مع تزايد استخدام وسائل التكنولوجيا المختلفة التي تسللت إلي معظم مجالات حياتنا اليومية، زاد الاعتماد علي نمط الأنشطة التجارية عبر الإنترنت، بدءاً من خدمات التسوق وعرض المنتجات، وصولاَ إلي القيام بأنشطة الدعاية والإعلان المختلفة، بل وامتدت أيضا إلي إنهاء إجراءات الفواتير المنزلية والمعاملات الحكومية النقدية، التي تقدمها في الأساس شركات إلكترونية متخصصة.. كل هذا دعا إلي مطالبة البعض بضرورة فرض ضرائب علي التجارة الإلكترونية التي تحقق أرباحاً بمليارات الجنيهات في مصر. حتي الآن لا يوجد إحصاء دقيق من شأنه الوقوف بدقة علي حجم التعاملات التسويقية والخدمية للشركات والمواقع الإلكترونية في مصر، إلا أن بعض المؤسسات الدولية قدرت حجم أرباحها السنوية بحوالي 10 مليارات جنيه بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال رصد حجم تعاملاتها عبر بطاقات الائتمان فقط، دون التطرق إلي التعاملات التي يتم الدفع فيها بطريقة فورية «كاش» عند تسليم الخدمة أو المنتج إلي العميل مباشرة، وعند احتساب قيمة الضرائب التي من المفترض تحصيلها من شركات التجارة الإلكترونية - طبقاَ للنسبة الطبيعية المقررة علي الشركات العادية - نجدها تناهز الثلاثة مليارات جنيه سنوياَ يمكن أن تشكل رافدا ماليا من شأنه تعظيم العائد النقدي لخزانة الدولة. وبالرغم من تحقيق شركات التجارة الإلكترونية، وكذلك العديد من مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أرباحاً متزايدة سنوياَ من عملياتها وتواجدها داخل السوق المصري، لا يتم فرض أي ضرائب مالية عليها نتيجة عدم وجود قانون أو تشريع يتناول هذه النقطة أو يقوم بتنظيم عملية التجارة الإلكترونية في مصر. وكانت هناك أنباء تم تداولها مؤخراَ عن إمكانية فرض ضرائب علي أرباح موقع الفيسبوك داخل مصر، أسوة بما قامت به بريطانيا عندما اتجهت إلي فرض ضريبة علي أرباح الموقع داخل أراضيها، إلا أن الخبر سرعان ما تم نفيه من قبل وزارة المالية المصرية التي أكدت عدم وجود نية أو اتجاه لديها لفرض أي ضريبة علي موقع التواصل الاجتماعي الشهير. «هناك صعوبة بالغة في السيطرة علي التجارة التي تتم عبر الإنترنت علي مستوي العالم أجمع، وليس في مصر فقط» هكذا يؤكد عاصم عبدالمعطي الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، مرجعًاَ السبب في ذلك إلي أن محاولات فرض ضرائب علي المواقع والشركات الإلكترونية من قبل الحكومات تجابه في الكثير من الأحيان بمعضلة الحد من حرية الأفراد في تداول المعلومات، وهو ما يثير تخوف تلك الدول من فرض ضرائب أو رسوم علي المواقع والشركات الإلكترونية حتي لا تكون في مرمي تلك الاتهامات. ويؤكد عبدالمعطي عدم جواز تحصيل أي مبالغ للدولة إلا في ظل وجود قانون يبيح ذلك، وحتي الآن لا يوجد تشريع في جمهورية مصر العربية يتعلق بفرض ضرائب علي التجارة الإلكترونية، يضاف إلي ذلك أن فرض ضرائب علي المواقع الإلكترونية لابد أن يسبقه أيضاَ وجود قانون آخر لحرية تداول المعلومات، ولذلك لم يتم فرض ضرائب علي مواقع الإنترنت التي تقدم خدمات أو إعلانات مُموّلة داخل مصر، التي تضم محرك البحث العالمي «جوجل» وموقع «فيسبوك». يتابع: هناك جهل كبير بكيفية الاستفادة مادياَ من مواقع التجارة الإلكترونية في مصر، في الوقت الذي استطاعت فيه التغلغل من خلال وسائل الاتصال الحديثة المنتشرة حالياَ وتحقيق أرباح كبيرة تصل إلي مليارت الجنيهات سنوياَ، فهي أصبحت بمثابة مواقع ترويجية منافسة لوسائل الإعلام التقليدية، يتم من خلالها الدعاية للمنتجات والخدمات علي اختلاف أنواعها، لذلك نحن بحاجة إلي لجنة فنية تستطيع التعامل مع هذه المواقع من خلال الهيئة المصرية للاتصالات بحيث تكون العلاقة تبادلية يستفيد منها كلا الطرفين. ويؤكد المحاسب القانوني إيهاب إبراهيم أن حجم التجارة الإلكترونية يحتل نسبة كبيرة من حجم التجارة في مصر، لافتاَ إلي أن التجارة الإلكترونية غالباَ ما تتم عبر وسيط بنكي، فعندما يتم التعامل مع الشركة التي تعرض خدماتها أو منتجاتها من خلال الموقع التسويقي الخاص بها، يتم تحصيل قيمة الخدمة أو المنتج عبر وسائل الدفع الإلكترونية من خلال البنوك التي من المفترض أن تُخطر عن هذه المعاملات من أجل وضع رقابة عليها وإبلاغ الجهات الحكومية بها. يضيف: لابد أن تقوم الدولة بتشجيع المواطنين علي ذكر المعاملات التجارية التي تتم عبر المواقع الإلكترونية في إقرارهم الضريبي، مع إعطائهم حافزا بسيطا يتمثل في حذف قيمة تلك المعاملات من سجل الضرائب المقررة عليهم، فإذا ما تم اتخاذ هذه الخطوة يمكن بسهولة حصر كم المعاملات التجارية التي تتم عبر الإنترنت، ويمكن كذلك اللجوء إلي وسيلة أخري عبر فرض ضرائب علي شركات التجارة الإلكترونية من خلال سن قوانين تحث أي شركة تريد تقديم الخدمات أو التسويق عبر الإنترنت علي أخذ تصريح من الجهات الحكومية أولاً، بالتوازي مع وضع نظام ثابت عند البيع والشراء لهذه الشركات مع العملاء لا يتم تعديله. في حين يري الدكتور حسن عبدالله رئيس قطاع البحوث والسياسات الضريبية بمصلحة الضرائب أن الاقتصاد غير الرسمي أصبح ظاهرة تمثل حوالي 40% من حجم المجتمع الضريبي في مصر، ووفقاَ لقانون ضريبة المبيعات الحالي هناك 17 خدمة إلكترونية فقط خاضعة لضريبة المبيعات، فعندما صدر قانون ضريبة المبيعات عام 1991 لم تكن التجارة الإلكترونية شائعة حينئذ، ولكن مع إقرار مشروع ضريبة القيمة المضافة الجديد الذي تم إعداده بالتنسيق مع المجتمع المدني ورجال الأعمال واتحاد الصناعات المصرية وحتي جمعية المحاسبين والمراجعين سيتم تغطية كافة الثغرات المتعلقة بهذا الشأن، وذلك من خلال إنشاء قاعدة معلومات يتم التوسع فيها لكي يتم رصد الشركات التي تقدم الخدمات عبر الإنترنت من خارج البلاد وإلزامها بوجود وكيل قانوني لها في مصر من أجل إتمام عملية التحصيل الضريبي. وحول إمكانية فرض الضرائب علي بعض المواقع الإلكترونية التي تقدم خدمات وإعلانات مُموّلة مثل موقع «فيسبوك» أسوة بما فعلته بريطانيا مؤخراَ، أوضح أن مكان تأدية الخدمة الإلكترونية إلي العملاء هو الواقع المتمِّم لعملية تحصيل الضريبة، أي لابد من وجود منشأة دائمة أو فرع لهذه المواقع داخل مصر حتي يتم تحصيل الضرائب منها، وموقع الفيس بوك له مقر دائم في بريطانيا وبالتالي من الممكن أن يتم تحصيل الضريبة منه، لكن لا يوجد لهذا الموقع ممثل قانوني في مصر أو منشأة دائمة بحيث يمكن تحصيل الضرائب منها حال فرضها. يضيف: حتي الآن الخدمات التي تؤدي عبر الإنترنت لاتخضع للضريبة، لكن بعد إقرار قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد سيتم إخضاع الخدمات التي تُقدم عبر الإنترنت لضريبة الأرباح، وسيكون هناك إلزام للشركات العالمية بأن يكون لها ممثل قانوني داخل البلاد طالما بلغ حجم أعمالها ورقم مبيعاتها مستوي تحصيل القيمة الخاضعة للضريبة.