هنا القاهرة.. كانت أولي الكلمات التي انطلقت من الإذاعة المصرية في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم 31 مايو 1934، ليصبح ذلك اليوم عيد الإذاعة المصرية. ويعدُّ هذا اليوم يوماً تاريخياً مفصلياً في حياة الشعب المصري بظهور جهاز الراديو وانتشاره بين المصريين، حيث انتقلت الثقافة لكافة طبقات الشعب المصري وكانت نقلة حضارية هائلة في ذلك الوقت، لأن الإذاعة الحكومية مع بدايتها قضت علي الإذاعة الأهلية التي أسيء استخدامها. ماذا حدث بعد 82 عاما من عمر الإذاعة؟، هل الإذاعة فقدت بريقها؟، وأين دور الإذاعات الموجهة؟، وهل مازالت تبث أم توفقت وأين مذيعوها؟.. آمال فهمي: المذيعون الجدد »مايعين» وكلهم دخلوا ب »الواسطة» الكنيسي: لا خوف عليها رغم المنافسة مذيعة البرنامج العبري: صوتنا لا يخرج من بوابات ماسبيرو قبل بداية إعلان عمل الإذاعة المصرية كان البث الإذاعي في مصر بدأ في عشرينيات القرن العشرين، وكانت عبارة عن إذاعات أهلية، يملكها بعض الهواة، وتعتمد في تمويلها علي الإعلانات التجارية، ومنها »راديو فاروق، راديو فؤاد، راديو فوزية، راديو سابو»، وفي بداية مايو 1926 صدر مرسوم ملكي يحدد شروط استخراج تراخيص الأجهزة اللاسلكية طبقا للاتفاقيات الدولية، وبدأت هذه المحطات الأهلية في إذاعة برامجها وموادها بالعديد من اللغات، كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية، إلي جانب اللغة العربية بالطبع، وكانت إذاعة »مصر الجديدة» هي أول إذاعة أهلية تبدأ العمل، وبعد عامين افتتحت محطة أهلية أخري أوروبية هي إذاعة (سابوس) وفي العام 1932 افتتحت (محطة راديو الأمير فاروق)، وفي الإسكندرية افتتحت إذاعتان أشهرهما محطة (راديو فيولا). وفي عام 1931 قامت وزارة المواصلات بتقديم مذكرة إلي مجلس الوزراء، تطالب فيها بإنشاء محطة إذاعة لاسلكية، علي أن تتولي شركة (ماركوني) الإنجليزية التليغرافية اللاسلكية مسئولية تشغيلها لحساب الحكومة، وبالفعل وافق مجلس الوزراء في 21 يوليو 1932 علي المذكرة، وتم تعيين المفتش العام لمصلحة التليغراف والتليفونات »مستر جي وب» مشرفًا علي أعمال الإذاعة ومستشارا فنيا لها. في السادسة مساء يوم 31 مايو 1934 انطلق صوت المذيع أحمد سالم ليقول هنا القاهرة، وكان الشيخ محمد رفعت أول من قرأ القرآن بالإذاعة يوم افتتاحها، وكانت كوكب الشرق أم كلثوم أول من غنت علي أثير الإذاعة. ومنذ اليوم الأول ارتبط الملايين بالإذاعة التي ساهمت بشدة في الارتقاء بالذوق العام الذي كان يعاني من هبوط حاد بسبب الإذاعات الأهلية، حيث ارتقت الأذواق بسماع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وسماع القرآن الكريم بأصوات العمالقة محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعي وعلي محمود. تقول الإذاعية الشهيرة آمال فهمي، صاحبة برنامج علي الناصية: »مذيعين زمان أتقنوا اللغة العربية وكنا استحالة نخطئ لأننا تعلمنا علي يد أساتذة وكان معي جلال معوض وطاهر أبو زيد وصلاح زكي ودخلنا امتحان الإذاعة بدون واسطة ولم يكن لنا أقارب في الشريفين»، تضيف: »هذه الأيام مفيش حد جاء من عند ربنا خالص جميعهم دخلوا بالواسطة وكلهم جهلاء باللغة العربية، وللأسف الشديد كانت الثقافة عندنا غذاء وكنا علي درجة كبيرة بالمعرفة والثقافة بالإضافة إلي أننا كنا نمتلك الموهبة وقواعد العمل الإذاعي بصورة فتحت لنا قلوب المستمعين». أضافت آمال قائلة:»الجيل الجديد تعوّد علي الميوعة وعدم الجدية وعدم القراءة والجهل بتاريخ مصر.. وشباب هذه الأيام لايعتمد علي القيم الثقافية»، وتتذكر آمال فهمي أول برنامج قدمته في الإذاعة كان اسمه حول العالم وقصد من هذا البرنامج تقديم المعلومات والمعرفة للمستمع، أما برنامج علي الناصية الذي رُشِّح لدخول موسوعة جينز العالمية لأنه تربع علي عرش البرامج لمدة 40 عاما وحلّ كثيرا من مشاكل الناس. كما تذكرت آمال أنهم اختاروها ملكة الكلام في لبنان وعلي مستوي العالم العربي، وتقول: »في ذلك الوقت التقيت بالرئيس جمال عبد الناصر في أحد مصانع عربات القطارات وكان مستعدا للإجابة عن كل اسئلتي لكنني وقفت أمام الزعيم كالصنم وشعرت بهيبة اللقاء ووقفت لا أنطق كلمة، وبعدها عدت لمكتبي وبكيت لأنني أضعت فرصة التسجيل مع الزعيم الراحل»..وتتذكر آمال برامجها: فنجان شاي، وفي خدمتي، وهذه ليلتي، وفوازير رمضان، وتقول: » أنا صاحبة فكرة الفوازير علي الإذاعة وبدأتها مع بيرم التونسي، وبسبب تفوقي كنت أول سيدة يتم تعيينها مديرة لإذاعة الشر ق الأوسط». وعن اختفاء الإذاعات الموجهة، قالت: »دور الإذاعات الموجهة موجود ومعترف بها وهي محطات تصل إلي البلاد المستهدفة». الإذاعي حمدي الكنيسي، يؤكد أن يوم 30 مايو من عام 1934 علامه فارقة في تاريخ الإعلام المصري والعربي، فعندما انطلقت الإذاعة المصرية أغلقت الإذاعات الأهلية، واللافت للنظر أن أخطاء الإذاعات الأهلية زمان هي نفسها ما يحدث الآن من القنوات والصحف الخاصة، والإذاعات الأهلية كان كل واحد معاه قرشين يعمل إذاعة ويطلع يتكلم فيها ويتبادلوا الشتائم والسباب مثلما يحدث الآن تماما، وكان بعض أصحاب الإذاعات الأهلية يستخدمون إذاعتهم للاتجار بالمخدرات، فيقول أحدهم عبر الإذاعة »الجو غيم» وهذا يعني إشارة إلي أن »الشرطة تبحث عن تجار المخدرات»، وهكذا. ويؤكد الكنيسي، أن أحمد سالم المذيع الذي قال هنا القاهرة كان كثير المواهب فهو مذيع وطيار ومخرج ولكن لم يأخذ حقه لظروف الوقت بعده جاء الرواد العظام الذين وضعوا أسس الإذاعة المصرية التي كانت انطلاقة لأم كلثوم وأيضا انطلاقة للشيخ والصوت الملائكي محمد رفعت رحمه الله الذي رفضت أن يشارك في حفل الافتتاح إلا بعد استشارة مفتي الجمهورية. وبدأت الإذاعة المصرية في عملها فقدمت إلي الحياة الاجتماعية طه حسين والعقاد والدكاترة زكي مبارك الذي حصل علي أكثر من دكتوراه وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ. يضيف: الإذاعة أخذت دورا آخر بعد ثورة 52 ودعمها لتلك الثورة وكان عبد الناصر يهتم جدا بدور الإذاعة فهو الذي أنشأ إذاعة صوت العرب وبعث المراسلين إلي الجزائر لنقل عمليات المقاومة وأحمد سعيد أحد عملاقة الإذاعة الذي بلغت شهرته الدول العربية، وعندما قامت الثورة رأي المسئولون في مبني الشريفين أن يمنعوا أغاني أم كلثوم من الإذاعة لأنها مطربة الملك المفضلة، ولما علم عبد الناصر انزعج، وقال: »يبقي نشيل الأهرامات لأنها كانت موجودة من أيام الملك»، وعبد الناصر هو الذي دفع الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب ليلحن لأم كلثوم. ويقول الكنيسي: »الإذاعة كان لها دور ولكن اختلف دورها ما بين 67 و73 وأحمد سعيد ظُلِم لأنه كان يذيع بيانات غلط بطريقة حماسية واتحسب عليه أنه ساهم في النكسة، وفي 73 الإذاعة قامت بدور عقلاني والتزمت الدقة فيما يذاع وكنت انا مراسلا حربيا، وقد ضحيت بسبق صحفي عندما تم أسر الإسرائيلي عساف ياجوري، لكنني احتفظت بالاسم لننتظر ماهو رد فعل إسرائيل والإذاعة نجحت في حرب أكتوبر». تابع: »الإذاعة كان لها دور في حرب الاستنزاف وعملية ضرب ميناء إيلات، وعندما ذهب جنودنا لضرب إيلات لم يجدوا السفن أو المراكب الحربية ورجعوا، ولكن الشفرة كانت من خلال الإذاعة عندما يتم إذاعة أغنية قولوا لعين الشمس ماتحماشي للفنانة شادية، فعلم جنودنا أن السفن موجودة في ميناء إيلات وتم ضربها بالفعل». ويؤكد الكنيسي، أنه رغم المنافسة والثورة التكنولوجية بالفضائيات فلا خوف عليها مادامت تمتلك المقومات الخاصة بها بشرط العاملون بها لايتوقفون عن الابتكار والتجديد. آمال محمد، كبير محررين ومترجمين في البرنامج العبري للإذاعات الموجهة، قالت إن الإذاعات الموجهة مازلت تعمل بكل طاقاتها، ومع ذلك صوتنا لا يخرج من استوديو الإذاعة بالدور الثاني من ماسبيرو، وتوقف بث البرنامج العبري منذ عامين بقرار من عبدالرحمن رشاد رئيس الإذاعة السابق الذي أوقف البرنامج العبري من علي النايل سات ووضع بدلا منه إذاعة وادي النيل، والإذاعات الموجهة سواء كانت لأفريقيا أو شرق آسيا أو الأمريكتين توقف البث الإذاعي لها، بعد أن أصابها ما أصاب البرنامج العبري، ورغم ذلك العاملون مازالوا يعملون بكل طاقتهم ولكن ليس هناك بث إذاعي موجه لهذه البلاد، رغم أن هناك40 شخصا يعملون في البرنامج العبري بين معدين ومقدمين ومذيعين يعملون بكل طاقتهم ولكن لا يسمعهم أحد.