«تكتشف الأخلاق فى ساعة الشدة».. أحد أبرز الأقوال المأثورة للكاتب الفرنسى «أندريه موروا»، فوقت الغضب يظهر معدن كل فرد، من خلال التصرفات والألفاظ التى يتفوه بها، ولأننا شعب كثير الغضب، ربما بسبب مشاكل الحياة اليومية، تجدنا نبرع ونجتهد لإظاهر أسوأ ما فينا، وفى كثير من الأحيان نصل إلى مرحلة «الردح»، حتى أنه أصبح مهنة قائمة بذاتها فى وطننا، ومن منا ينسى دور الفنانة «عبلة كامل» التى جسدت شخصية «الردّاحة» فى فيلم «خالتى فرنسا»، وهى من يتم استئجارها للردح، مقابل المال، لتنال من كرامة الشخص المستهدف. مثل أى مهنة، تحتاج الرداحة لمواصفات خاصة، حتى تتمكن من مهنتها، فلابد أن تكون شخصية معروفة فى الأحياء الشعبية بسلاطة اللسان، وعدم الخجل من الاشتباك اللفظى فى الأماكن العامة، وعندما تردح لشخص ما فى الشارع، فإنها تغرقه بسيل من السباب والصفات التى تنتقص منه، ما يؤدى لتجمع المارة، والهدف من كل ذلك تحقير الآخر وفضحه، مستخدمة أكثر الألفاظ المتداولة وأشدها سوءًا، ومنها «يادلعدى، شوباش، ابن الرفضى، أحمد يا عمر»، وغيرها من الألفاظ التى نشرحها ونوضح علاقتها بالتراث فى السطور المقبلة. يادلعدى: عبارة منتشرة جدًا، تتردد على مسامعنا فى معظم المشاجرات داخل الأحياء الشعبية، وتحمل تفسيرين: الأول تحريف لعبارة «يا ألد العدى»، بمعنى «أشد الأعداء»، والآخر «يا دا العدى» أى «يا هذا العدو»، والعبارة فى كلا التفسيرين تشير إلى أن الشخص الذى توجه له هو العدو الذى يستحق التنكيل به. ابن الرفضى: يرتبط هذا اللفظ كثيرًا بالكوميديا فى مجتمعنا، فقد تكرر المصطلح فى أفلام إسماعيل ياسين، على وجه الخصوص، وكان دائمًا ما يوجه لشخص يحاول إلحاق الأذى بالآخرين، وهى سُبة قديمة جدًا مشتقة من الرافضين أو الرافضة، وتطلق على الشيعة من كارهى الصحابة، المتحيزون للإمام على رضى الله عنه. «يا عمر» بدأ استخدامها فى المنابر، وكانت تُنطق «يا عووووماااااار»، لتدل على الاستهزاء، وأول من استخدمها الفاطميون، لكراهيتم الشديدة لشخصية عمر بن الخطاب، فكانوا فى خُطبهم فى المساجد دائما ما يذكرون بعض المواقف المنسوبة للخليفة الثانى، بمعنى «أين كنت يا عووووومار» واستخدمها من بعدهم كل من يحاول أن يستهزئ بشخص، أو يردح له فى جميع العصور، من باب التقليل منه، وعدم تقديره. أفرش الملاية: تعنى التفرغ التام للردح، والقدرة على المواجهة، ويعود تاريخها إلى تراث محافظات بحرى والدلتا، فكانت المرأة فى هذه المحافظات إذا تشاجرت مع أحد، قالت له: هفرشلك الملاية، وهى التى كانت جزءًا أصيلًا من زى النساء فى هذه المناطق، والمعنى أنها سوف تضع ملاءتها على الأرض ثم تتربع عليها وتتفرغ للردح، وفى الوسط النسوى، تدل العبارة على جبروت السيدة، وقدرتها على أخذ حقها. أجرسك وأبهدلك: ترجع إلى العصور القديمة، وتشير إلى عقوبة «التجريس»، وأصل الكلمة أن المحكوم عليه بعقوبة فى العصور القديمة كان يوضع مقلوبًا على ظهر حمار، ويطاف به فى المدينة وخلفه منادٍ يعدد جرائمه، وهو يقرع الجرس، أما البهدلة فهى العبث بهيئة الخصم وهندامه حتى يفقد احترام الناس له. شوباش: يعود تاريخها للعصر الفرعونى، وليس لها علاقة على الإطلاق بالشتيمة أو الردح، فالشوباشى عند الفراعنة تماثيل صغيرة يتم وضعها مع المتوفى فى القبر، حيث كانوا يعتقدوا أنها تردد الدعاء له، لكن فى العصر الحديث يتم استخدامها فى المشاجرات، بمعنى رددوا ورائى ما أقول، أو بمعنى آخر: «أمنوا على كلامى»، ولو رفض أحد التأمين، يطلب منه أن يقف فقط ليرى ماذا ستفعل الرداحة بالشخص الذى تردح له. أشكرى يا إنشراح: أحدث عبارات الردح فى الوقت الراهن، وتداولت بين الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعى التى رددت الجملة كثيرًا على رسومات «كومكس» بغرض الاستهزاء من الموقف السياسى، وباتت تستخدم فى الردح بمعنى السخرية والاستنكار من كل شىء لا ينال رضاء الشخص الذى يردح. يرى الدكتور «خالد عبد الله»، أستاذ الأدب الشعبى، أن التصاق الأدب الشعبى بالردح فى مجتمعاتنا ما هو إلا وصمة عار، يُشين التراث الشعبى كله، فالأدب الشعبى وظيفته الرئيسية أنه ينقل حاجات نفسية ومجتمعية من جيل لآخر، كنوع من التواصل، خاصة فى مصر، لأنه يعتمد على السجع من أجل إعطاء انسجام لغوى ليس لاستخدامات الإهانة والردح، ومن أبرز الأمثلة على ذلك القول الشعبى «كنت أشوفه بيعدى ويسلم، دلوقتى أشوفه أقول يارب سلم»، وغيرها من الأقاويل. كذلك فالأدب الشعبى يتميز بالميل الشديد للفكاهة، يضيف «عبد الله»، وكذلك اهتم الأدب الشعبى كثيرًا بالأمثال الشعبية والحواديث مثل قصة الزناتى خليفة، وأبو زيد الهلالى وغيرها من الرموز التى أصبحت فيما بعد أبطالا لقصص درامية كبيرة.