تلعب الإيرادات الضريبية الدور الرئيس فى تمويل الإنفاق العام فى دولة محدودة الموارد مثل مصر، لذلك فإن قدرة الحكومة على تحقيق أهدافها التنموية دائما تكون مرهونة بنجاحها فى تحقيق أكبر قدر ممكن من المتحصلات الضريبية، سواء كان ذلك بسن القوانين أو إقناع الجمهور بأهمية إلتزامهم بالضريبة المستحقة، لما ينتج عن هذا الالتزام من نفع مجتمعى وإفلات من عقوبات التهرب، التى تصل للحبس. وبالفعل بدأ فى الأول من يناير موسم الإقرار الضريبى للعام الجارى ليدلل على أن وزارة المالية ممثلة فى مصلحة الضرائب تثبت أن سياساتها الضريبية تواصل نجاحها بزيادة المتحصلات، لكى تضيف هذه الزيادات مزيداً من الدعم والمساندة لبرامج الحكومة لتحقيق أمل المواطن فى خدمات متميزة والحصول على سلع رئيسية بأسعار فى متناول يده، لكن يبدو أن كل ما تقوم عليه مصلحة الضرائب من تطوير وتحديث لا يحقق طموحات الممولين والمحاسبين، الذين هم محامو الممولين. ففى الشهور الأربعة الأولى من كل عام تشهد مصلحة الضرائب ومكاتب المحاسبة حالة من الطوارئ، إذ يقدم الممولون سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين إقراراتهم الضريبية، لأنه بنهاية أبريل تنتهى المهلة المحددة لتقديمها. الإقرار وفقا لأحكام القانون (91) لسنة 2005، هو عبارة عن إقرار صادر من الممول عن كل ما يزاوله من نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى خلال السنة المالية، التى تقدم عنها الإقرار، وكذلك عن إيراداته من الثروة العقارية والمرتبات إن وجدت ووارد به حجم إيراداته خلالها والتكاليف والمصروفات المتعلقة بها والأرباح أو الخسائر الناتجة، وذلك على النموذج المخصص لذلك والذى يوزع مجانا. ويعد تقديم الإقرار الضريبى لأول مرة، وفقا لقانون الضرائب الجديد، بمثابة إخطار بمزاولة النشاط، وبالتالى لابد أن يكون الإقرار موقعا من الممول أو ممن يمثله قانونا، وأنه إذا أعد الإقرار محاسب مستقل عليه التوقيع على الإقرار مع الممول أو مع الممثل القانونى، وإلا فالإقرار كأن لم يكن، كما يجب أن يوقع الإقرار من محاسب قانونى إذا زاد رقم المبيعات أو الإيرادات عن 2 مليون جنيه، وأنه يعاقب بالحبس وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل محاسب قام بإخفاء وقائع علمها إثناء تأدية مهمته، ولم تفصح عنها المستندات. وهكذا يبدو جليا أن نجاح الموسم الضريبى السادس للقانون 91 لسنة 2005 مرهون بجدية ورغبة أطراف العملية الضريبية (المصلحة – المحاسب القانونى – الممول) فى إدراك هذا النجاح، وربما يتحقق ذلك بحرص مصلحة الضرائب على الاستجابة لمطالب المحاسبين والممولين، وتفهم المجتمع الضريبى لما يمثله تحقيق النجاح من دفع لعجلة التنمية الشاملة، فيسارع كل ممول إلى التقدم بإقرار صادق للمصلحة، وإلا لن يجد من المحاسبين من يعتمده له. وهنا يثار تساؤل مهم مفاده: ماذا يريد الممول أو من يمثله من المحاسبين من الإدارة الضريبية لكى يسارع لتقديم إقرار ضريبى يتسم بالمصداقية والشفافية؟ وكيف يمكن أن يساهم المحاسب فى إنجاح الموسم الضريبى؟ المحاسب القانونى أشرف عبد الغنى رئيس جمعية خبراء الضرائب يؤكد أنه لتحقيق المزيد من النجاح فى الموسم الضريبى الحالى كان من الضرورى مزيد من التأكيد على الممولين فيما يتعلق بالفاتورة الضريبية لما تمثله من ضمانة لجميع الأطراف، مشيرا إلى أن تحقيق المزيد من النجاح الضريبى يمكن أن يتم من خلال توحيد الإجراءات الواجب إتباعها عند التعامل مع مصلحة الضرائب سواء فيما يخص ضرائب الدخل أو المبيعات، علاوة على أن عدد نماذج الإقرارات ما تزال بحاجة إلى التدخل لاختصارها لأقل من 15 نموذجا. وأشار إلى أن الأمر أيضا يحتاج إلى مطالبة مصلحة الضرائب بضرورة العودة إلى نظام نقاط الخدمات الضريبية، التى كانت وراء نجاح موسمى 2006 و2007، لكن جاء الموسم التالى ليشهد قرارا بإغلاق هذه النقاط، التى كانت تقدم الخدمة للممولين من خلال مكاتب المحاسبة الكبرى والغرف التجارية واتحاد الصناعات، حيث تم قصرها على الغرف واتحاد الصناعات فقط. ولفت رئيس خبراء الضرائب إلى أنه فى الوقت الذى كنا نتمنى فيه مزيدا من التوسع والدعم لتجربة نقاط الخدمات الضريبية جاء القرار بإلغائها مما أصاب المحاسبين والممولين بصدمة، موضحا أنه أيضا من مشكلات الموسم الضريبى الحالى إصرار المصلحة على مواصلة أعمال الفحص الضريبى خلال موسم تقديم الإقرارات مما يجعل المحاسب مشردا غير قادر على الايفاء بما تطلبه منه المصلحة لأنه مطالب بعملين فى وقت واحد، لذلك كان من الضرورى أن يتم تأجيل أعمال الفحص إلى ما بعد انتهاء موسم تقديم الإقرارات فى نهاية أبريل. وشكك عبد الغنى فى قدرة مصلحة الضرائب على تنفيذ القرار الوزارى رقم (2) الخاص بإلزام المتعاملين مع مركز كبار الممولين بتقديم الإقرار الضريبى إلكترونيا، لعدم دراية عدد كبير من هؤلاء الممولين أو ممثليهم من مكاتب المحاسبة بمهارات تقديم الإقرار إلكترونيا أو لعدم توفير مصلحة الضرائب سلطة التوقيع الإلكترونى لكل الممولين الذى يزيد عددهم على 2000، لذا فإن نص القرار على الإلزام أمر يتعارض مع الواقع، بل يتنافى ونص قانون الضرائب الذى يجيز فقط للممولين فعل ذلك ولا يلزمهم. الأداء الاقتصادى/U/ وكشف د. صلاح جودة الخبير الضريبى ومدير مركز الدراسات الاقتصادية أن مطالب المحاسبين يمكن حصرها فى ضرورة وجود نظام ضريبى واضح يتعامل مع جميع الممولين بنفس الفكر والسياسة، وبالتالى يصبح الحكم على «شطارة» المحاسب ليس فى أنه قادر على التلاعب فى دفاتر الممول، ولكن فى قدرته على تقديم خدمة مهنية بصورة جيدة، موضحا أن مهنة المحاسبة القانونية تعد المرآة للأداء المالى والاقتصادى للمنشآت الاقتصادية. وشدد على أن وزارة المالية استطاعت أن تغير المنظومة الضريبية التى سادت عشرات السنين، وذلك من خلال قانون جديد للضريبة على الدخل وتعديل قانون ضريبة الدمغة، وأنه فى إطار المنظومة الجديدة نقل القانون للممول بأنه سوف يتم التعامل معه على أنه ممول وله حقوق يجب أن يحصل عليها، وفى نفس الوقت نجح فى إذابة الجليد فى العلاقة بين المحاسبين والمصلحة. وأوضح د. جودة أنه عندما شعر المحاسب بجدية الوزارة فى تطبيق القانون الجديد زاد عدد المحاسبين، الذين أصبحوا فى صف المصلحة، خاصة بعد أن اكتشفوا أن وزارة المالية تقف بجانبهم، ليمارسوا عملهم بصورة مهنية صحيحة، مشيرا إلى أن تفعيل هذا النظام القانونى جعل من الإقرار الضريبى سلاحاً فى يد المحاسب يفرض من خلاله على الممول أن يقدم له معلومات بعينها لا أن يفرض الممول على المحاسب المعلومات، التى يريد كشفها، لأنه فى حالة عدم التزام الممول بتقديم البيانات المطلوبة، فالمحاسب عليه أن يرفض اعتماد الإقرار. آليات جديدة/U/ وفى الجانب الآخر يقف رئيس مصلحة الضرائب أحمد رفعت على أهبة الاستعداد لتحقيق ما يطمح إليه الممولون والمحاسبون لتيسير تقديم الإقرار الضريبى، مؤكدا أن المشرع عندما وضع نصوص قانون الضرائب الجديد كان يدرك جيدا أهمية دور المحاسب القانونى فى المنظومة الضريبية فى إنجاح العمل الضريبى. وأشار إلى أن المصلحة حرصت عند صياغة الإقرارات الضريبية للعام الجديد على مراعاة التعديلات فى قانون الضريبة على العقارات المبنية رقم 196 لسنة 2008، الذى بدأ العمل به فى يناير 2010 وتعديل أحكامه، موضحا أن الجيل السادس من نماذج إقرارات الضريبة على الدخل للموسم الحالى متوافرة بجميع المأموريات بالمجان، وقد بلغ عددها لهذا الموسم 15 بدلا من21 نموذجا فى الموسم الماضى. وقال رئيس المصلحة أنه قام بتشكيل لجان داخل كافة المناطق والمأموريات الضريبية للرد على استفسارات الممولين ومساعدتهم فى ملء الإقرارات الضريبية خلال الموسم الحالى، وتم إختيار عدد من مديرى العموم بإدارة الفحص الضريبى للتواجد بالمأموريات لتوعية الممولين بالتعديلات الضريبية الأخيرة التى تمت فى بيانات الجيل الجديد من الإقرارات، وأنه يتمنى أن يتحرى كل الممولين الصدق فى ملء الإقرار، لكى يكون الإقرار انعكاسا حقيقيا لكل أنشطة الممول الخاصة بالضريبة انطلاقا من الثقة المتبادلة بين المصلحة والممول. وأضاف أنه لم يعد هناك أى مبرر لعدم تقديم الإقرار الضريبى بعد تخفيض سعر الضريبة إلى 20% بدلا من 40%، علاوة على الحرص على تذليل كافة العقبات الإدارية، حيث يمكن للممول أن يقدم الإقرار الضريبى عن طريق شبكة الانترنت، كما أنه يمكن للممولين أو من يمثلهم من المحاسبين تقديم الإقرار الضريبى عن طريق شبكة الانترنت، وسداد الضريبة من خلال فروع أكثر من 18 بنكاً فى مختلف أنحاء الجمهورية. وألمح أحمد رفعت إلى أن المصلحة تعتبر الممول مواطنا شريفا يساهم قدر استطاعته فى تدبير الموارد المالية للخزانة العامة، والتى يتم الإنفاق منها على تنمية الوطن والمواطنين، مطالبا كل الممولين بسرعة تقديم الإقرار الضريبى فى الموعد المحدد حتى لا يتعرض الممول للعقوبات الواردة بالقانون 91 لسنة 2005، علاوة على قيامها بالربط التقديرى. وخلص أحمد رفعت إلى أنه حرصا من المصلحة على التيسير على المحاسبين والممولين يتم الآن دراسة إمكانية عودة عمل نقاط الخدمات الضريبية فى مكاتب المحاسبة الراغبة فى التزود بمأمورى ضرائب لتقديم الخدمات الضريبية، علاوة على ذلك يتم الآن التجهيز لتخصيص غرفة بكل مأمورية ضرائب للمحاسبين المتعاملين على غرار قاعة المحامين بالمحاكم. تعميم التعاملات/U/ من جهته أكد فتحى عبد العزيز رئيس قطاع الحاسب الآلى فى مصلحة الضرائب أن السعى لتعميم التعاملات الالكترونية فى المصلحة يهدف للتسهيل على المتعاملين بتوفير آليات عصرية أيسر بكثير مما هو متاح الآن وبالتالى كان صدور قرار وزير المالية رقم (2) الذى يتيح للممولين سواء كانوا كبارا أو صغارا استخدام الانترنت لإنهاء تعاملاتهم مع الإدارة الضريبية، وذلك بإصدار حزمة من البرمجيات لتنمية وتطوير الأداء عن طريق الاتصال المباشر بالعميل من خلال شبكة معلومات الكترونية تؤمنها الضرائب كنافذة لتلقى الإقرارات وسداد الضرائب. وقال رئيس قطاع الحاسب الآلى أن هذا القرار الوزارى صدر تطبيقا لأحكام المواد (78) و (92) من قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005 وكذلك أحكام المواد (82) و (100) و (104) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون والمواد (7) و (10) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 11 وتعديلاته بشأن الضريبة على المبيعات، وأنه من منطلق الحرص على تيسير كافة صور المعاملات مع الممولين قامت المصلحة بإتاحة هذه البرمجيات مجانا على موقعها الإلكترونى لكل من يطلبها للتعامل بها. وأضاف أن هذه الحزمة توفر من البرامج الحاسوبية ما يمكّن الممولين من إنهاء كافة التعاملات مع الضرائب؛ لكونها جاءت فى خمس حزم برمجية، وهى: برنامج تقديم إقرارات ضريبة الدخل وبرنامج تقديم إقرارات ضريبة المبيعات وبرنامج الخصم والتحصيل تحت حساب الضريبة وبرنامج حساب ضريبة المرتبات والأجور، وأخيرا، برنامج الاستعلام عن تعاملات الممول المخزنة على البطاقة الضريبية، مشيرا إلى أن مصلحة الضرائب لا تلزم الممولين بالعمل بهذه الآليات. وخلص عبد العزيز إلى أن هذه الجهود تأتى فى إطار السعى الجاد لتوفير العديد من الآليات، التى تحقق نجاح المصلحة فى تنفيذ السياسات الضريبية، وبالتالى السعى لنشر ثقافة المعاملات الإلكترونية لابد أن تجد ما يساندها من الفاعلين فى المنظومة الضريبية وعلى رأسهم شركات المحاسبة الكبرى، خاصة أن التعامل الإلكترونى يوفر الوقت والجهد ويقلل من التعاملات المباشرة بين الإدارة الضريبية والممولين.