جزيرة الروضة الوحيدة التي شهدت أحداث الفتح الإسلامي، إذ ظهرت جزر القاهرة في عصور إسلامية متأخرة، ولموقعها المتميز تم اختيارها لوضع مقياس النيل، في طرفها الجنوبي، وظل المقياس الذي يُعدُّ ثاني أقدم أثر إسلامي يحتفظ بموقعه بعد جامع عمرو بن العاص، في السطور التالية قام "دين ودنيا" بجولة في مبني المقياس والتقليب في دفاتر التاريخ لمعرفة قصص المقياس الذي لم يخرج من الخدمة إلا في سنة 1970. لم أقاوم بهجة 54 درجة حجرية تهبط 10م لقاع مقياس النيل بالروضة، الذي يعد ثاني أقدم أثر إسلامي بعد جامع ابن العاص، أعايش 1200 سنة تاريخ من 247 هجريا، أصل لأرضيته التي لم تقف عليها قدم جافة 1150 سنة، (أقل منسوبه 3 أذرع – متر ونصف)، حتي أغلقت فتحاته ببناء السد العالي 1970، وحلت محله مقاييس بحيرة ناصر. أهبط 9 درجات من حديقة قصر المانسترلي جنوب جزيرة الروضة أعبر بابه الخشبي الصغير أدور مع مشاية شرفته العلوية بسورها الخشبي الأرابيسك، تري عمقه تلف لباب صغير به لتنزل 21 درجة، ثم بسطة و4 درجات أصغر، ومشاية عرضية لليمين يليها 8 درجات وبسطة، و5 درجات ومشاية دائرية أخيرة نهايتها 7 درجات جرانيتية سوداء بعرض قدميك فقط، لكنها الأقرب للأرض. ألتصق بالجدار الحجري أتشبث باحتكاك كفي اليسري به، وترقب يمناي للجلوس الفوري مخافة اختلال التوازن، فعلي يميني فراغ بعمق 3 أدواركانت تؤمن مياه النيل، واحتمال انزلاق الهابطين والصاعدين حفاة يجيدون السباحة، وليس لي إلا الطيران في الهواء. أتلمس قاعدة المقياس الدائرية بخشب الجميز المقاوم للمياه والهزات والزلازل والعمود الرخامي ( 19 ذراع ارتفاعا - كل منها مقسم 24 إصبعا) أعلاه تاج روماني ووزنه 20 طنًّا ليقاوم اندفاع المياه ومثبتة قمته بكمرة خشبية عليها بالخط الكوفي آية الكرسي و(أنزلناه من السماء بقدر) وأعلي جانبيه الشمالي والشرقي من تجديدات ابن طولون 259 ه (الله الذي خلق السموات وأنزل من السماء ماء تخرج منه الثمرات ) (وهو الذي سخر لكم الفلك)، خطوط قياسه محفورة كما علي جدران المعابد الفرعونية علي النيل من أسوان حتي منف والمقياس المصرية القديمة من المتحرك بثقل في طرف حبل يرمي للقاع أوعمود خشبي أو بئر يقاس منسوبه بعدد درجاته المغطاة بالمياه. قديما كان قياسه يحدد موسم الزراعة المقبل وخراج الدولة، كان منسوب 16 ذراعا أفضل عائد زراعي، وزيادته ذراعا تروي الأراضي العالية ويزيد الخراج 100 ألف دينار، و13 رقم نحس فيه الفقر، و18 ذراعا كوارث تختفي تحته أراضٍ زراعية، وتكثر البرك بأوبئة تهلك الناس فيقل الخراج 100 ألف، خراج مصر في الفتح 12 مليون دينار في توزيعها المثالي ربع للأمراء والجنود ورجال الدولة والقضاة والعلماء، والثاني لإصلاح الجسور وتطهير الترع، والثالث للطوارئ، وربع للخليفة في المدينةالمنورة ثم بغداد ثم استانبول، أو في مصر مع ابن العاص في ولايته الثانية، وابن طولون والإخشيدي والفاطميين والأيوبيين والمماليك، وأهمها سفن القمح السنوية للحرمين الشريفين مكةوالمدينة. موقع المقياس فرعوني في المجري الضيِّق للنيل حيث تقل فيه شدة التيار فلا يتسرب الطمي لبئره،قبيل فروع النيل الخمسة التي بقي منها فرعا رشيد ودمياط، وأمام العاصمة الفسطاط إبان حكم الأمويين ثم العسكرللعباسيين. وتعرض المقياس لأكثر من عملية تجديد، حيث جدده بعد 75 سنة من الفتح متولي الخراج أسامة بن زيد التنوخي سنة 95 ه ثم التجديد التاريخي الأهم سنة 247 ه، والمعروف باسم الخليفة العباسي المتوكل، علي يد المهندس أحمد الفرغاني، الذي تم في 6 أشهر، خلال فترة انخفاض الفيضان، والذي استعد طويلا بدراساته وتصميماته وأدواته وصنايعية مهرة "إيديهم تتلف في حرير"، عملوا ليل نهارلإنجاز هذا الجمال. قبل ذلك استخدم ابن العاص مقاييس أسوان ودندرة (قنا) وأخميم (سوهاج) وأنصنا (المنيا) 41 ه، فيما استخدم والي مصر الأموي عبد العزيز بن مروان حلوان 80ه، ثم استخدم ابن طولون مقياسي قوص (قنا) والمقس(باب الحديد)، وكلها مقاييس فرعونية ثم بيزنطية ثم رومانية ومعها مقاييس في فيلة وإدفو وكوم أمبو وإخناتون بملوي (المنيا)، وقصر الشمع (الكنيسة المعلقة) ومقياس سيدنا يوسف في منف (الجيزة). تحرك علي هذه الدرجات وسبح في الفسقية صاحب المقياس أبو الرداد عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي الرداد المؤذن، من البصرة، بأجر7 دنانيرشهريا ومائة قنطارجيرسنويا لعمارته - توفي 266 ه وتوارثه ذريته (عرفوا ببني الصواف ) ويشرف علي المسجد وهو أول مسلم يتولاه بعد 225 سنة من الفتح للرهبان والقبط لم ير الصحابة ولا الولاة فيها شيئا حتي الخليفة المتوكل، ويقيس عصر كل يوم ويقارن بمثيله في العام الماضي يدوِّنه في سجل يرفع سرا لولي الأمر فإذا انخفض الماء لم يتزاحم الناس علي الأسواق وترتفع الأسعاروتختفي البضائع وعندما تستقر بشائره ينادي للناس. ضحي يوم وفاء النيل أول أبيب - 8 يوليو(أول السنه القبطية – يقال يوم الزينة لفرعون والسحرة وموسي عليه السلام، ومن ليلة الأمس أوقدت الشموع والبخور في المقياس وبات المقرئون والمنشدون ويسبح لتخليق المقياس ( دهنه بالمسك والزعفران ) يأخذه من أيادي الولاة والخلفاء والسلاطين ويبلغهم بمنسوب 16 ذراعا، يصلون ركعتين شكرا لله وقد حضروا بالحاشية والجنود و40 نافخ بوق 30 منها فضة وعشرة ذهب في الطرق المزدانة، يعبرون بالزوارق وينعمون عليه وعائلته بملابس فاخرة وصرة مال ويوزعون الطعام والصدقات ويعودون حولهم ألف قارب بالأعلام (كراؤه لعشرة أنفس مائة درهم فضة)، ومراكب رجال الدولة لاحتفالات فتح الخليج. (إذا دخل أبيب كان الماء دبيب) بصوت اندفاع الفيضان وفي بداياته تخضر مياهه وشربها ضار حتي يصل الماء الجديد أحمر بطين السيول يروق فيصبح لؤلؤة بيضاء (أبيب – مسره - توت) ثم تنحسرالمياه وتظهر الأرض الخصبة سبيكة سوداء (بابة - هاتور - كيهك)، وتنضج الزراعات زمردة خضراء ( طوبة وأمشير وبرمهات)، وتصبح سبيكة ذهب حمراء فيكون الحصاد (برمودة وبشنس وبؤونة). علي شاطئ الجزيرة كانت شموع المصريين مسلمين وأقباطا تحتفل بليلة الغطاس 11 طوبة 21 يناير أجمل الليالي سرورا مع الأكل والشرب والموسيقي ويغطسون في النيل ليحميهم من الأمراض، لكن هذه الاحتفالات أوقفها السلطان برقوق 784 ه. عرض النيل حول الجزيرة آنذاك (كيلو متر وربع -600 للفسطاط - باقي 100 م حاليا - و600 للجيزة) فيقول المسعودي المتوفي سنة 346 ه: لم يسم بالبحر غير نيل مصر لكبره واستبحاره فعندما يفيض تصبح أرضها بحرا. ولأهمية المقياس في الجزية اهتم الولاة والخلفاء والسلاطين بصيانته وفي بدايتهم محمد الإخشيد والوزير الفاطمي القوي بدر الجمالي، والسلطان نجم الدين أيوب والظاهر بيبرس وقايتباي (901 ه) وسليم الأول وسليمان القانوني وسليم الثاني (26- 982 ه)، بل والحملة الفرنسية (1214ه ) وأسرة محمد علي (1305ه) ولجنة حفظ الآثار العربية (1925م)، وآخرترميم في سنة 1937 كان باسم الملك فاروق. علي سلالم الصعود أتوقف 3 مرات أمام فتحات المياه المغلقة بعقودها المدببة وتيجانها مرتكزة علي أعمدة مدمجة في الجدران كانت مفتوحة علي نفق مأخذ له 3 فتحات دائرية شمال وجنوب وشرق لتدخل البئر هادئة الشرق (أهبط 15 درجة خارج شرق المقياس أشاهده من أسياخ بابه الحديدي المغلق)، ومن الممشي العلوي تتابع قلب القبة المخروطية (قمع مقلوب)، إطار قاعدتها شرفات أرابيسك للإضاءة بزجاج ملون يضفي لونا بنيا فاتحا مزينة بنقوش إسلامية، ومن الخارج أعلاها هلال عثماني، فهناك قبة عثمانية تنتصب علي قاعدة حجرية مربعة، وجدتها تشبه قبة مسجد أبو يزيد البسطامي بخراسان إيران ( صوفي مات 260 ه )، وله مقام في زاوية تجاور المقياس أقامه أحد ذريته 670ه بعد 400 سنة من وفاته، وتحولت لجامع 770 ه ثم عاد زاوية. أمام المقياس ومن تصميم الفنان الأوزباكي راف شان تمثال بارتفاع 4 م و50 سم بزي إسلامي بيمينه برجل هندسي ويساره أوراق (المهندس محمد بن كثير الفرغاني،من فرغانة ببلاد ما وراء النهر- أوزباكستان - توفي بعد 247ه)، يسار متحف أم كلثوم، تسمع صوتها يجلجل ( أنا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا مطرح ما يسري الهوا ترسي مراسينا).