فعلها الشباب .. ونجحوا في إسقاط النظام وتغيير وجه مصر.. بثورة بيضاء كقلوبهم النقية.. بريئة كنفوسهم الطاهرة قوية كشبابهم الفتيّْ.. جريئة كأحلامهم اللانهائية.. صامدة واثقة كعقولهم الواعية.. ثابتة كإرادتهم التي بدت فولاذية.. انطلقوا بعزيمة لاتلين وتصميم لايعرف اليأس.. وعزم لايعرف التراجع. متحدين كل الصعاب.. متجاوزين كل العقبات.. مترفعين عن كل الصغائر.. مقاومين لكل محاولة تسعي لإفشالهم وتفريقهم والنيل من قوتهم. أبرياء كانوا لكنهم نجحوا في مواجهة كل مؤامرات الخسة والنذالة.. عُزل كانوا لكنهم صمدوا أمام أعمال البلطجة والإجرام.. وحالمين كانوا لكنهم استطاعوا أن يحولوا أحلامهم إلي واقع عاشوا فيه ومنحونا متعة المشاركة والعيش فيه أيضا. قبلة واعتذار واجبان لهؤلاء الفرسان.. قبلة علي كل جبين عرق وكد وتعب.. وكل رأس فكر وصمم وخطط.. وكل ساعد قاوم وناضل وصد وأسقط محترفي التزوير والبلطجة والفساد.. واعتذار لحكم متسرع غافل لم يسبر أغوار مافي العقول الواعية فوقع في خطأ الاتهام السريع.. خدعتنا مظاهر بدت مختلفة ونسينا أن لكل جيل سمته.. انشغلنا بالشكل ولم نتعب أنفسنا في البحث عما يدور في العقول.. تحسرنا في صمت علي جيل أجوف فارغ منعزل غير منتمٍ.. ولم ندرك أن عقله يسبق عمره وزمنه ومكانه.. حدوده لا نهائية وعالمه سرمدي وخياله حب واسع وعزيمته قادرة في ثوان أن تحوله إلي واقع يعاش.. هكذا كانوا لكننا لم ندرك حقيقتهم الرائعة.. ثورتهم البيضاء خرجت بأيديهم التي ظلت تطرق علي أزرار أجهزتهم ومنها كانت البداية.. صرخات احتجاج.. مالبثت أن تحولت لثورة غضب.. لم يكن الأمر مفاجأة فكان الكل يعلم ساعة الصفر لتلك الثورة ومع ذلك تفاجأ الجميع.. أذهلونا بقدرتهم علي التنظيم وقدرتهم علي الصمود لم يعبثوا بهراوات العسكر ولا تحذيرات قادتهم.. سالت دماؤهم لكنهم صبروا وشقوا طريقهم إلي ميدان التحرير.. وهناك وضعوا لبنات مصر الجديدة الوليدة كما أرادوا لها أن تكون.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. في الميدان كان الكل في واحد.. اختفت فروق أيديولوجية وطبقية وتعليمية.. لم نلمح شعارا طائفيا.. وانضوي الكل تحت شعار واحد »الشعب يريد إسقاط النظام« كان المسلم يصلي بينما يقف أخوه المسيحي يحمي ظهره.. ويترنم المسيحي بتراتيل صلواته فيقف الجميع في خشوع.. ويشاركه الصلوات »بارك بلادي ياسامع الصلاة في قلوب كل البشر« بعدها يعلو صوت الجميع بالهتاف لمصر وتتعدد الأغاني »بسم الله.. الله أكبر.. بسم الله« »يابلادي ياأحلي البلاد يابلادي«.. »حلوة بلادي السمرا بلادي«.. »الحرة بلادي الصابرة بلادي«.. صبرت بلادي كثيرا حتي جاءها الخلاص علي يد أبنائها الذين رفضوا الظلم والقهر والاستبداد. افترشوا الميدان الذي تحول إلي حصن لهم.. يحتضن ثورتهم ودافعوا عنها عن ثورتهم بجسارة ضد بلطجية الحجارة والمولوتوف كانت حربا غير متكافئة.. لكن النصر كان لأصحاب الحق كما أراد الله دائما أن يكون. عند التقاط الأنفاس كان كل فرد يروي ماحدث له.. تتشابه التفاصيل.. وتتعدد البطولات.. لكن الجميع يروي بإجلال ذلك الشاب الذي لايعرفون إسمه.. لكنهم شاهدوه يلقي بنفسه علي البلطجية فيقبض علي أحدهم ويأتي به أسيرا رغم مايتعرض له من اللكمات وضربات وجروح أليمة من أسلحة حديدية لم يتورع البلطجية عن استخدامها.. تركت آثار جرائمهم معالمها علي وجوه وسواعد وأقدام الشباب وعيونهم أيضا.. فقد بعضهم إحدي عينيه.. فاعتبر ماحدث وساما.. وضع ضمادة عليها وكتب عليها »ارحل«. أما الشهداء فعلت صورتهم لتزين جوانب الميدان وساما علي صدر قاطنيه وعارا علي نظام أُرتكبت في عهده هذه الجريمة.. ويستمر الصمود وتعلو الحناجر بالهتاف والغناء ليثبت العزم حلاوة زمان رجال في الميدان وآن الأوان تفوق البلد إيدين مرفوعين وبركان حنين من المظلومين في عشق البلد تحدي وصمود قضية وجود وحالفين نموت في حب البلد من عزيمة الشباب استعاد الكبار عزمهم.. رجالا ونساء هتفوا بصوت واحد.. خرجوا للاحتجاج علي أحوالهم ومستقبل مظلم ينتظر أبناءهم.. اسودت الدنيا في عيونهم بعد أن فرض شبح البطالة ظلاله علي الجميع.. تهمس لي إحداهن لي ولدان تخرجا في الجامعة منذ كثر من خمس سنوات.. لم يجدا عملاً عاطلين صارا مثل ملايين غيرهما.. لا مستقبل لهم. وتصرخ أخري »كفانا فسادا نهبوا البلد وهربوا بأموالنا وتركونا لانجد قوت يومنا وتترجمها الهتافات "بدولار بدولار ..جابوا منين سبيعين مليار".. "الشعب يريد اسقاط النظام". التف الجميع حول هدف واحد.. فلم يفلح أحد في النيل من عزيمتهم.. تعرضوا للحيل السياسية المفضوحة.. وألاعيب محترفيها المأجورين.. لفوا وداروا وهددوا وحاولوا بث الفرقة.. نصائح مزيفة أمطرها عليهم مدعو الحكمة.. حوارات جوفاء »مهاترات« جدل عقيم.. متاهات قانونية.. تعقيدات دستورية.. سيرك نصبه محترفو ركوب الموجة.. ألاعيب أحزاب ورقية كرتونية.. توظيف لشخصيات مازالت تحاول أن تلعب دورا لو حتي في الدقائق الأخيرة.. لكن إرادة الشعب كان لها القول الفصل.. أرادوا الشعب الحياة فاستجاب القدر. وصمموا فخضع من يقطن القصر.. وتحقق للشعب ما أراد إسقاط النظام. جاء الخبر اليقين فتعالت الهتافات الصراخ.. بالزغاريد والفرحة ..الكل يحتضن الكل.. ويسجد لله شكرا علي نعمة الحرية. رأيته وسط دموعه تخرج الكلمات منه بصعوبة. اليوم أستطيع النوم بلا خوف.. فلم أعرف طعم النوم منذ سنوات.. كنت أنتظرهم فجرا فهم لايأتون إلا فجرا. يبثون الفزع والذعر والخوف .. لم أكن أخشاهم.. فقد تعودت علي زيارتهم لكنني كنت أخشي علي أولادي أحاول أن أجنبهم رؤية تلك الوجوه القاسية.. فأظل مستيقظا طوال الليل في انتظارهم وما إن ألمح أطيافهم حتي أبادرهم لاتزعجوا الأولاد سآتي معكم في هدوء. في ميدان التحرير فقط عرفت طعم النوم يبكي فيحتضنه آخر كلنا عانينا الظلم.. الفقر.. القهر تركونا للهم والحزن وجمعوا هم ثرواتهم بالمليارات وتأتي دموع أُم الشهيد ليقف الجميع أمامها إجلالا وفخرا.. ويحاول البعض أن ينهي تلك الحالة من الشجن داعيا الكل للفرحة ونسيان كل مايكدر صفو اللحظة مشجعا الآخرين بالهتاف تحيا مصر.. إفرحي ياأُم الشهيد النهاردة ليلة عيد.. يهتف الجميع بصوت واحد فرحين بتحقيق النصر تواصلت أفراحهم حتي الفجر.. وقبل أن يغادروا الميدان كان شعور بالحنين يأخذهم إليه.. تعكسها كلمات أحدهم »والله حتوحشنا هذه اللمة والصحبة والحياة الحلوة فيرد عليه آخر: سنأتي هنا كل عام لنحتفل معا بثورة 25 يناير ونلتقي من جديد.. ونهتف دائما: إرفع رأسك أنت مصري.