أفصحت الثورة عن استضاءة مبهجة في النفس المصرية التي قبعت سنوات في قمقم الإفقار والقهر، فأفاقت متهللة، واعية، عنيدة ومتشبثة بإحقاق الحق.. من هنا تنامت وتواصلت توابع الزخم الثوري تتابع ماتم إنجازه وتذكر بالمنسي من بقايا الضالين السابقين، الذين يتكئون للآن في مواقع سلطوية حساسة في غفلة من المجلس العسكري المنخرط في الهم الأمني والسياسي، ومن مجلس الوزراء المحفوف بمخاطر قضايا ماء النيل وتنمية الاقتصاد الشائك والملفات الوطنية الأخري. وتعد الوقفات الاحتجاجية المتعددة في أوساط عديدة كالأطباء والإعلاميين ، نداءات مباشرة تعمل بالحديث النبوي الشريف: »من رأي منكم منكرا فليغيره«.. فهم يطالبون علي رأس شكواهم بضرورة إزاحة ومحاسبة الضالين من رموز العهد الفائت البائس وهو ماتحقق لطلبة كلية الإعلام جامعة القاهرة بإقالة العميد السابق. وقد جاءت استقالة د. سامي الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعد وقفات احتجاجية في ماسبيرو الذي ذكر بعد ترك منصبه أن المحتجين طالبوه بإزاحة 056 من القيادات الفاسدة، وكان رأيه أن ذلك يهدد بالانهيار المؤسسي كما أن القوانين البيروقراطية أعجزته عن تحقيق رغبات الغاضبين فآثر الرحيل ليعود اتحاد الإذاعة والتليفزيون تحت قيادة اللواء طارق المهدي. ولما كانت الوقفات الاحتجاجية الأخيرة تتعرض لهجمات السلفيين والإخوان (رغم تراجعهم في جمعة الغضب) فقد عاد بعض الشباب إلي وسيلتهم الأولي الناجحة لتمكين الحق ودحر الباطل وذلك بالتواصل مع المجلس العسكري، كسلطة عليا أيدت الثورة، عبر مواقع الإنترنت دون وسطاء، فأطلق موقع »كلنا خالد سعيد« صفحة بعنوان »أسئلة إلي المجلس العسكري«.. ولعل هذه الصفحة تؤشر إلي توجه ديمقراطي يضع الحوار بين الطرفين موضع الندية، ويردع الأصوات المتأسلمة التي حاولت تكميم النقد الموجه للمجلس العسكري! كأن الثورة قامت لتستبدل الوجوه، وتحتفظ بالقهر والكبت في التعامل مع السلطة أيا كانت هويتها!! ولتسريع وتيرة المحاكمات الرخوة لرموز الفساد ومواجهة المنكر، جلب الإعلامي الكبير حمدي قنديل من لفائف القوانين المنسية، قانونا مهملا صدر يوم 8 ديسمبر عام 2591 واسمه الرائع »قانون جريمة الغدر« وينص علي محاسبة من يفسد الحياة السياسية بالعزل والحرمان!! وقد تلاه علي مشهد من الناس في برنامج الإعلامي المتميز يسري فودة.. فهو قانون يجرم استغلال النفوذ للحصول علي مزايا شخصية وبه عقوبات رادعة تصل إلي حد إسقاط الجنسية، وقد تداخل في الحوار الفقيه القانوني والمحامي عصام الإسلامبولي وصرح بأن النيابة العامة هي الجهة المنوطة بإعادة تفعيل هذا القانون المهمل منذ سنوات!! صدق أو لا تصدق: صنع ثوار يوليو 2591 هذا القانون لتجميل ضمائرهم، ثم دفنوه ليهيل عليه تراب النسيان من تلاهم من فاسدين حتي جاء النبهاء من الوطنيين الشرفاء ليعيدوه إلي أروقة العدالة كي يغيروا المنكر المزمن بالعدل المريح! ❊ ❊ ❊ الدستور شريعة الثورة يرتجف المتأسلمون من فكرة وضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية، رغم أن العبرة القانونية تلزم البلاد الناهضة بضرورة إرساء دستور، هو في شرع الثورات السوية، أساس قوة المستقبل وركيزة صلبة لقواعد البناء السياسي والإنساني السليم. يصيح المتشنجون من المتأسلمين والسلفيين والإخوان المسلمين بقيادة كاتبهم الأثير الأستاذ فهمي هويدي الذي يكرر دعوته المغلوطة بضرورة احترام رأي الأغلبية التي صوتت بالقبول في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي لم تنص سوي علي بنود بعينها لم يكن بينها إطلاقا أي نص يفرض إجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور!! وجدير بالذكر والتكرار أن أداء الإسلاميين والإخوان في هذه الاستفتاءات كان شديد الانتهازية لاستخدامهم أساليب الضغط باسم الله والدين علي الأغلبية الساحقة من البسطاء مبتدئين بإشعال فتيل الفتنة الطائفية أمام صناديق الاستفتاء باتهام المخالفين لهم بالكفر وبالتالي أثروا عمدا وزورا في النتائج التي يتغنون بها! والمثير أن الإعلان الدستوري جاء ليلغي ما سبقه في الاستفتاء الذي مازال الإسلاميون والإخوان المسلمون وكاتبهم فهمي هويدي يستميتون في ذكر نتيجته كأنه استفتاء علي شعبيتهم وهويتهم ووجودهم من الأساس!! فلايزالون، كلما واجهوا معارضا لهم، يعيدون مسألة الاستفتاء رغم اعتباره ملغي بالضرورة القانونية بعد الإعلان الدستوري. ولا يبدو أن المجلس العسكري يعبأ بتلك الحقيقة البديهية التي تؤكد انتهاء صلاحية الاستفتاء وضرورة العمل بالمنطق القانوني الذي يؤكد أن تأسيس دستور جديد للبلاد يجب أن يسبق الانتخابات البرلمانية، ولنتأمل آراء الفقهاء القانونيين في ذلك الأمر، فها هو د.حسام عيسي أستاذ القانون العام بجامعة عين شمس يؤكد في أحد أقواله المذاعة أن مسألة أسبقية الدستور علي الانتخابات لاجدال فيها علي مستوي الدنيا كلها.. وأن من يفعل العكس كأنه يبني الدور الرابع في عمارة قبل أن يحفر الأساسات ويتدرج في بناء الأدوار، فالعكس هكذا مستحيل!! أما د.جودة عبدالخالق وزير التضامن الاجتماعي فيؤيد مايراه د.حسام عيسي من ضرورة وضع الدستور أولا كشرط للانتخابات فلم يحدث في العالم كله أن أجريت الانتخابات قبل الدستور فتلك سابقة غير طبيعية كمن يضع العربة أمام الحصان فكيف تسير والحصان خلفها وأكد كذلك وزير التضامن أن الانتخابات المزمعة في شهر سبتمبر القادم قد تنتج مجلسا أسوأ من المجالس المزورة قبل الثورة!!! ومن تعليقات المصريين علي هذا الشأن في الفيس بوك: »إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور مثل إتمام الزواج قبل عقد القران!!!«.