أحد الأهداف الستة التي قامت ثورة يوليو لتحقيقها "الديمقراطية السليمة".. مر حتي الآن حوالي ستين سنة، حقق خلالها حكامنا " من المؤسسة العسكرية" الكثيرمن الانتصارات والانكسارات، لكنهم أهملوا ذلك الهدف الضروري ك "فريضة غائبة" وكأساس لأي بناء متين، ولم يحققوا منه سوي سور خارجي وواجهة.. وذات ليلة شتاء بارد دوت صرختها آفاق الدنيا اكتشفنا أنها حبلي، بجمرة ملتهبة وثورة مفاجئة صاعقة، فاقت في تلقائيتها فورة عرابي وثورة سعد، وزادت في روعتها علي أقصي ما يمكن أن نراه في الأحلام.. فمن بادروا بهذه الثورة كنا نظنهم ينتظروننا حتي ننام، ويمضون الليل في "الشات" وهمسات الغزل والآهات.. لكنهم بإصرارهم وصدقهم جعلونا نشعر بالخجل، وبأرواحهم ودمائهم طهرونا من دنس داء خبيث طال توطنه فينا، هو الخوف والسلبية.. وأعلنوا أن الإصرار والأظافر بأطراف أناملهم كانت أقوي من القنابل والرصاص فطالت ما عجزنا نحن كآباء عن تحقيقه.. كانوا ثورة علي الثورة، ثورة علي ما آلت اليه خواتيم الأم النقية "يوليو" من استبداد وفساد، مما لم يدع زرعا ولا ضرعا ولا بحرا ولا جوا ولا حتي جماد.. ثورة علي الزواج الحرام بين السلطة والمال.. كانت صرخة لأبنائنا علي قلب رجل واحد أو شابة واحدة اسمها إسراء أو ياسمين أو لوتس أو وائل أو عمرو أو ورد أو... لا يهم أي أسماء من الزهور والشباب هم ، لكن طلباتهم مع اختلاف منطوقها بين الحرية والتنحية والمدنية والشفافية والعدالة الاجتماعية فإنها لا تخرج في النهاية عن معني ومفتاح رئيسي واحد " ماستر كي" هو: الديمقراطية.. والآن! وكثيرا ما كان يتكرر السؤال: هل كان حكامنا عاجزين عن رؤية ذلك التأثير السحري للديمقراطية لإطلاق الطاقات والإبداع والتنمية والتقدم وارتفاع مستوي المعيشة للجميع؟.. قد يكون لهم بعض العذر وليس كله في بداية الثورة.. ولكن نظرة سريعة فيما بعد إلي دول كالهند والبرازيل وأندونيسيا وماليزيا وكوريا وتركيا والصين، وتفحص ما انتقلت إليه أحوالها، لأدركنا الفرق الرهيب.. فنحن بالقياس إما محلك سر أو تراجعنا للوراء.. ولايجب أن يخدعنا تهليل بعض الهيئات الغربية المتعمد لنسب النمو البالوني لاقتصاد مصر وأرقام المليارات التي يدسها عرسان الفساد في جيوبهم أو كروشهم لافرق.. لقد كان نموا فقط في الأرقام، يذهب لبنوك سويسرا وبريطانيا وأمريكا.. بينما التنمية المستدامة والإنتاج الحقيقي في الزراعة و الصناعة والتعليم والصحة يتآكل.. وصار عدد الفقراء "القحط" يقترب من نصف سكان مصر! الآن وبعيدا عن شيطان التفاصيل.. لنذهب فورا لأحلي لحظة في تاريخ مصر.. لحظة انتصار ثورة أبنائنا وشبابنا في 25 يناير.. يوم أن تغلبنا علي الضعف والخوف والسلبية وعلي فساد الفكر الذي كان يسمونه جديدا بينما هو فكر المافيا المنظمة وأسلوب عصابات السرقات الكبري، وأنا بنفسي شاهد عيان علي بعض من ذلك، وتشهد معي هذه الأجندة الحمراء أنها احتوت الكثير من مثل هذا النقد وغيره.. المهم لا يفوتني أن أقدم تريليون مبروك لكل مصر وشعبها.. طبعا أنا ضد المليارات الحرام التي كثيرا ما هاجمتها، لكن هذه الأرقام الهائلة من التهنئة الصادقة يستحقها شبابنا وشعبنا العظيم، أمام العالم أجمع.. وأقدم قبلة حب واحترام وتقدير علي رأس ويد وقدم كل شهيد أو جريح قدم روحه أو دمه فداء لمصر وحريتها وتخلصها من الظلم والاستبداد وتنسمها هواء نظيفا، ومن المؤكد أن هذه الأرواح الطاهرة راضية الآن ومبتهجة لفرحة وبهجة شعب مصر وكل شعوب العرب والعالم السعداء لسعادته.. والسؤال هذه اللحظة: وماذا يجب أن نفعل خلال الفترة الانتقالية المقبلة؟.. الإجابة يعرفها كل شعب مصر، لكن البعض أحلامه تقتصر علي أسرته ومجتمعه الصغير والبعض تتسع آماله لتشمل مصر كلها وأشقاءها العرب والإنسانية بأكملها.. أما البداية فهي مصر بالتأكيد، التي تحتاج منا كل القلوب والعقول والجدية والإخلاص ووضع أساس سليم لتكون البداية الجديدة "علي نضافة" وهذا يحتاج التأسيس لحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وعلمية وثقافية وفنية من جديد لكي تحتل مصرنا مكانتها اللائقة بين الأمم، التي ظلت علي مر التاريخ تتمتع بها ويشار إليها بالبنان والإعجاب، حتي في فترات فقرها وتراجعها الاقتصادي، عندما كانت تعامل كالرجل الفقير، لكنه شريف ومحترم وله رصيد وتاريخ طيب عند الناس.. أما ما وصلنا إليه فلم يقف عند الفقر والعوز فحسب، وإنما معه الخصم والتراجع لمكانتنا واحترامنا ودورنا بين الأمم.. هذه الجوانب تحتاج دستورا وبنية تشريعية جديدة تؤسس لدولة القانون ولحكم برلماني ولمجتمع ديمقراطي حر، يحترم أبناءه ويحفز طاقاتهم علي الإبداع والثقافة والإنتاج والتعاون والتآخي والمواطنة الحقة، التي تعلي الإنسان من حيث هو إنسان، بعيدا عن العرق أو الجنس أو الدين أو الفقر أو الغني.. نحتاج مجالس نيابية محترمة صادقة معبرة بشكل حقيقي عن الشعب بمختلف طبقاته.. نحتاج انتخابات حرة قائمة علي جداول انتخابية نقية ويشعر كل ناخب بإرادته الكاملة بعيد عن الضغوط والإغواء، ويأتي عنصر تلبية احتياجاته ومطالبه بالعدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع.. وانتخابات بهذه الطريقة تضمن رئيسا عادلا، حكما مستقلا بين مختلف سلطات ومؤسسات وأفراد المجتمع.. فالعدل ميزان للحياة السليمة الصحيحة في كل جوانبها، والظلم مرفوض، وهو الأمر الوحيد الذي حرمه الله علي نفسه.. ويأتي تنفيذ وقولبة هذه المطالب في أطر زمنية وتطبيقية علي يد الكفاءات، كل في موقعه الصحيح وهم كثر والحمد لله لكنهم متعففون، فليتقدموا بإيجابية هذه المرة وليبحث عنهم أيضا مسئولو إدارة شئون مصر حاليا السادة أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذين نثق تماما في كفاءتهم وصدقهم وإخلاصهم المطلق لمصر وشعبها، فهم أهل لهذه المهمة الجليلة من أجل مصر وهي تجربة لم تتكرر بنجاح في عالمنا العربي سوي مرة واحدة علي يد الرئيس السوداني المحترم الفريق عبدالرحمن سوار الذهب، متعه الله بكل صحة وخير.. أما الخطوات العاجلة والمستمرة في نفس الوقت فتتمثل في اجتثاث الفساد جذريا من الحياة المصرية، فلا يجب أن تأخذنا رحمة به، فهو لم يترك أحدا في حاله، وصار الفساد متغلغلا في كل مكان تقريبا، كانوا يريدون أن يقولوا لمن يمكن أن يفتح فمه أو يحركه ضميره اليقظ قف عندك و " لاتعايرني ولا أعايرك.. الهم طايلني وطايلك"! ومواجهة الفساد تحتاج جهودنا جميعا، وكل من لديه مستندات تحارب هذه اللعنة فلا يتردد والرقم السريع للإبلاغ هو »19468« وقد بدأت بنفسي وتقدمت بحالات عديدة في حوزتي، وفعلت ذلك علي مدي سنين بصدر عار، أمام أعلي الرءوس في الحكم ولم أخش غير الله.. فلا نامت أعين اللصوص والفاسدين! آه لو علمنا حقا كم هي رائعة ونادرة وجميلة ومثيرة وذات تأثير تاريخي مدهش: ثورة زهور اللوتس.. إنها كالمعجزة !