د. هانى عازر تحتل مصر المركز الأول في أعداد العلماء المهاجرين للخارج علي مستوي العالم، وبحسب إحصائية صادرة عن الأممالمتحدة ومراكز الاتحاد العام للمصريين فإن عدد هؤلاء العلماء يصل لنحو 86 ألف عالم في تخصصات مختلفة، بينما قدرت إحدي الدراسات عدد الأطباء من حملة الدكتوراه أو ما يعادلها الذين هاجروا إلي بلاد أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول بنحو 76 ألفًا، وأن الخسائر الناجمة عن هجرة هؤلاء تصل لنحو 140 مليار دولار، كما تشير بعض الدراسات والأبحاث إلي وجود أكثر من 820 ألف شاب مصري في الخارج منهم 450 ألفا كفاءة وعبقرية علمية في مختلف المجالات البحثية الدقيقة، وأن هجرتهم تتسبب في خسارة مصر لأكثر من 54 مليار دولار سنويا. ووفقًا للخبراء، فإن ارتفاع معدل هجرة العلماء المصريين للخارج يعود إلي تزايد القيود المفروضة علي حرية ممارسة البحث العلمي، مما يترتب عليه شعور متزايد بالاغتراب للكفاءات العلمية والفكرية داخل الوطن وترقبها فرص للهجرة للخارج، وحذر البعض من خطر هذا النزيف القاتل وتأثيره علي مستقبل الوطن إذ تصيب أضراره كل مواطن ولعدة أجيال. المفكر الدكتور فتحي سرحان، يري أن مصر تعد مصدرا رئيسيا لهجرة الشباب إلي الخارج كما نلاحظ أن نسبة هجرة الشباب من العلماء والمهندسين إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية مقارنة ببعض الدول خاصة الدول العربية تقدر بنحو 10% وتتزايد هذه النسبة باستمرار، لافتا إلي وجود بعض الأسباب في هجرة العقول والكفاءات المصرية للخارج، منها المحسوبية والوساطة في التقدم للوظائف مما أدي لاستبعاد الكفاءات والخبرات والمواهب الأمر الذي نتج عنه فقدان التوازن الاجتماعي في المجتمع المصري حيث صعدت شرائح اجتماعية جديدة وهبطت شرائح أخري إضافة إلي عدم الاهتمام بالبحث العلمي، كما أن فقدان الشباب الذي هاجر إلي الغرب ودرس في جامعاته ومراكزه البحثية واندمج مع المجتمعات الغربية التي وفرت لهم كل رغباتهم في الابتكار والإبداع أفقده الانتماء لوطنه، وأيضا شعور هذه العقول والمواهب بعدم الاهتمام والتقدير اللائق بهم في وطنهم جعلهم يرضخون للإغراءات المادية ويفضلون البقاء بعيدا عن الوطن. ويوضح أنه في حالة مقارنة أبناء العقول التي هاجرت وتربت ودرست في المجتمعات الغربية بين البقاء والعودة إلي وطنهم الأصلي فإنهم يفضلون البقاء في هذا المجتمع الذي تربوا ودرسوا فيه وهذا يعد عنصرا مهما في نظرة أبناء المهاجرين من الجيلين الأول والثاني لوطنهم الأصلي وعدم العودة إليه، هذا بجانب عوامل اقتصادية أخري تعد أحد أسباب هجرة الشباب ومنها عدم إيجاد فرص عمل واستبعادهم من العمل كمعيدين وكباحثي دراسات عليا في الكليات التي تخرجوا فيها مما يضطرهم إلي الهجرة والاستيطان في الدول المهاجرين إليها، أيضا انخفاض مستوي المعيشة وضعف المرتبات والأجور وارتفاع معدلات البطالة من أسباب هجرة الشباب والعلماء للخارج. يضيف سرحان، أن من الأسباب التي تحفز الشباب علي الهجرة عدم الاهتمام بالتعليم وبالبحث العلمي، عكس الدول التي يهاجرون إليها التي تمتلئ بالتطور وتوفير الإمكانات اللازمة لإيجاد بيئة مشجعة علي الإبداع والابتكار والاهتمام بالبحث العلمي وإعلاء قيمة العلم، مشيراً إلي أن تحفيز العلماء والعقول المهاجرة علي العودة إلي أرض الوطن والقيام بدورهم الوطني في خدمة وطنهم يتطلب وضع برامج جاذبة وتوفير حياة معيشية كريمة للعلماء والشباب وإتاحة المزيد من المراكز المرموقة أمامهم وتوفير مناخ جيد من الممارسة الديمقراطية من خلال إتاحة حرية الرأي والتعبير والتفكير وغيرها من عوامل التحفيز والتشجيع. المناخ الطارد من جانبه، يؤكد سويلم جودة، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، علي عدة عوامل تدفع العلماء للهجرة أبرزها المناخ الطارد للكفاءات والعقول في المجتمع المصري بعكس المجتمع المستقطب لها في الغرب، وقال إن هذا يتطلب تحديد أوجه الخلل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، حيث نلاحظ الآثار الاقنصادية في هجرة العقول والكفاءات المصرية والنقص في الكوادر العلمية والفنية اللازمة لدفع عجلة تطور البيئة الاجتماعية والاقتصادية وعدم وجود مردود وعائد علي مصر مقابل ما قامت بإنفاقه علي إعداد وتأهيل هذه الكوادر فضلًا عن النقص في الكفاءات المصرية مما ينتج عنه استقطاب لكفاءات أجنبية والاعتماد عليها في بعض المجالات خاصة الاقتصادية هذا من جانب وهناك جانب آخر يتمثل في عجز قدرة مصر علي إعداد كوادر مؤهلة للقيام بعمليات تشمل التنمية الاقتصادية وانخفاض ملحوظ في المستويات العلمية وهذا ناتج من نقص وعجز في إعداد الطاقة المؤهلة المتمثل في أعضاء هيئات التدريس فضلًا عن ضعف البحث العلمي، لافتا إلي أن هجرة العقول والكفاءات تؤدي إلي خسائر كبيرة تقدر بالمليارات، لذلك يجب علي الحكومة وضع سياسات وإجراءات تؤدي إلي الاستفادة من الكفاءات والعقول المهاجرة. منظومة التعليم ويري الدكتور الطنطاوي فريد، خبير الطاقة واستشاري المجموعة الدولية للهندسة، أن سبب هجرة علمائنا للخارج يكمن في منظومه التعليم الفاسدة، وقال: "إصلاح منظومة التعليم واعتباره قضية أمن قومي هو بداية التقدم الحقيقي لأي بلد في العالم"، مشيرا إلي أن منظومة التعليم تحتاج إلي ثورة تصحيح وإعادة نظر فالتعليم فاشل وباعتراف القائمين عليه. أضاف: "نلاحظ أن من يمتلكون الإبداع والفكر والمجتهدين في مختلف المجالات يتركون البلد ويذهبون إلي الخارج خاصة دول أمريكا وأوروبا حيث يدرسون في جامعاتها ومراكزها البحثية ويبدعون ويخترعون فيها، فمشكلتنا أننا لا نملك المشروع الوطني المتمثل في التعليم الذي يعد بداية النهضة والتقدم لأي بلد. بينما يري الدكتور خليل فاضل، أستاذ علم النفس، خبير التنمية البشرية، أن هجرة العقول والكفاءات للخارج لا تُعد ظاهرة مصرية فقط لكنها ظاهرة عالمية علي مستوي دول العالم حيث يوجد الكثير من الدول منها دول أوروبية إضافة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية تهجرها العقول والكفاءات، لافتا إلي أن الأسباب التي تؤدي إلي هجرة هذه العقول والكفاءات من مصر تختلف عن الأسباب في الدول الأخري، فنحن في مصر لدينا أسباب كارثية منها عدم الاهتمام بالنوابغ والمتميزين وإهمالهم والتعمد في دفن المواهب عن طريق مرءوسيهم الأقل كفاءة منهم فضلا عن عدم توافر فرص للبحث والإبداع والتفكير والتطوير ناهيك عن الظروف السياسية والوضع الاقتصادي الذي يمثل صعوبة كبيرة وظاهرة المحسوبية والوساطة فكل هذه الأسباب قاتلة لأي مواهب وأي إبداعات. يضيف: "رغم اعتبار البعض أن للهجرة فوائد في جذب العملة الصعبة للبلاد من خلال التحويلات إلا أن مخاطرها كبيرة، ولها تأثير علي الدخل القومي والمستوي العام". مشروع «بدايتي» الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي، يقول: "نقوم حاليا بتنفيذ مشروع «بدايتي» الذي يهدف إلي دعم مشروعات التخرج لطلاب الكليات العملية كالعلوم والهندسة والكليات العملية الأخري وقد وصل عدد المشروعات التي قمنا بتمويلها حتي الآن وخلال هذا العام إلي نحو 200 مشروع لعدد 1500 طالب وطالبة في تخصصات علمية مختلفة كما قمنا بمبادرة ممولة من أكاديمية البحث العلمي عن طريق إقامة نحو 35 مكتبا لنقل التكنولوجيا وتسويقها في مختلف الجامعات والمراكز البحثية". ويوضح، أن الهدف من هذه المبادرة وهذا البرنامج إنشاء نظام مؤسسي يتم من خلاله التعرف علي الاحتياجات الصناعية، وإيجاد حلول علمية لها ، فبرغم محدودية التمويل استطعنا من خلال التعاون مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون ووزارة الشباب والرياضة ومؤسسات المجتمع المدني وجامعة النهضة ببني سويف وأكاديمية طيبة من إنتاج برنامج تليفزيوني يهتم بدعم الابتكارات والاختراعات التي يقوم بها الشباب المصري تساهم في صنع المستقبل وفي هذا الصدد خصصت أكاديمية البحث العلمي جائزة تقدر بمليون جنيه للمخترعين وللمبتكرين من الشباب الفائزين، إضافة إلي تقديم الرعاية والدعم المستمر للابتكارات والاختراعات التي لها جدوي اقتصادية وتقوم علي أساس علمي مشيرا إلي أننا نعمل علي الاستفادة من مخرجات الابتكارات والاختراعات التي يقوم بها الشباب المصري والعلماء التي تستهدف توليد تكنولوجيا عالية بشتي الوسائل مما يكون له انعكاس علي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.