انطلاق امتحانات النقل الأزهرى للمرحلتين (الابتدائية - الإعدادية) بمعاهد مطروح الأزهرية    قرار عاجل من الحكومة بشأن خطة تخفيف الأحمال خلال احتفالات عيد القيامة    تراجع جديد في أسعار الذهب الآن بمحلات الصاغة.. اعرف الجرام بكام    تراجعت 85 جنيها.. أسعار اللحوم المجمدة الآن في السلاسل التجارية    مدبولي: دعم كامل لتوسعات مجمع مصانع بيراميدز لتوفير المنتج في الأسواق المحلية    شعبة المخابز: غدا تطبيق مبادرة خفض أسعار الخبز السياحي    القابضة للمياه: تحديث المخطط العام حتى 2052 لمواكبة الاحتياجات المستقبلية    عاجل - وقف تنفيذ خطة تخفيف الأحمال الكهربائية عن الكنائس هذه الأيام.. متحدث الحكومة يوضِّح السبب    توريد 2608 أطنان قمح في كفر الشيخ    «رويترز»: الصراع بين إيران وإسرائيل كشف جاهزية القوات الأمريكية بالشرق الأوسط    الإعلام الأمني العراقي: تشكيل لجنة فنية عليا للتحقيق في أسباب الانفجار بمعسكر كالسو    «شكري»: لا يوجد تقاطع في المصالح بين مصر وتركيا.. نتكامل لحل أزمات المنطقة    سامح شكري: نسعى لزيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى 15 مليار دولار    موعد مباراة الأهلي ومازيمبي وتردد القنوات الناقلة    العطار: اتحاد الكرة سيدفع الشرط الجزائي في عقد فيتوريا الأسبوع المقبل    موعد مباراة ريال مدريد وبرشلونة في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    «يد الأهلي» يواجه أمل سكيكدة الجزائري بكأس الكؤوس    حبس المتهم بقتل الطفل أحمد بشبرا الخيمة    سقوط 8 تجار كيف ب75 كجم مخدرات قيمتها 35 مليون جنيه بالإسماعيلية    انتشال جثة طالبة من مياه النيل بالبدرشين    «فرح» تعيد الابتسامة لأهالي الصف بعد 4 أيام اختفاء.. ما القصة؟    السيطرة على حريق شقة سكنية في الطالبية    وصول المتهمين في قضية «رشوة مياه أسوان» لمحكمة جنايات القاهرة    إياد نصار: بحب الناس بتناديني في الشارع ب «رشيد الطيار»    هل ارتبط أنس بوخش ب دينا الشربيني؟.. القصة وراء ظهورهم في دبي (فيديو)    مفتي الجمهورية: من الصعب الاكتفاء بالاجتهاد الفردي    إعادة كف يد شاب مبتورة للحركة بعد عملية جراحية ناجحة في مستشفيات جامعة المنوفية    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يهنئان أسقف السمائيين بشرم الشيخ بالعودة من رحلة علاجية    منصة للأنشطة المشتركة بين مصر وألمانيا.. حصاد أنشطة التعليم العالي في أسبوع    بالفيديو.. ناقد فني عن صلاح السعدني: ظنوه «أخرس» في أول أعماله لإتقانه الكبير للدور    أمين الفتوى: تسييد النبي فى التشهد لا يبطل الصلاة    فضل الذكر: قوة الاستماع والتفكير في ذكر الله    فريدة الشوباشي: الولايات المتحدة الأمريكية سبب خراب العالم كله    منها زيادة الوزن.. خبراء يحذرون من أضرار الحليب المجفف    «الصحة»تخطط لتحسين جودة الخدمات المقدمة للأطفال والمراهقين    التنمر على هذه الفئات يعرضك للحبس 5 سنوات    جدول مباريات اليوم.. 4 مواجهات قارية مختلفة للأهلي.. ظهور للزمالك.. وقمة سيتي وتشيلسي    إصابة 16 شخصًا في حادث إنقلاب سيارة ميكروباص بطريق القاهرة الفيوم الصحراوي    بروتوكول تعاون بين جامعة طيبة وجهاز المدينة الجديدة لتبادل الخبرات    مدير كلية الدفاع الوطني التنزاني يشكر مصر على ما تقدمه من دعم لدولته    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا مضادا للطائرات    تواصلت مع دولتين .. هل تبحث حماس نقل مقرها إلى خارج قطر؟    الفراخ البيضاء ب100 جنيه والبط السوداني ب150.. أسعار الدواجن والطيور في أسواق الإسكندرية اليوم    يُغسل ولا يُصلى عليه.. حكم الشرع تجاه العضو المبتور من جسد الإنسان    عمر مرموش يساهم بهدف في فوز آينتراخت فرانكفورت على أوجسبورج 3-1    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    أهالي قرى واحة الفرافرة في ضيافة الأسبوع الثقافى الفني بالوادي الجديد    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في البحث وراء عمرو بن العاص
الفسطاط .. الأولي .. الرابعة
نشر في آخر ساعة يوم 23 - 04 - 2013

في جنوب القاهرة وحول مسجدها العتيق تمتد مدينة الفسطاط، أول مدينة إسلامية في مصر ورابعة المدن الإسلامية بعد المدينة المنورة والبصرة والكوفة تحكي بمسجدها وحصن بابليون والكنائس والبيوت والشوارع والأزقة والأسواق تاريخاً تجاوز 1400 سنة منذ بدايتها في 21ه عايشت فيه كل التاريخ المصري والعربي والإسلامي، تنمو وتزدهر وتصبح أهم ميناء عالمي، تأتيها البضائع والبشر من الصين في أقصي الشرق إلي الأندلس (أسبانيا) في الشمال الغربي وما بينهما تجتمع الثقافات والفنون والعلوم وتصبح قاعدة الانطلاق إلي الشمال في مدن العسكر والقطائع والقاهرة ومصر الجديدة وحتي القاهرة الجديدة في شمال الشرق.
في موقعها الاستراتيجي الذي بدأ مع الفراعنة واستثمره اليونان والفرس والرومان ثم العرب، وهي من البدء مدينة إسلامية عربية مصرية تحتفظ بعبق تاريخها وجديد حاضرها، وفي أزقتها حاولت أن أرصد بعضاً من خطي الصحابي عمرو بن العاص .
ابتسمت أتخيل عظم غضبة عمر بن الخطاب وقد انتهيت من إحصاء 16 دوراً لعمارة حديثة (بارتفاع 50 م) في غرب جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، ذلك لو وقف مثلي عند باب مصلي النساء وكان 21ه منزل خارجة بن حذافة قائد ميسرة جيش الفتح وصاحب الشرطة (وزير الداخلية) وقد بني مجرد غرفة علوية (لا يزيد ارتفاعها علي ثلاثة أمتار) فعنفه ابن الخطاب لأنه يريد كشف عورات جيرانه وأمر بأن يقف رجل متوسط الطول علي مقعد ليري فإن كانت تكشف الجيران تهدم والطريف أني بدراسة تخطيط الموقع آنذاك وجدت المنزل يطل بواجهته علي طريق بعرض 3.5 م يفصله عن الجامع فلا تري من الغرفة إلا سقفه بامتداد 15 م وميضة الوضوء خلفيتها مناخ الجمال والبساتين والنيل، فلا كشف للعورات إلا من جانبيه وكان للصحابة مسلمة بن مخلد وعقبة بن عامر وأبي رافع مولي رسول الله وثوبان بن مجدر، لكنها غيرة أمير المؤمنين ل(حق الجار)، الذي أمر الله ورسوله به لمطلق الجيران, دون تحديد هويته أو دينه، وظهر واقعيا أمامي فرغم أنها أول مدينة إسلامية في مصر فقد تعددت فيها الكنائس المختلفة المذاهب ومقابرهم في مساحة أراها أضعاف مساحة الجامع بخلاف كنائس الحصن بل وفي الشارع المقابل للجامع وجدت كنيسة أبو سيفين مشيدة علي الطراز الإسلامي بأرابيسك الشرفات والنوافذ. أمامي في غرب الجامع من أقصي يمين شارع عمرو بن العاص (الرئيسي) تمتد لأكثر من ثلثيه مقابر الأقباط الأرثوذكس ثم الكاثوليك ثم الطائفة المارونية تنتهي إلي شارع أبو سيفين إلي الكنيسة وبجوار الأسوار سوق للأثاث القديم (روبابيكيا) وبعده شارع جامع عمرو ثم شارع كنيسة الموارنة المؤدي إلي كنيسة القديس يوسف النجار وفي بدايته مقابر الأرمن الكاثوليك يدور الشارعان بشبه قوس حول الشارع الأوسط ويصب الثلاثة في شارع يغلقه سور مترو الأنفاق (شارع سكك حديد حلوان شرق) ذكري خط حديد حلوان 1899م وتطوره إلي مترو الأنفاق 1986م من الطريف أن هذه المنطقة كان يتجمع علي نواصيها 50 ألف بهيمة "حمار" للتنقلات اليومية للأهالي ولم يركب الخيول إلا الجنود ورجال الدين .
هذه المنطقة عند الفتح كانت في مجري النيل فقد كان حصن بابليون والفسطاط علي النهر مباشرة الذي أطمي في السنوات المنخفضة (69 - 355 - 700 ه) فأضاف525م امتد لها العمران بعد حريق الفسطاط 133ه علي يد معاوية بن محمد آخر الخلفاء الأمويين عندما طارده العباسيون إليها والإطماء أمام الفسطاط أثر علي مستقبلها فأظهر جزيرة الفيل (شبرا) 1174 م وجزيرة بولاق (حي الجزيرة والزمالك) فالنيل في أفضل فيضانه يكون عند 16 ذراعاً وغير ذلك ضرر كما ذكر عمرو بن العاص للخليفة عمر "إني وجدت ما تروي به مصر حتي لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعاً"، والحد الذي يروي منه سائرها حتي يفضل علي حاجتهم ويبقي عندهم قوت سنة أخري ست عشرة ذراعاً والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان وهو الظمأ والاستبحار اثنتا عشرة ذراعاً في النقصان وثماني عشرة ذراعاً في الزيادة".
ومن هذا الساحل خرجت الغلال في عام الرمادة 17ه عندما حدث جفاف شديد في الحجاز وامتنع المطر حتي أصبحت الأرض كالرماد وجاع الناس فطلب عمر بن الخطاب العون من الأمصار فأرسل ابن العاص ألف بعير تحمل قمحاً و20 سفينة محملة بالسمن وخمسة آلاف ثوب.
كثير من المحلات والورش والسوبر ماركت والمراكز والعيادات الطبية تحمل اسم عمرو بن العاص وابتسمت من صيدلية علي ناصية التقاء شارعي كنيستي أبو سيفين ويوسف النجار بيافطتها الكبيرة باسم الفاتح الإسلامي لتحسم هويتها بينهما وفي حواري المنطقة وأزقتها كثير من الفواخير وورش صب تماثيل فلاحات لزينة القري السياحية وفي الشارع الفرعي كوافير عمرو بن العاص.
العمارات المطلة علي الشوارع عصرية أما خلفيتها، القديم والعتيق من بيوت منخفضة وأزقة فرعية ضيقة مغلقة وبيوت انخفض مستواها عن الأرض وشرفات تمسك يد من فيها وسرايات بشبابيكها الخشبية الطويلة وشرفاتها بسور من الحديد أو الأرابيسك وسلالم حجرية قديمة وأعمدة أشك أنها أثرية.
ويتكرر الأمر في شمال الجامع (يمين الخارج من اتجاه الجامع) أتنسم في الحواري أجواء (درب القناديل) الذي ضم بيوت كبار الصحابة (أبو ذر الغفاري وكعب بن ضنه أول قاضٍ مسلم ونافع بن عبد القيس الفهري وبه دار ابني شرحبيل اللذين اختلفا علي موضع لبنته (أرضه) فترك أبو ذر المدينة تنفيذاً لوصية النبي له) وسكنه بعدهم كبار التجار وأضاءوا أمام منازلهم بالقناديل فسمي بذلك وقد تحول في ازدهار الفسطاط (الفاطمي) لأكبر سوق تجاري يجمع منتجات العالم (من الصين شرقاً وحتي الأندلس- أسبانيا- شمال غرب) وفي نهايته علي شارع صلاح سالم و(شارع حسن الأنور) كان سوق (بربر) لأهالي النوبة ببضائعهم من الصعيد وأفريقيا وأقيم فيه (بيمارستان مستشفي) في عهد الأمويين .
وعندما كانت من أهم موانئ الدنيا كان بها سوق صرافة لنقود العالم يديرها اليهود وسوق للجواري والعبيد وفنادق للغرباء كما بلغ ارتفاع بعض البيوت 8 أدوار (تسع 200 فرد) وتنقل مياه النيل في (قرب) علي أكتاف السقائين أو الدواب وترفع للأدوار العليا بالبكر وأسوأ العادات آنذاك التخلص من المخلفات في النيل فتسبب أوبئة (الطاعون والكوليرا) فقل عدد سكانها وهو تكرر بسبب حريق 133ه والهجرة للعواصم الجديدة في العسكر ثم القطائع ثم القاهرة والشدة المستنصرية 427 487 ه (28 فيضاناً منخفضاً في 40 سنة) وحريق الوزير الفاطمي شاور 562ه واستمر 54 يوماً في الصراع علي الحكم وفي انخفاض فيضان 597 ووباء 749 751 ومجاعة الأشرف شعبان 776 778 وعلي يد الفرنسيين 1798م
في دوران نهاية شارع عمرو يمتد حصن بابليون أو قصر الشمع في اليمين شارع ومحطة مترو مارجرجس وفي يسار الحصن مقابر الأقباط الكاثوليك ثم مقابر القبط وعلي اليمين بوابة خلفية لكنيسة بربارة.
في شرق الجامع باتجاه القبلة تظهر أطلال الفسطاط القديمة (الكيمان) من حريق 133ه، فأقام الاهالي بيوتاً جديدة علي طرح النهر وبجوار الكيمان مقابر النحال وفي جنوب الجامع محطة أتوبيس ومركز طبي ومجمع الفسطاط السياحي للمنتجات الحرفية واليدوية ثم حديقة الفسطاط.
وأتجه يميناً إلي طريق المعادي حيث مقابر القرافة التي سميت بأول من دفن فيها من قبيلة قرافة اليمنية فلاحظت أن مقابر المسلمين في الشرق باتجاه القبلة بينما القبط كعهد الفراعنة يدفنون في الغرب (كوادي الملوك في الأقصر حيث تغرب الشمس) فالمصريون لا يغيرون معتقداتهم بسهولة.
وأعود لباب مصلي النساء حالياً أمامي بالخيال عند مناخ الجمال حيث وقف الصحابي (وردان) حامل راية ابن العاص في الحرب ليلقي السمط الفارسي مولي مسلمة بن مخلد والي مصر آنذاك (47 - 62 ه) بالنشابة ليختط وردان منزلاً جديداً بدلا مما أخذ منه قرب الجامع (أنتنس) قائد الجنود ومسئول الخراج ليصبح قرب الديوان فاشتراه مسلمة بأمر معاوية بن سفيان ويعطيه أرضا جديدة يبني فيها بيتا فقرر أن يكون له مقدار رمي سهم من قوس التي نفذها السمط وبني منزله.
في حد الأفق لاحظت أن صليب قبة كنيسة الحصن يصل إلي قاعدة المثلث العلوي لمئذنة مراد بك فيبدو الحرص علي ارتفاع المنبر عن أي مبني وكان المسلمون حتي الفاطميين لا يسمحون للقبط بارتفاع بيوتهم عن بيوت المسلمين بنص حرفي لآية (ألا يعلوا علي المؤمنين).
خارج الجامع سألت نفسي هل كان ابن العاص يري الحصن من خيمته التي أقام مكانها بيته فعدت بظهري بطول الحائط الشرقي للمسجد فلم تظهر قبة الكنيسة وصليبها وبرج الحصن إلا عند منزل عمرو في الربع الأخير من الجدار ولم يظهر عندما كررت الأمر عند الضلع الغربي فقد اختار الموقع بعين عسكري محترف.
عرض الفسطاط من المقطم إلي النيل 3800م وطولها من الشمال إلي الجنوب 5 آلاف متر ومساحتها 740 فداناً.
الرسول أول من استخدم لفظ المدينة في اللغة العربية في تسمية المدينة المنورة وهو لفظ من اللغات السامية أصله دين بمعني القانون والعدل وقد أضيفت الميم في اللغة الآرامية فالمدينة موقع فيه الحاكم وبه قانون ويتحقق فيه العدل.
الفسطاط أول مدينة إسلامية في مصر ورابع مدينة إسلامية بعد المدينة المنورة ثم البصرة 12ه والكوفة 17ه (الفاصل الزمني خمس سنوات والبناة قادة عسكريون) فلم يتخذ عمرو حصن بابليون لكنه أقام المدينة بجواره وذلك لأهمية موقعه التاريخي فهو أصلاً حصن فرعوني يقابل ويحمي منف العاصمة الأولي لمصر في غرب النيل (البدرشين) فمع جماليات قصة حمامة خيمة ابن العاص التي باضت ولم يزعجها وأقام حولها فسطاطه (مدينته)، فالمدن تقام في موقع استراتيجي خاصة العواصم أما الاسم فهو أيسر الأمور فقد تم اختيار موقع الفسطاط لتوسطه بين الدلتا والصعيد وملتقي الصحراوين الشرقية والغربية وعند فرعي النيل حيث أضيق منطقة عبور للنهر وأن جزيرة الروضة تسهل اجتياز النهر إلي الغرب أو (الجيزة) فهي جسر بري وسط النيل ويكمل العبور سفن ثابتة أو متحركة ولا يفصلها الماء عن عاصمة الدولة (المدينة المنورة) ومحمية بجبل المقطم من الشرق والجنوب (يوفر مواد بناء مع طوب طمي- ومنع بناء أسوار لها إلا مع صلاح الدين الأيوبي بسور مجري العيون 581ه لنقل المياه للقلعة وحمايتها مع القاهرة من هجمات الصليبيين) ونهر النيل في الغرب وهو وسيلة الاتصال بين الدلتا والصعيد وتأتيه بالبضائع الأوربية من الإسكندرية والبضائع الشرقية والإفريقية من ميناء عيذاب إلي قوص وبها عشب لمرعي الخيول والجمال وصحراء لترييضها وحياة أهل البادية وهي وسط المصريين بعيداً عن ذكريات الاضطهاد الروماني بالإسكندرية وتعبيراً عن التوجه الوطني لمصر ثم هو آخر أحواض النيل علي ضفته الشرقية ومفتوح للشمال حيث حركة الحياة الطبيعية في مصر مع النهر من الجنوب إلي الشمال لتوفر توسعات المستقبل والتي بني فيها مدينتي العسكر133ه ثم القطائع 256ه ثم القاهرة 350ه وامتداداتها إلي مصر الجديدة.
تطابق تخطيط الفسطاط مع المدينة المنورة والبصرة والكوفة ببناء المسجد الجامع في الوسط كمركز الحكم وبيت المال وصلاة الجمعة وشقت طرق رئيسية إليه بعرض سبع أذرع (3.5م) والفرعي خمس والأصغر ثلاث أذرع وقسمت الأرض علي القبائل يخططونها ولها مسجد للصلوات الخمس وسوق وحمام وفرن وغيرها أما المباني العامة فتخطط مركزياً من خيمة للتداوي (مستشفي) ودور للضيافة ودورات مياه (المناصع) ومجزر والسوق فضاء مشاع ليس محجوزاً لأحد وحتي الدولة الأموية (سمحوا بالبناء فأصبحت الدكاكين ثابتة).
وعمل سجل للمقيدين في الجندية وفي دار الإمارة سجل بأسماء أهل القبائل ومواقع الحواري.
وظلت الفسطاط بطابع عسكري وقاعدة لفتح المغرب حتي 45ه عندما بني عقبة بن نافع مدينة القيروان في المغرب فظهر الطابع المدني واستمرت عاصمة للولاة والعسكر لمدة 112 سنة إلا 17 عاماً من 70 إلي 87ه عندما انتقل عبد العزيز بن مروان إلي حلوان هرباً من الطاعون 70ه ثم عاد الوضع للفسطاط عندما بني صالح بن محمد القائد والوالي العباسي 133ه مدينة العسكر نظراً لزحام الفسطاط وكثرة مؤيدي بني أمية بها ثم بني أحمد بن طولون مدينة القطائع 256ه.
كانت أكبر خطة (حارة أو شارع صغير) في تقسيم الفسطاط لأهل الراية وهم القبائل التي حاربت تحت راية ابن العاص وأقاموا حول المسجد يتصدرهم بيت عمرو في شرق المسجد وهي كل مساحة الجامع الحالية (110 *120م) وكانت هناك خطة كبيرة مستقلة إلي عبد الرحمن بن ملجم ليعلم فيها الناس القرآن بأمر عمر بن الخطاب واستخدم حصن بابليون كخطة لبعض القبائل ونفذ فيه أول مسجد للصلوات عند باب الريحان سمي مسجد القلعة ثم جاورهم القبط.
كان في الفسطاط 116 خطة بعدد قبائل الفتح وسكنت قبائل عدنان من شمال الجزيرة العربية في شمال الفسطاط أما قحطان اليمن ففي جنوب الحصن وهو ما يتكرر حالياً في الفسطاط فأهل الصعيد (50٪) يقيمون في جنوبها وأهل الدلتا (البحاروة) في شمالها وكان في الجيش جنود من فارس كانوا في اليمن وأسلموا وجنود من الروم أسلموا في الشام وفي شرق الفسطاط كان هناك درب يؤدي للمقابر سمي درب الوداع
نفذت البيوت بما تتحقق الفائدة التي طلبها الإسلام (تقي الحر والبرد، وتستر وتمنع الدواب، ولا تسقط من ثقلها، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تأتيها الرياح المؤذية لارتفاعها، وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع ، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر، ولا تفضل عنه بغير منفعة ولم يكن فيها كنف فتؤذي ساكنها برائحتها)
وبنيت بمواد متوفرة في البيئة طينية من طمي النيل وجذوع النخل (ولم تستخدم الحجارة إلا مع بني أمية 41ه) وحددت قواعد البناء سلوك الساكنين واحترامهم الآداب العامة، ومن حق الجيران إجبارهم علي ذلك، عن طريق القضاء و"حيازة الضرر" فمن سبق في البناء يحوز المزايا التي يحترمها جاره التالي فيصيغ المنزل الأسبق عمارة المنزل اللاحق فإذا فتح السابق نافذة لبيته فعلي الجديد أن يستر بيته عند البناء دون إغلاق النافذة في حين أن التالي لا يحق له عمل نافذة تضر جاره السابق بل وتغلق بالقانون. والمباني التي تضر الناس كالمصانع والأفران أو تصدر الضجة كانت تبني بعيداً عن الأحياء السكنية.
وكانت الأسواق عامرة من الوراقين للكتب والخشابين والسماكين والباعة الجائلين (وإذا كذب التاجر يركب جمل ويحمل جرس ليدقه ويعلن عن كذبه- يجرس- يفضح) وهناك طواحين الغلال ومصانع للسكر والصابون ومصانع الفخار ومناسج للحصير وكان بها جمرك للبضائع ولا تستطيع إغفال طرائف عبقرية المصريين في (الطواف) وهو عبارة عن أواني فخار محكمة الغلق مرصوص عليه جريد نخل توضع عليها البضاعة ويجدف بسعف النخيل إلي الفسطاط ويبيع البضاعة ويتخلص منه عائداً علي الأقدام.
وكان بها أول دار في مصر لسك الدنانير الذهبية الإسلامية مع الملك بن مروان (65 87ه) قرب الجامع، كما سكت فيها الفلوس العباسية (133ه) وكان ابن طولون (254ه) متشدداً في دقة وزن الدينار الذهبي فأقبل تجار العالم للتعامل في الفسطاط لثقتهم في ذلك.
منذ إنشاء المدينة تواجد المسيحيون للأعمال الكتابية باللغة اليونانية، وعندما أمر الخليفة عبد الله بن عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين 90ه تعلموا اللغة العربية ليحافظوا علي وظائفهم ودخل بعضهم الإسلام (إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه) وازدادت أعدادهم وأقاموا الكنائس وعملوا في الحرف الإسلامية وعمل عدد منهم في عمارة مسجد الرسول في المدينة المنورة.
ورغم استخدام السنة القمرية (الإسلامية) في دواوين الحكومة فقد استمر استخدام السنة الشمسية القبطية لمواعيد الزراعة وجني المحصول والضرائب والسنة القبطية هي السنة الفرعونية وفي 1875م أمر الخديو إسماعيل باستخدام التقويم الجريجوري المستمر حتي الآن.
وتواجد اليهود في ازدهار الميناء النهري بالتجارة العالمية وتولوا الصرافة وتغيير العملات واستخدموا الصكوك حتي لا يحمل التجار أموالاً في الطرق الوعرة، فيضع التاجر عندهم أمواله ويأخذ صكاً يصرفة في منطقة أو دولة أخري عن طريق وسيط ويأتي التجار القادمون بصكوك يشترون بها وهم يتولون التسديد وتواجد اليهود بقوة كان لابد أن يصاحبه تواجد ديني في العاصمة فاشتروا كنيسة عرضها النصاري لتوفير أموال الجزية وحولوها إلي (معبد عزرا).
ومن ذلك تداخلت بيوت المدينة بين الديانات الثلاث ولم يكن هناك حي مقصور علي سكان ديانة واحدة وحتي الآن.
كما كثرت الأجناس من الصين والهند وفارس والشام والمغرب والأندلس وأوربا وكان أكثرها التكرور من غرب إفريقيا بمملكة تمبكتو الإسلامية وطلاب العلم من العالم الإسلامي.
وأشهر من نهضوا بالفسطاط مسلمة بن مخلد (47 -62ه) الذي بني أول مقياس للنيل بالروضة وداراً لصناعة السفن 54ه بعد هجوم بيزنطي علي البرلس حتي نقلت مع العثمانيين عندما تكَّون حاجز في النيل أمام جزيرة الروضة 700ه إلي الشمال ثم إلي بولاق مع محمد علي 1820م.
وعبد العزيز بن مروان (65 -86ه) وجعل دار الإمارة مذهبة وجدد المقياس وأقام قنطرة خليج أمير المؤمنين والإخشيدي (334 - 357ه) أسواقا كبيرة علي ساحلها وأسد الدين شيريكو القائد الأيوبي 564ه الذي أعاد الأهالي لتعميرها بعد حريق شاور الفاطمي وأنشا (صلاح الدين الايوبي 571 - 589ه) مدارس للمذهب السني للشافعي والمالكي لمواجهة المذهب الإسماعيلي الفاطمي وأقام سوره حولها مع القاهرة وعندما نقل الصالح نجم الدين أيوب مقر الحكم إلي جزيرة الروضة حتي ينتهي بناء القلعة فازدهرت الفسطاط لتلبية احتياجات عساكره 646ه وأقام المماليك قصورهم علي ساحلها (648 923ه).
في عهد محمد علي (1220 1265ه) بني بها مدارس للمعادن والكيمياء ومطاحن غلال وشيد بها إسماعيل باشا (1280 1297ه) مصانع حربية للمدافع والبنادق والذخيرة. عندما نقل مقر الحكم من قلعة صلاح الدين إلي قصر عابدين تحولت الفسطاط إلي حي صغير في القاهرة الكبري وقد نقل المدابغ إليها من باب اللوق عام 1865م.
في 381ه مع العزيز بالله الفاطمي أطلق علي الفسطاط اسم عموم الدولة فعرفت (بمدينة مصر) وأطلق بعدها علي القاهرة العاصمة ومصر تعني مدينة باللغة العربية في العصر العثماني سميت الفسطاط (مصر القديمة) لتمييزها عن مصر فقط وهي القاهرة.
الفسطاط حالياً تتبع حي مصر القديمة في جنوب القاهرة. وكان يسمي "مصر العتيقة". في شماله حي السيدة زينب وجنوبه حي البساتين ودار السلام ومن الغرب النيل وينقسم إلي 22 منطقة ويوجد بها نفق وكوبري ومحطة مترو الملك الصالح وكوبري عباس وكوبري الروضة للمشاة وكوبري معهد السرطان ومستشفي مبرة محمد علي، وأهم شوارعه "شارع جامع عمرو" و"كورنيش مصر القديمة" و"الجيارة" و"حسن الأنور" و"أبو سيفين" و"محمد الصغير" و"عبد العزيز آل سعود" والقم" و"طريق الإمام" ومن أهم مناطقها هي (الخوخة، القناية، القبوة، البولك، الشرم، حوض الفجل، العشش، الجعجعي). وحدائق الفسطاط والعاشر من رمضان وأحمد رامي وأم كلثوم" ومتاحف القبطي وقصر المنسترلي وأم كلثوم وقصر محمد علي الصغير والمتحف الجيولوجي، وجزيرتا الدهب والروضة، وتوجد مراسي للسفن النيلية السياحية، و"المعبد اليهودي" والكنيسة المعلقة ومسجد عمرو بن العاص وسور مجري العيون, "السبع ساقيات" و"مقياس الروضة" تعداد السكان مليون، نصفهم من الصعايدة يتاجرون في الخضار والفاكهة وبها 12 مدرسة ابتدائي و20 اعدادي و25 ثانوي و25 مستشفي ومساحتها 20كم2 المأهولة منها 8 كم2.
لليوم الثالث أنهي جولتي عند محل فول وطعمية صغير في حارة أمام المسجد، رحب بي صاحبه في اليوم الأول مع الحر الشديد وعرقي مرقي ولبي طلباتي من عيش ساخن في فرن أمامه ومياه وجبن من سوبر ماركت صغير ودردشة أمان في جو احتقان واجهني يومها بسؤالي: شارع القناديل من صاحب كشك سجائر علي ناصيتي الجامع والموقع التاريخي للشارع، فإذا به يصرخ (إنتو كده يا بتوع المباحث تأمروا بطلباتكم علي طول) ووجدت التواني أمام كلمة مباحث يعرضني للسحل بلا دية فبادرته زاعقا (مش عاوز منك حاجة) وارتج لثوانٍ مكنتني من التحرك بسيارتي حيث أنهيت الفول والطعمية، وكررته حتي اليوم وإذا به يميل ليسأل (يا باشا ما تقولي بتدور علي إيه ونخلص) فلم يصدق من البدء حكاية صحفي وتنبهت أني في منطقة آثار مغرية ووجدت في (نخلص) ألا أعود رابعاً فدفعت حسابي وغادرت
لكن الزمار في مهنتي لم ينس في دوران الخروج بالسيارة أن يلعب أقصد أن يرصد أن مسجد ابن العاص مفتوح دائماً وبلا حراسة بينما حصن بابليون علي مرمي البصر محاط بأسوار وتواجد أمني ملحوظ وأن كثيرين من زواره يزورون المسجد بعد ارتداء عباءة وخف لأحذيتهم احتراما لأقدم مسجد في إفريقيا وقد وفرها المجلس الأعلي للآثار مثلما يحدث في زيارات الأجانب لكل المساجد القديمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.