حديد عز يسجل ارتفاعًا جديدًا.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة دريمز الغاني    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الردح صنعة.. وشووووباش
نشر في آخر ساعة يوم 08 - 03 - 2016

ارتبطت المشاجرات في الأحياء الشعبية تاريخياً باستخدام مفردات وعبارات معينة، جري العرف علي تسميتها ب «الردح»، وللردح أصول في اللغة والتاريخ، ومنها عبارات مثل «شوباش» و»يا الدلعدي» و»يا عُمر» وغيرها من مئات الألفاظ الدارجة علي ألسنة العامة، وتستهدف الحط من قدر الشخص «المردوح له»، ولم يقتصر فن الردح – إن جاز تسميته بالفن – علي الطبقات الشعبية بل تسرّب أيضاً إلي النساء والرجال في المناطق الراقية، وإن استعصي الأمر علي «ولاد الذوات» فإنهم يلجأون إلي استئجار «ردّاحة» مقابل «تجريس» أعدائهم وفضحهم، كما انتقل الردح إلي عالم الفيسبوك وشاشات التليفزيون ولجأ إليه الكثير من المشاهير وأهل السياسة.
الملف التالي يلقي الضوء علي هذا السلوك الموروث، ليس لإذكائه – بالطبع – بل باعتباره ظاهرة – قديمة حديثة – في مجتمعاتنا، تسترعي الانتباه وربما تحتاج إلي مزيد من الدراسة والتحليل من جانب المتخصصين في مجال الموروثات الشعبية وكذلك خبراء علم النفس والاجتماع.
معاني أشهر العبارات في مشاجرات النساء
للردح أصول
كثيرا ما نسمع مثل هذه العبارات في مشاجرات النساء بالأحياء الشعبية، وهو ما يعرف بالردح، الذي تمتد جذوره منذ قديم الزمان خصوصاً في الأحياء الشعبية وهو فن عادة يتعلق بامرأة قوية جبارة وتستخدم هذه المفردات عادة في المشاجرات الكلامية أو ما يوصف في العامية المصرية، وفي السياق نستعرض معاني وأصول أشهر هذه العبارات.
يا الدلعدي
لهذا اللفظ تفسيران، الأول أنه تحريف لعبارة يا «ألد العدي» أي «يا ألد الأعداء»، والآخر «يا دا العدي»، أي «يا هذا العدو»، تعني هذه العبارة أن الذي يتوجه إليه الحديث هو عدو. أما لو كان الحديث يتوجه إلي شخص صديق، فالمصطلح يعني حينها الدعاء له وحمايته من ألد أعدائه.
يا عمر
من أقدم التعبيرات المصرية وهو يعود للعصر الفاطمي لأسباب مذهبية، كان الفاطميون يبغضون شخصية عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) فكان خطباؤهم يسخرون منه علي المنابر ذاكرين بعض المواقف المنسوبة إليه ثم يقولون باستهزاء «وأين كنت أنت يا عمر؟» ويمطون كلمة عمر فيقولون «يا عوووماااار»و توارث المصريون التعبير فصاروا يقولون لمن يردحون له «يا عمر».
أفرش لك الملاية
حتي منتصف القرن العشرين كانت النسوة، خاصة في مدينة الإسكندرية، يرتدين عند الخروج ملاءة سوداء وإذا أرادت إحداهن الردح لفترة طويلة فرشت ملاءتها علي الأرض وتربعت عليها وهذا الموقف يعني أنها تفرغت للمواجهة والمقارعة.
أخلي اللي ما يشتري يتفرج
ومعناها أن تقوم الرادحة بتوجيه الإهانات إلي خصمها حتي تفضحه وتجعله «فرجة» للناس كالبضاعة المعروضة علي الملأ لمن يرغب في الشراء ولمن يكتفي بالمشاهدة.
ابن أو بنت الرفضي
هذه أيضاً سبة قديمة جداً أصلها «ابن الرفضي» والرفضي مشتقة من «الرافضة» وهو أحد الأوصاف التي تطلق علي كارهي الصحابة من غلاة المتحيزين للإمام علي (كرم الله وجهه).
تلهيك وترازيك وتجيب اللي فيها فيك
هو مثل شعبي يصف «العاهرة» بأنها حين تتشاجر مع خصومها فإنها تلهيهم عن المشكلة بأن تتطاول عليهم و«ترازيهم» أي تشاكسهم، ثم تتهمهم بما فيها من نقائص.
أقف عوج واتكلم عدل
أي قف كما تريد لكن تحدث باحترام.
أجرسك وأبهدلك
التجريس كناية عن الفضيحة وأصل الكلمة أن المحكوم عليه بعقوبة في العصور القديمة كان يوضع مقلوباً علي حمار ويطاف به في المدينة وخلفه منادٍ يعدد جرائمه وهو يقرع الجرس أما البهدلة فهي العبث بهيئة الخصم وهندامه حتي يفقد احترام الناس له.
تمشي علي العجين ما تلخبطوش
أي إلزام الشخص المقابل بالتزام الأدب حتي يبلغ به الحذر ألا يغير شكل العجين لو سار عليه.
بطلوا ده واسمعوا ده
أي اتركوا ما في أيديكم واسمعوا ما يقال لتشهدوا علي ما يحدث.
شوباش
هذه من أقدم مفردات الردح المصرية علي الإطلاق فهي تعود للعصر الفرعوني بمعني مختلف تماماً عن الغرض المراد من الردح ف«الشوباشي» عند الفراعنة هي تماثيل صغيرة توضع في القبر لتردد الدعاء للميت وقد انتقلت الكلمة للعصر الحديث وحملت معني آخر هو «رددوا ورائي ما أقول وأمّنوا علي كلامي الموجه للخصم».
هجاء الشعراء يعجل بموتهم
ومن »الردح« ماقتل
عبدالصبور بدر
الردح في الشعر هو الهجاء، وقد برع فيه الشعراء العرب فقدحوا ملوكا وأشخاصا وقبائل، وهو ما تسبب في كثير من الأحيان في قتلهم!
وقد كان الشعر – في الماضي – ديوان العرب، وذاكرة لكل ما يدور داخل القبيلة من حروب، ومناسبات، وقصص، وأنساب، ومفاخر، يصف المكان، والحدث، والملبس والمأكل والمشرب، والإنسان، والنخلة، والجمل، والحجر، بينما كانت السهولة في حفظ الأبيات وسيلة إعلامية لنقل الأخبار، وهو ما استغله الشعراء في التشهير بخصومهم عن طريق نظم قصائد تعدد عيوبهم وتتغني بفضائحهم.
أغري الهجاء كبار الشعراء العرب ففتحوا النار علي من يتجاهلهم أو يمسهم بسوء أو حتي من ليس بينه وبينهم خصومة ولكنه لا يروق لهم والسلام، وهو ما أوغر الصدور ضدهم فكانت الطعنات في مقابل الكلمات.
هجا أشهر شعراء العربية أبو الطيب المتنبي امرأة؛ فقتله أخوها، وهجا بشار بن برد المهدي؛ فأمر الأخير بضربه بالسوط حتي مات، وأضاعت قصيدة أبي نُخَيلة ولاية العهد من عيسي بن موسي، وعقدتها للمهدي؛ فتم تصفية شاعرها، وتغزّل وَضَّاح اليمن بقصائده في أم البنين، زوجة الوليد بن عبد الملك؛ فقتله، ولقي نفس المصير طَرَفَة بن العبد حين هجا عمرَو بن هند، ملك الحيرة.
وقد عرف فن الهجاء في الشعر منذ «الجاهلية» وحين يذكر الهجاء يذكر معه الحطيئة الذي هجا أباه وأمه وزوجته , ثم لم يجد من يهجوه فهجا نفسه قال:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلماً....بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله
أري لي وجهاً شوَه الله خلقه....وقبح من وجه وقبح حامله
ومثله فعل الشاعر الشاعر العباسي أبو دلامة الذي هجا زوجته أيضاً , وهجا نفسه حين طلب منه الخليفه المهدي هجو أحد ممن كانوا في مجلسه أو قطع لسانه , فأجال أبو دلامة نظره في الحضور, وكان كلما نظر إلي أحدهم استرضاه بغمزه أو بعضه علي الشفة مما زاد في حيرته فلم يجد إلا أن يهجو نفسه قال:
ألا أبلغ لديك أبا دلامة...فلست من الكرام ولا الكرامه
جمعت دمامةً وجمعت لؤما....كذاك اللؤم تتبعه الدمامه
إذا لبس العمامة قلت قردا.. وخنزيراً إذا نزع العمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا.... فلا تفرح فقد دنت القيامه
وقتل المتنبي بسبب الهجاء؛ علي الرغم من أن الهجاء لا يمثل ركناً أساسياً في ديوانه؛ فعندما ترك المتنبي سيف الدولة أمير حلب الذي كتب الكثير من القصائد في مدحه ومناقبه؛ بعد أن وشي بينهما من وشي؛ اتجه إلي مصر لمدح واليها كافور الإخشيدي الذي كان عبداً أسود مثقوب الأذن، ولكن كافور خذله؛ فأطلق المتنبي فيه لسانه يهجوه وشعبَ مصر، وبالغ في هجائه لكافور، ويصفه بكل صفات الرجل الدنيء؛ من الكذب، وإخلاف الوعد، والغدر، والخيانة، وخسة الأصل، والجبن؛ فيقول:
أُرِيكَ الرِّضَا لو أخْفَتِ النَّفْسُ خافيا وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
أَمَيْناً؟ وإخلافاً؟ وغَدْراً؟ وخِسَّةً؟ وجُبْناً؟ أَشَخْصاً لُحْتَ لي أم مَخازيا؟
وإنك لا تدري: ألونُكَ أسودٌ
من الجهلِ؟ أم قد صار أبيضَ صافيا؟!
ثم يقول وهو راحل عن مصر:
العَبدُ لَيسَ لُحرٍّ صَالِحٍ بأخٍ
لَو أنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولُودُ
لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معه
إنَّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ!
ما كنت أحْسِبُني أحيا إلي زمنٍ
يسيء بي فيه عبدٌ وهو محمودُ
ورغم هذه الأبيات التي نالت من كافور؛ استطاع المتنبي الخروج من مصر دون أن يمسه سوء، وجاء مقتله بسبب قصيدة هجا بها رجلاً يسمي «ضبة بن زيد»، يتعرض فيها لحادثة مقتل أبي ضبة، وقد فر وترك أباه، وهو يستخف به فيقول فيها:
ما أنصفَ القومُ ضُبَّهْ وأمّه الطُّرطُبّهْ
وَمَا عليكَ مِنَ القَتْلِ إنَّما هيَ ضَرْبَهْ
وَمَا عليكَ مِنَ الغَدْرِ إنَّما هِيَ سُبَّهْ
ثم يقول:
ما كنت إلا ذُباباً نفتكَ عنّا مِذبّه
وإنْ بَعُدْنا قليلاً حملْت رُمحاً وحَرْبَهْ
إن أوحشتْك المَعَالي فَإِنَّها دارُ غُرْبَهْ
أو آنستْك المَخَازِي فإنَّهَا لكَ نِسْبَهْ
وفي القصيدة أبيات كثيرة؛ يتعرض فيها المتنبي لأم ضُبة، ويرميها بأفحش التهم، وكان لأم ضبة أخ يسمي «فاتك بن أبي جهل الأسدي»؛ فلما بلغته القصيدة أخذ الغضب منه كل مأخذ، وأضمر السوء لأبي الطيب، وعندما علم أبو نصر محمد الحلبي بِنية فاتك؛ حذر المتنبي، فلم يزده هذا التحذير الا عناداً، وركب المتنبي وسار، فلقيه فاتك في الطريق، فأراد المتنبي أن ينجو بنفسه، فقال له غلامه: ألستَ القائل:
الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرفني والسيفُ والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ؟
فثبت المتنبي حتي قتله فاتكٌ، وقتل ابنَه محمداً وغلامَه، وهكذا كانت نهاية هذا الشاعر العربي الكبير التي جاءت بسبب شعره ولسانه.. وقتل طرفة بن العبد وهو في السادسة والعشرين من عمره، ومع حداثة سنه؛ الا أنه استطاع أن يشمخ بقامته أمام كبار شعراء عصره، وتميز عليهم بحكمة كانت وليدة ظروفه الخاصة.
وقد بدأت نهاية هذا الشاعر الشاب عندما رحل من اليمامة إلي الحيرة، وادعي جوار ملكها عمرو بن هند، وعندما أساء إليه الملك يوماً، ولم يكرِم وفادته، كما كان يفعل من قبل؛ هجاه، وهجا أخاه قابوساً، ولكن الهجاء لم يصل إلي أسماع عمرو بن هند إلا عن طريق رجل يسمي عبد عمرو بن بشر الذي هجاه طرفة أيضاً، وقد قال طرفة يهجو أبيات رأي فيها طرفة عمرو بن هند ملكاً لا يصلح للمُلك، وخير منه نعجة تخور، وإن كانت قليلة الصوف؛ فربما كان لبنها كثيراً يكفي رضيعها وحالبها..فغضب عمرٌو، وأضمر في نفسه الانتقام من طرفة، ثم أرسله إلي عامله علي البحرين برسالة، وأمره فيها بقتله، فقتله.
يستأجرن متخصصات و«الوصلة» ب500 جنيه
بنات الذوات.. شتيمة هاي كلاس!
«يا إبرة مصدية في الكوم مرمية يا عصابة النقارية، يا فستان سواريه وبقي جلابية وهالوووو.. يا جربان يا عدمان يا كرسي خرزان.. يا إيحة يا تلقيحة ياللي لا بتحط كولونيا ولا ريحة وهالوووو.. يالي بيفطروكي سميط ومتعجبيش عبيط.. فاشلة في دراستك ودكتورة في التنطيط وهالووو».
مروة أنور
يبدو من المفردات المستخدمة في وصلات الردح هذه أنها مخصصة لبنات الذوات، فلم يقتصر الردح علي النساء في الأحياء الشعبية بل امتد ليشمل أيضاً «الهاي كلاس» في الأحياء الراقية، حيث تطوَّر الردح واكتسب أشكالاً وآليات ولغات وطرقاً جديدة وخرج من أماكنه وأوساطه لينتشر في أماكن وأوساط أخري، وخير دليل علي ذلك سيدة المطار «الهاي كلاس» التي صفعت ضابط شرطة قبل أشهر وقالت له «لا ده أنا أقلعلك الملاية» كما أن هناك بعض النساء لا يستطعن النزول عن مستواهن الاجتماعي والأدبي ويلجأن إلي استئجار الشخصيات المعروفة ب«الردح» في الأوساط الشعبية في مهام انتقامية خاصة.
ومن الشخصيات التي كان يتم استئجارها للقيام بوصلات الردح في الخناقات، «فوقية الرداحة» من منطقة إمبابة الشعبية، فهي كانت بلطجية المنطقة وتقوم بأعمال الردح والشتيمة والضرب والتجريس لكنها تابت واعتزلت المهنة واكتفت بتجارة الملابس المستعملة ولا يستطيع أحد أن يتحدث مع فوقية فهي منذ الصباح الباكر تشاكس «اللي رايح واللي جاي»، وعندما تسألها عن ماضيها تبتسم وتقول «كنت أسطورة.. الناس كلها لسة بتتحاكي بيا، أشهر رداحة في المنطقة كنت باخد في طلعة الردح 100 جنيه أيام ما كان الجنيه له قيمة وكل زبون حسب مقدرته.. بس ربك والحق طلعة الردح الذواتي كانت بتخلي الواحد شبعان طول الشهر أنا وبقية فرقتي من الحبايب الأرزقية، مضيفة: «تكلفة وصلة الردح الذواتي كانت 500 جنيه».
فوقية لم تؤد هذا العمل بمفردها بل كانت تحاول جمع أكبر عدد من النساء قريباتها الغلابة علي حسب وصفها، بحيث يكون الاتفاق مع مايسترو الفرقة والتنفيذ جماعة في شكل كورال، وكان هذا التجمع النسائي يقوم بالردح أو تجريس شخص معين وبعد الاتفاق مع الزبون تجلس فوقية مع فريقها تضع الخطة حسب المكان والشخصية، وبعد التنفيذ يلتقين لتوزيع الأجرة، حيث تقول: «كنا بنجرس أو بنردح لواحدة غاظت ضرتها ومش عارفة تعمل معاها حاجة.. وممكن نقوم بأعمال ضرب مثلاً لراجل ظلم ست وأخد حقها.. نضرب صاحب شغل طرد واحد، وهكذا».
فوقية لم تنجب علي الرغم من زواجها ثلاث مرات، وتعترف بأن طبقات المجتمع الراقي يستأجرونها للقيام بأعمال بلطجة وضرب لكنها لم تستخدم السلاح ولا مرة ولا تترك عاهة مستديمة أو كسراً أو جرحاً علي جسد من تضربه وتقول «الردح موهبة»، ورغم أن فوقية اعتزلت المهنة إلا أنه علي رأي المثل الشعبي «يموت الزمار وإيده بتلعب» فتجلس فوقية أمام منزلها كل يوم لمشاكسة الجيران قائلة «أنا مش بعاكسهم لا أنا باغلس عليهم وبعدين ماعدش فيه صحة للضرب لكن الردح موهبة بتجري في عروقي».
وتعرف الدكتورة هالة حماد أستاذ علم النفس الرداحة بأنها شخصية معروفة في الأحياء الشعبية المصرية، سليطة اللسان ولا تخجل من الاشتباك في الأماكن العامة بالألفاظ والصفات الجارحة وإطلاق النعوت، وعندما تردح لشخص ما في الشارع فإنها تغرقه في سيل من السباب والصفات التي تنتقص منه، مما يؤدي لتجمع المارة والهدف هو تحقير الآخر وفضحه و(مرمطة الأرض به)، وفقا للتعبير الشائع وظلت الرداحة بمثابة البهار في الأفلام القديمة التي تناولت الحارة الشعبية باعتبارها جزءًا من الفلكلور الشعبي.
وتصف الدكتورة هالة حماد الردح بأنه سلوك قبل أن يكون ثقافة، وتقول: عموماً الردح متواجد في كل المستويات الاجتماعية بداية من الطبقات الكادحة حتي أعلي الطبقات الارستقراطية وأكثر الطبقات غني وثراءً فلا يرتبط المستوي المادي دائماً برقي الإنسان، كما أن الردح ليس مقصوراً علي المصريين فقط، لكنه يزداد في المجتمعات الشرق أوسطية.
فرش الملاية علي »الفيسبوك«
لم يعد «فيسبوك» مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي، فقد نجح البعض في تحويله لساحة كبيرة لعرض فضائح الآخرين وتجريسهم، والتعامل مع الصفحات الشخصية كمنصات لإطلاق الشتائم والألفاظ الخارجة علي المنظومة داخل وصلات ردح من العيار الثقيل. بينما ساعدتهم تقنية «screen shot» علي تهديد خصومهم والنيل منهم بعرض محادثاتهم الخاصة علي الملأ لإشباع رغبة الانتقام.
ضاق صدر الأصدقاء بالرأي الآخر، وتحت شعار «من ليس معي فهو ضدي» أسرفوا في استخدام ال«block» وصب اللعنات علي كل من تسوِّل له نفسه توجيه النصح لأشخاص كل مهمتهم التنكيل بالمنافسين وفرش الملاية لمن يتجرّأ علي انتقاد الملاية!
يشير د. أحمد عبد الله أستاذ الصحة النفسية بجامعة الزقازيق إلي دراسة تم نشرها منذ عامين بعنوان: «الشتيمة وآثارها النفسي»، وخلصت إلي أن الشتيمة تتسبب في نوع من التنفيس عن الكبت وتؤدي إلي الاسترخاء والراحة النفسية، فضلا عن أنها تساعد علي التخلص من الضغط العصبي والنفسي، بينما التهدئة التي تحدث مؤقتة، ويجب الاعتماد علي آليات أخري تحقق الاسترخاء والاتزان النفسي دون الحاجة للشتائم.
وقال إن الردح علي فيسبوك يتسم بشيء مهم هو أن عبء مواجهة الخصم وجها لوجه غير موجود، ولكن الشتيمة تكون علنا، وهذا هو السبب والضغط يولِّد الانفجار فيكون من السهل توجيه الغضب إلي شخص محدد بسبه ببعض الكلمات التي لا تؤذيه جسديا.
وأضاف: تكمن المشكلة في أن بعض الأشخاص يأخذون هذه الكلمات علي محمل الجد ويتم تحويلها إلي نميمة، وأري أن المشكلة ليست في الشتائم نفسها، ولكن الأهم أن الناس تبدأ في تصديقها.
وشرح أن الردح لم يعد يقتصر الآن علي فئة محددة فالردح وسيلة التنفيس التي اتفقت عليها كل فئات الشعب بمختلف أطيافه خاصة علي «فيسبوك»، ولا يخجل أي شخص مما قد ينشره باسمه وصورته من شتائم وسباب وألفاظ غير لائقة، فالظاهرة واضحة تماما، وهناك جزء منها أصبح يتسم بجرأة زائده عن اللازم خاصة بين الفئات الصغيرة في العمر.
ويقول د. رشاد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان إن الردح مفهوم شعبي تم استخدامه منذ القدم، لافتا إلي أن الألفاظ والعبارات والجمل المستخدمة في وصلاته من إنتاج البيئة التي عاش بداخلها الفرد، وهو ما يعني أن اللغة المستخدمة في الردح داخل المناطق الشعبية تختلف عن التي تنتشر في مناطق أخري، والردّاح يهين خصمه بشيئين: أصله غير المشرف، والأعمال السيئة والمشينة التي قام بها، فالردح يتجه في الغالب إلي النواحي السلبية أويغض الطرف عن النواحي الإيجابية، فهو يبحث ويفتش عن العيوب، وهو وسيلة للتراشق بالألفاظ، ومن يفوز به هو صاحب الصوت الأعلي.
وشرح أن ثقافة الردح انتقلت من الشارع ل«فيسبوك» الذي من المفترض أن يكون أكثر رقيا، باعتبار أن أغلب من يستخدمونه من طائفة المثقفين، وهو ما يجعل ألفاظهم وكلماتهم والجمل التي يتعاملون بها تختلف عن الردح الشعبي الموجود في الشارع ولكن بنفس المضمون، وهو كشف الأشياء السلبية في الخصم، بهدف تعريته فالردح هو سياسة التعرية.
وتؤكد الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الظروف الاجتماعية وظروف الشخص نفسه داخل هذا المجتمع هي ما تحدد سلوكياته وتلعب دورا كبيرا في تشكيلها, وبالتالي نجد أنها تتغير مع تغيُّر الظروف وليست ثابته كما يعتقد البعض, فلا يوجد مجتمع سلوكياته دائما مهذبه أو العكس, ولكن بتغيُّر الظروف تتغير السلوكيات.
وحول المقصود باختلاف الظروف تقول: تغيُّر أساليب التعليم ووسائل الإعلام والتجارب الشخصية مع المجتمع فهي تشكل سلوك الإنسان, محذرة من أن السلوكيات أصبحت سلبية بشكل كبير جدا ولا تختلف كثيرا بين طبقة وأخري، وهنا تكمن المشكلة.. ففي السابق كانت الطبقة المتوسطة هي معيار الأخلاق والقيم داخل المجتمع، أما الآن فأصبح لا وجود لأي فرق بين الطبقات المتوسطة أو الغنية أو الفقيرة لأن ظروف المجتمع أصبحت صعبة، بمعني أننا نتعلم سلوكياتنا علي سبيل المثال من التعليم الذي أصبح في أسوأ حالاته خاصة مع وجود مناهج مفرغة من التربية والقيم السليمة.
وتتهم ما يعرض من مسلسلات وأفلام وبرامج بأنه تحريض علي سوء الأخلاق وتعليم الردح.
من الحارات الشعبية إلي القنوات الفضائية
وصلات الردح السياسي
ياسمين عبدالحميد
عقب ثورة 25 يناير، ونحن معتادون علي أن يحيط بنا قدر كبير من السخرية والاستهزاء من الأحداث العامة في إطار الترويح عن النفس والتغلب علي الأزمات بالضحك، وتجلي ذلك في صور الكوميكس التي يتم تداولها علي صفحات السوشيال ميديا، وكذلك البرامج الساخرة مثل برنامج «البرنامج» لباسم يوسف.
توقف البرنامج، ولحسن الحظ ظهر لنا نوع جديد يثير أيضاً ضحكاتنا وبات لنا المتنفس الوحيد للضحك، وهو وصلات «الردح السياسي» التي تجلت في أبهي صورها مؤخراً، خاصة بعد بدء انعقاد جلسات البرلمان.
«خدوهم بالصوت ليغلبوكم»، بات هذا المثل الشعبي الدارج هو الطريقة المثلي التي يتعامل بها سياسيو وإعلاميو مصر مع بعضهم البعض، الردح متواصل وقائم ما دامت هناك كاميرات واستديوهات، ولم لا يكون وهناك الملايين في انتظار إعلان الفائز من تلك المعركة؟.
وللسياسيين باع طويل في تلك الظاهرة، ولعل أزمة الدكتور السيد البدوي ورجل الأعمال نجيب ساويرس خير شاهد علي ذلك، حيث بدأت الأزمة حينما اتهم السيد البدوي «المصريين الأحرار» بشراء 8 نواب من حزبه خلال الانتخابات البرلمانية، علي خلفية انسحاب بعض نواب الوفد من الحزب والانضمام إلي المصريين الأحرار.
في المقابل، أصدر «المصريين الأحرار» بيانًا نفي فيه تلك الاتهامات، معتبرًا أنها تأتي في إطار حرب التشويه قبل الانتخابات.
وهاجم بعدها ساويرس الوفد، واتهم البدوي بأنه وراء تراجع شعبية الحزب في الشارع المصري خلال الانتخابات البرلمانية، قائلاً «حزبنا عامل قلق للدكتور السيد دائمًا، ورسالتي له أن يتحدث عن حزبه، ولا يتحدث عن غيره».
وفي المقابل رد البدوي قائلاً: «خليك في حزبك، وخليك في حالك، وليس عليك التدخل في شئون الآخرين، وأنا مش عاوز أتعرض لأحزاب أخري في هذه المرحلة، ولا أقول حزبه عمل إيه في الحياة السياسية».
السفارة في العمارة
عليك الربط الآن بين مشهد الزعيم عادل إمام في فيلم «عريس من جهة أمنية» حينما ذهب لمبني المخابرات وكان سائق زوج ابنته يرفض الحديث للضابط، قال له: «هذا الكلب الخائن العميل الشعب كله يبصق في وجهه ويبول عليه»، وبين ما قاله الإعلامي مصطفي بكري عضو مجلس الشعب عن زميله في المهنة وزميله في العمل السياسي توفيق عكاشة بعد أن ظهر الأخير في صورة تجمعه بالسفير الإسرائيلي حاييم كورين في منزله.
إلي هنا نجد أن الأمر عادي، نائب أخطأ والمجلس يجتمع لمعاقبته، فما الداعي إذن لأن يخرج علينا مصطفي بكري في دعوة صريحة للتحريض ضد عكاشة حين هاتفه أحد مواطني الدقهلية، وقال له بكري: «انتفضوا يا أهل الدقهلية، ثوروا لمحاكمة هذا الكلب الخائن العميل الذي يسعي للتطبيع مع الصهاينة، انتفضوا ولا تسكتوا عنه فأنتم السبب في دخوله البرلمان ابصقوا علي وجهه، وأطالب أي شخص يري عكاشة أن يبصق في وجهه».
غياب القانون
هذا هو الحال الذي صار عليه السياسيون والإعلاميون وكذلك نواب الأمة، فكيف حال الشعب إذن الذي يتشكل وعيه وإدراكه بمشاهدة هؤلاء، كيف لنا أن نبني مجتمعاً قائماً علي الفضيلة وحولنا كل هذا اللغط، هذا ما قاله الدكتور محمود علم الدين أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، مطالباً وزير الاستثمار بالبت في هذا الأمر وتفعيل القانون لمحاسبة المخطئين.
ولفت علم الدين، إلي هناك قصوراً في فهم الهدف من برامج التوك شو، التي تحولت عند البعض إلي سبوبة، وعند آخرين منصات لتصفية الحسابات الشخصية، وخير مثال علي ذلك المعركة الدائرة بين مرتضي منصور وعائلة عمرو أديب.
العالم، أثني علي وجود بعض المهنيين في تلك المهنة، مشيراً إلي أن التعميم مرفوض، وأن مصطلح الردح السياسي كان من الأفضل أن يكون الردح الإعلامي، لأن السياسي بدون إعلام لن يظهر علي الشاشة ولن يعرفه أحد.
وطالب العالم، مالكي القنوات بوضع معايير للمذيعين العاملين بها، حتي لا تتحول ساحات الفضائيات لحارات شعبية.
الرجال..
أكثر عنفاً وأقل صوتاً
حسن حافظ
«يا أبشع الحريم.. يا مدمنة برسيم.. إن شاء الله يفتكرك الكريم.. وياخدك ونرتاح من وشك اللئيم.. تعرفي اني شفتك في المنام وعشان خاطر عيونك دعيت ربنا ياخد مني نعمة الأحلام، هكذا يبدو ما يمكن أن نطلق عليه «الردح» عند الرجال، فالردح باعتباره أحد فنون الحارة الشعبية ظل يروج له علي أنه مخصوص بالنساء، اللاتي يقفن علي عتبة أبواب المنازل ويتبادلن السباب بألفاظ منتقاة، فالبعض اعتبر هذا الفن حكراً علي النساء، لكن تراث الحارة المصرية وكتب الأدب العربي تكشف أن هذا الفن مفتوحاً للرجال والنساء علي حد سواء.
ربما يكون أشهر مشاهد السينما التي رصدت ردح الرجال ذلك المشهد في فيلم «لعبة الست»، عندما دخل الفنان الراحل نجيب الريحاني في وصلة ردح لأسرة زوجته في الفيلم، تحية كاريوكا، وبدأ في السخرية من «عنطزة» حماته (ماري منيب)، وقال: «هات لها مزّة خيار مخلل وقرن فلفل وشقة عيش كمان»، لكن النموذج الأكثر شهرة قدمه أحمد حلمي في فيلم «صايع بحر»، عندما خدعته خطيبته وذهبت مع رجل أكثر أموالاً، فذهب إلي شارع أهل خطيبته وبدأ في وصلة ردح قائلاً: «يا ميريت يا خاينة يا فاجرة يا أم عيلة ما بتقلش لأ.. أمك ماتقلش لأ.. خالتك ماتقلش لأ.. ستك ماتقلش لأ»، ليبدأ بعدها في السخرية منها: «قال ميريت قال.. ده أنتِ اسمك حتي مضر بالصحة».
وقدم الفنان حسن الرداد تجربة ردح قريبة من الواقع في فيلم «زنقة الستات» عندما زار حارة شعبية، وشاهد خناقة بين بعض الشباب، الذين اعتمدوا علي الردح سلاحهم الأقوي في الخناقة، ويقول أحدهم: «حوالين نفسنا نتلفت وندوّر علي حد تبعنا، الصحاب وعدت وما وفت وغدرهم مابقاش يوجعنا»، ليرد عليه خصمه قائلا: «ماتكترش معايا وماتعملش حكاية.. أصل أنا مش حبيبك وحياة ربنا ما هسيبك»، ليرد عليه الأول: «الكلام ما فيش أكتر منه والصغير كبر سنه..اللي من شهرين كان عيل الدنيا بقت تخاف منه»، ليرد الثاني: «يا معلم لو عاوز تتعلم.. تعالي عندنا واتعلم.. بس أوعي يا معلم تعمل علينا معلم عشان إحنا اللي علمناك».
نماذج الردح الرجالي قديمة وتعود إلي قرون سابقة، إذ يقول بهاء محمد الباحث في تاريخ مصر المعاصرة، ل«آخر ساعة»، إن التراث الشعبي في مصر مطلع القرن العشرين يحتوي علي نماذج كثيرة لردح الرجال الذي كان يقدم في صورة أقرب إلي الشعر المقفي، لكن بألفاظ عامية وبما يشبه ردح النساء، وأنه كان من عادات فتوات الحارات في النصف الأول للقرن العشرين أن يكون ضمن أتباعه أحد الصبيان ممن يجيدون هذا الفن، ويلقي وصلته في مهاجمة الفتوة الآخر وصبيانه، ويركز علي النواحي الأخلاقية لنساء الحارة المنافسة، فردح الرجال أكثر قسوة ومعايرة بالألفاظ الجنسية والحديث عن الشرف في هذه الفترة، مؤكداً أن الردح ظل مهنة نسائية لا يقبل عليها في عالم الحارة الشعبية زمن الفتوات إلا الشباب صغير السن الذي لا قوة له علي القتال في معارك الفتوات، لذلك كان ينظر لمن يقوم بالردح دوماً بأنه عمل ينتقص من الرجولة.
وأشار محمد إلي أن «ردح الرجال» اتخذ عدة أشكال عبر التاريخ الطويل، ولكنها في معظمها كانت تستند علي تلفيق التهم السياسية بشكل أساسي، باعتبارها الوسيلة المضمونة للتخلص من الخصم، لذلك نجد بعض المصطلحات والتراكيب التي دخلت إلي قاموس الردح الشعبي رغم ما لها من مدلول سياسي.
ردح علي شريط سينما
هبة بيومي
"اسم الله عليكِ إنتِ ياللي مقطعة السفر.. علي وشك يبان يا بنت سيدة العمشة.. مالها دهبية؟ دي ست الحارة". هذه إحدي نماذج وصلات الردح الشعبي التي اشتملت عليها الأفلام السينمائية الذي يُعدُّ مشهدا مميّزا يحظي بمتابعة المشاهدين ويعكس جانباً من الموروث الشعبي.
شهدت الدراما المصرية العديد من مشاهد الردح الشعبي الذي لا يخلو من خفة دم الفنانين المؤدين لهذا المشهد، فيضفي ذلك نوعا من البهجة رغم درجة العنف التي يحتويها المشهد الذي قد يؤدي في النهاية إلي التشابك بالأيدي، واشتهرت الأفلام القديمة في زمن الأبيض والأسود بنجمات أدين ببراعة مشاهد الردح مثل زينات صدقي وماري منيب وغيرهما.
ويحفل تاريخ السينما بمشاهد مماثلة، فقد تكرر نفس الموقف في فيلم «انت اللي قتلت بابايا» التي أجادت فيه الفنانه شويكار فن الردح الراقي أمام الفنانة وداد حمدي، حين قالت في المشهد: «انت بتقولي إية يا مارونج لاسيه وعطب، يا فرو شيك ورطب، يا فريجيدير مليان وشطب، اخرسي ياعود مليان شوك من غير ورد يا فستان سواريه وبقا جلابيه، يا ريكودر عطلان، يا أوتومبيل فسدان، يا كرسي خرزان.. وهالووو».
وفي فيلم «قصر الشوق» أدت الفنانة نادية لطفي مشهد ردح مع الفنانة ميمي شكيب توجه إليها الكلام في محل مجوهرات الخواجة يعقوب، الذي بدأ علي النحو التالي:
- نهارك سعيد يا خواجة يعقوب.
- يا امه.
- إيه اتخضيتي يا صغيرة؟
- دستور يا سياااادي.
- اتلبيشتي يا نونو؟
- اشتاتا أشتوت.
وحديثاً في فيلم «قصة الحي الشعبي» أجادت الفنانة نيكول سابا مشهد الردح لفتاة من طبقة راقية لكنها عندما ذهبت إلي الحارة التي وُلِدت فيها اعترضتها إحدي نساء الحارة ودخلت معاها في وصلة ردح فوجدت نفسها مضطرة إلي أن تبادلها نفس الألفاظ وكان نص المشهد: «جري إيه يا ولية يا قرشانة إنتِ.. ياللي جوزك طارقك علي ودان الناس.. ما تلمي نفسك.. مالها دهبية؟؟ دي ست الحارة يا بنت عطيات بنت نفيسة الدلالة»، ثم تشاجرت معها بالأيدي.
أما الفنان الراحل علاء ولي الدين عندما جسّد دور المرأة في فيلم «الناظر» دخل في وصلة ردح مع إحدي النساء المتواجدات بمنزلها في عزاء زوجها: «كان الله يرحمه بيحب كل الناس ماكرهش حد في حياته غير اسم الله عليه جوزك يا صفية»، ثم توالي الرد المتبادل بشكل طريف بين الطرفين ولا ينسي أحد عبارة «والنبي لأضربها علي بوقها الولية دي» التي قالها في نهاية المشهد علاء ولي الدين.
وعن طبيعة فن الردح في السينما المصرية تقول الفنانة سهير المرشدي رئيس جمعية «أنصار التمثيل»: فن الردح عبارة عن تظاهرة شعبية إن دلت علي شيء تدل علي واقعها، فالردح تعبير شعبي يعكس خصوصية الأحياء الشعبية ولغتها وثقافتها وموروثها الاجتماعي والثقافي، وجسدته مشاهد الردح في الأعمال الدرامية، وهو عبارة عن نكهة في أي عمل وأنواعه مختلفة سواء ردح فلاحي وصعيدي أو ردح شعبي وأيضا هناك ردح أرستقراطي، فهو تعبير عن لحظة معينة تقول خلالها هذه الفئة رأيها في شخص سواء رجلا أو مرأة.
تتابع: ظاهرة الردح تعكس ثقافة الشخص «الردّاح» ومدي وصول الحي الذي ينتمي إليه إلي درجة علمية أو ثقافية معينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.