاب أراضي الدولة.. استمرار إهدار ثروات البلد وبيع كنوزها للعدو بأبخس الأسعار.. نجاح مخطط التوريث لتصبح مصر مملكة محكومة بآل مبارك إلي ماشاء الله. لو لم تقم الثورة لأمضي المعارضون بقية أعمارهم خلف أسوار السجون.. ولزادت أعداد المنتحرين يأسا.. لو لم تقم الثورة لمات شبابنا كمدا وهم يرون أحلامهم يغتالها لها الأفاقون والكذابون والسارقون والنهابون.. أن يظل خير بلادنا لغيرنا وتظل مصر رهينة المحبسين.. التوريث والفساد.. أخيرا لو لم تقم الثورة لما اكتشفنا معدن شباب مصر الأصيل لظللنا علي حالة الجهل بحقيقة هؤلاء وقدراتهم وعزمهم ورجاحة عقلهم وإنتمائهم وحبهم لتراب هذا الوطن.. حقيقة جعلتنا نشعر بالأمان ونحن نسلم راية البلد لأبنائنا من الشباب ونحن علي ثقة أنها بهم وعلي أيديهم ستكون أفضل ألف مرة مما كانت عليه بأيدينا وزمننا.