يدخل العالم العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وسط دوامات من الأزمات في كل أرجاء الأرض ، ملفات حروب والتهديد بشنها مازالت مفتوحة وانهيار اقتصادي يتردد صداه في كل مكان ، لكن عالمنا العربي يعيش في وسط كل الأزمات دون أن يتحرك الحركة التي تخرجه من دوامتها وتجعله رقما في معادلات القوي يحسب حسابه ، الانقسامات بين بلدانه ورياح الفتن بين شعوبه وهامش الحرية المحدود والقبلية التي تحكم معظم أنظمته والأزمات الاقتصادية التي تعصف بحاضره ومستقبله ومحاولات التفكيك التي تمتد علي خريطته من المشرق إلي المغرب وأخطار الحروب التي تهدد استقراره والقضية المركزية (فلسطين) التي تراجعت فرص الحل فيها للوراء بخطوات واسعة واستمرار النظام العربي في الارتباط المستديم بواشنطن وعدم الرغبة في تغيير المعادلة مع قوي دولية أخري والفساد والبيروقراطية ، كل ذلك يجعل رياح التغيير لاتهب كثيرا أو طويلا علي عالمنا العربي لتبقي كل الأمور دون جديد تحت شمس المنطقة وحتي إشعار آخر!! أحداث العام الماضي وتداعياتها ستكون محورالأحداث المتوقعة للعام الجديد وهي في مجملها بالنسبة للمنطقة العربية لاتحمل سوي الانتقال من السييء إلي الأسوأ فلاشيء منها يدعو للتفاؤل علي كافة الأصعدة كما تسود حالة من عدم الرضا لدي كافة شعوب المنطقة عن سياسات الكثير من الأنظمة سواء في مجال الإصلاح السياسي أوالاقتصادي أو سياسات التعليم والبحث العلمي التي تأخر العرب فيها كثيرا حتي صارت المنطقة مجرد مستهلك لمنتجات الآخرين وتقدمهم الحضاري كما أن مظاهر الشحن المذهبي والطائفي والعرقي صارت تهدد سلامة البنيان الاجتماعي كما أن موجات الغضب الشعبي نتيجة للأحوال الاقتصادية المتدهورة بدأت في الظهور في عدة بلدان عربية كمصر وتونس والجزائر والمغرب ، أما الفساد فحدث ولاحرج فقد تزايدت معدلاته وأشكاله وخاصة في البلدان ذات الهامش المحدود من الحرية وفي بلد تحت الاحتلال كالعراق الذي أصبح يحتل مكانة بارزة في أكثر البلدان فسادا علي مستوي العالم. وفي العام الجديد قد تفجر وثائق ويكيليكس الكثير من المفاجآت خاصة مع بدء نشر وثائق حول علاقات أمريكا مع بعض البلدان العربية وإسرائيل كما وعد مؤسس الموقع (جوليان أسانج) مؤخرا وسوف يثير نشرها جدلا واسعا وربما أزمات بين واشنطن ومسئولي هذه البلدان وخاصة مايتعلق منها بالصفقات التي دار حولها جدل كبير وماتردد حول قيام بعض المسئولين بتقديم تقارير للسفارات الأمريكية في المنطقة وأسراراللقاءات التي مع مسئولين عرب تمت في الغرف المغلقة ورؤية الدبلوماسيين الأمريكيين للأوضاع السياسية في البلدان التي يتواجدون فيها. أزمات الاقتصاد الأزمات الاقتصادية العالمية ستظل تؤثر علي الوضع الاقتصادي العربي بصورة مباشرة حيث يظل معدل البطالة مرتفعا ويصل إلي %25 وهو الأعلي عالميا نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي ودون حلول جذرية للمشكلة التي تطال بشكل رئيسي الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف سكان العالم العربي مما يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة مع استمرار موجات الهجرة المشروعة وغير المشروعة مستمرة للخارج خاصة أن العديد من البلدان الغنية عربيا بدأت تتحول لعنصر طارد للعمالة إما بإحلال العنصرالوطني أو التركيز علي العمالة غير العربية أوعدم الحاجة للمزيد من العمالة مما سيزيد العبء علي الدول التي تستقبل العائدين والتي تعاني من عدم قدرتها علي خلق فرص عمل جديدة وضعف معدلات النمو. وسوف تستمر آثار الأزمة المالية العالمية تلقي بتأثيراتها فيما يتعلق بالعجز في الميزان التجاري وارتفاع معدلات التضخم وعدم قدرة معظم الاقتصاديات العربية علي وضع معايير للتحكم وضبط حركة الأسواق ونشاط القطاع الخاص بما يحمي المستهلك العادي من الارتفاع المتواصل في الأسعار مما يؤثر سلبا في مستوي معيشته وعدم مراعاة الجانب الاجتماعي. أما فيما يتعلق بظاهرة الفقر في عالمنا العربي فقد أشارت تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن من يعانون من نقص الغذاء بالمنطقة وصل إلي قرابة الأربعين مليون نسمة بينما يعيش 100 مليون تحت خط الفقر أي ثلث سكان المنطقة نتيجة التوزيع غير العادل للثروات والفساد علي كافة المستويات وفشل استراتيجيات تنمية وتطويرالزراعة مما قاد لظهورالفجوة الغذائية الحادة والتي يتم تغطيتها من خلال المزيد من استيراد المواد الغذائية من الخارج ، كما يخشي من تزايد ظاهرة الفقرالمائي نتيجة قلة الموارد المائية خاصة في منطقة شرق المتوسط ومصر والخليج العربي وتصاعد مشكلة محاولة بعض دول منابع النيل خاصة إثيوبيا العمل علي عقد إتفاقية جديدة لإعادة تقاسم مياه النيل بين دول المنابع والمصب وإلغاء الإتفاقيات التاريخية السابقة ومع احتمال ظهور دولة جديدة (جنوب السودان) وماقد تطالب به مستقبلا بإعادة تقاسم حصص المياه مع كل من مصر والسودان ومشكلة سوريا والعراق مع مياه دجلة والفرات مع تركيا وضعف موارد لبنان المائية بسبب سرقة إسرائيل لمياه نهر الحصباني ورافده الوزاني في الجنوب . ملفات ساخنة في أزمات العرب المفتوحة علي كل الاحتمالات يأتي ملف انفصال جنوب السودان في المقدمة حيث الأجواء أصبحت مهيأة لذلك بعد الاستفتاء الذي يجري بعد أيام قليلة والذي تشير الدلائل لتفضيل هذا الخيار رغم صعوبته في مرحلة التنفيذ خاصة مايتعلق بتقسيم الثروات ومنها البترول في منطقة أبيي وترسيم الحدود وكافة النقاط القانونية العالقة والتي ينبغي حسمها إذا ماجاءت نتيجة الاستفتاء بنعم للانفصال وسوف نشهد فصولا ساخنة بعد الاستفتاء بين شد وجذب داخلي وضغوط خارجية وتلويح بالحرب وقد يشتعل الصراع دون سابق إنذار في أبيي فالأجواء ملبدة بغيوم الحرب وكذلك الصراع السياسي بعد إعلان الرئيس البشير عن تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال كما تظل قضية دارفور مرشحة لتداعيات خطيرة. وفي الملف اللبناني تتصاعد قضية المحكمة الدولية وقرارالاتهام المرتقب لعناصر حزب الله باغتيال الحريري وجهود الوساطة السعودية - السورية لنزع فتيل الأزمة عبر إقناع سعد الحريري بالتخلي عن القضية والمحاكمة مع ضمان بقاء حكومته في السلطة وعدم تحرك من جانب حزب الله وذلك لمنع حدوث فتنة بين السنة والشيعة في لبنان وعودة أجواء الحرب الأهلية لكن سوف يبقي التوتر طوال العام مع التهديدات الإسرائيلية باستهداف لبنان عسكريا. وفي العراق تستمر أوضاع التوترالمذهبي علي حالها وكذلك دوامة العنف مع اقتراب رحيل القوات الأمريكية بشكل نهائي نهاية العام الحالي وتصعيد المقاومة العراقية لعملياتها القتالية واحتمالات عدم عقد القمة العربية القادمة في بغداد أوعقدها بأدني مستوي تمثيل نظرا للمخاطر الأمنية ولتحفظات العديد من الدول علي نهج نوري المالكي الطائفي واحتمالات عدم استمرار الحكومة الحالية في ظل الخلافات بين المالكي وعلاوي. أما في الملف الأهم وهو القضية الفلسطينية فالأجواء تبدو مهيأة لإسرائيل لشن عدوان جديد علي غزة لإخضاعه عسكريا وسياسيا وحتي في حال عدم شن هذه الحرب فسوف تستمر الغارات الجوية شبه اليومية علي القطاع مع تواصل الحصار دون بارقة أمل في نهاية قريبة ، وفي عملية السلام لايتوقع أي انفراجة أو تحرك سواء من واشنطن أو العرب أو إسرائيل لتحريك قاطرة السلام المتوقفة كما تستمر الدولة العبرية في تنفيذ مخططاتها لتهويد القدس وتسريع عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة حتي تغلق الطريق علي إقامة الدولة الفلسطينية لكنها ستواجه أزمة توالي الاعتراف بهذه الدولة علي حدود عام 67 من الكثير من بلدان العالم وإمكانية تحريك القضية في الأممالمتحدة لكن المشكلة تكمن في المفاوض العربي وقدرته علي السعي بجدية وقوة للدفاع عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين ولايتوقع حدوث جديد في المصالحة بين فتح وحماس لكن رام الله ربما تواجه الكثير من المشاكل الداخلية سواء داخل منظمة التحرير وحركة فتح أو داخل الحكومة. وفي الصومال يواصل الأخوة الأعداء صراعاتهم وسط تدخلات إقليمية من دول الجوار بتمويل غربي لعدم منح الإسلاميين فرصة العودة للحكم وسط التدهور المستمر لأحوال الشعب الصومالي ، كما تستمر الأوضاع السياسية في اليمن علي حالها من الاضطراب سواء بصدام صنعاء مع الحوثيين أو القاعدة. وسوف يشهد العام الحالي تصاعد الشحن المذهبي خاصة بين السنة والشيعة وحرب الفضائيات وكذلك مواجهات الشارع خاصة لدي الأقليات الشيعية في بلدان الخليج ويستمر شيعة العراق في غيبوبة المسيرات المليونية للعتبات المقدسة ومشاهد الدم والنار ومواكب العزاء وإحياء 38 مناسبة دينية سنويا ولا أحد يدري متي يجدون وقتا للعمل ولماذا لايتفرغون لإحياء بلدهم المدمر بدلا من إحياء هذه المناسبات ؟!! وسوف يظل النظام العربي في دوامة الأزمات طالما ظلوا علي نهجهم القديم والمستمر في أن يكونوا مجرد ردود فعل للآخرين وطالما أبقوا علي الحد الأدني من الحرية لشعوبهم دون إفساح المجال للمشاركة في صناعة القرار فتوسيع هذه المساحة سوف يقوي من شوكة هذه الأنظمة أمام أي تحديات خارجية ولابد من عودة التضامن بين دول المنطقة وألا يكون قاصرا علي الأزمات وأمامهم تجارب الآخرين ، وبدون ذلك سيكون العام الحالي مثل سابقيه من الأعوام لاجديد فيه تحت الشمس سوي حدوث الأسوأ !!