يقول الدكتور محمود عمرو مؤسس المركز القومي للسموم وأستاذ الأمراض المهنية بقصر العيني: إذا صحت النظرية التي اعتمد عليها الطبيب الأجنبي في علاج المدمنين بالجلد بالكرباج علميا فلن تكون صحيحة إلا من الناحية النظرية فقط لكنها لن تصلح أبدا لعلاج الإدمان نهائيا، فمن الناحية العلمية أثناء جلد المدمن يقوم المخ بإفراز هرمون الأندروفين الذي يؤثر في خلايا المخ، لكن في الوقت ذاته يصاب المدمن بمرض ال"أورجازم"، وبذلك سيتحول المدمن إلي شخص عدواني مجرم يتلذذ بتعذيب ذاته وتعذيب الآخرين. أيضا ما يفعله هذا الطبيب يتعارض مع الخطوات العلمية للشفاء من الإدمان والتي يأتي أهمها بعد انتهاء المريض من فترة أعراض الإنسحاب وهي فترة الدمج المجتمعي للمتعافي وفي هذه الفترة يحرص الطبيب علي إدماج المدمن مع الآخرين حتي لا تحدث له انتكاسة أخري ويعود للإدمان، وهنا يأتي التعارض العلمي لأن طريقة العلاج بالضرب تعتمد علي إفراز مادة "الأدرينالين" هذه المادة تعطي قوة داخلية في المخ هذه القوة تولد "إحساسا سندكاويا" للمدمن يجعله يقاوم أي شيء في الحياة حتي الإدمان ، وهنا تظهر المشكلة العلمية لأن هذا الشخص السندكاوي لن يستطيع أبدا أن يشعر أنه شخص سليم وبالتالي سيستحيل إدماجه في المجتمع. يضيف عمرو: هذا الطبيب تحدث عن نوعين من المدمنين في طريقة علاجه وهذا لا يصح من الناحية العلمية فكل مدمن من هؤلاء له طريقة علاج مختلفة عن الآخر، وفي مصر لدينا 10 ملايين بين مدمن وممارس للإدمان أما من يحتاجون للعلاج والتأهيل من إدمان المخدرات فلا يتعدون المليون شخص. أيضاً هذا المريض قد يكون طيب الأخلاق وأصيب بمرض الإدمان وهذا يعني أنه لم يرتكب جريمة وقد يكون هو من جاء بنفسه لطلب العلاج وهذا من الناحية الطبية تعني أنه يحتاج للعلاج وانه قادر علي تحمل صعاب العلاج وبالتالي هو يحتاج لعلاج وليس عقابا كما أنه لم يحتج لأحد يشعره بأنه مذنب، وهنا قطعا لا يجوز معه العلاج بالضرب أو بالجلد. أما النوع الآخر الذي تحدث عنه هذا الطبيب الأجنبي هو "مدمن الجنس" وفي الحقيقة الدين الإسلامي عالج مشكلة إدمان الجنس طبياً بالسماح لمن لديهم نهم شديد بالزواج مرتين أو ثلاثا، ولكن هذا ينطبق علي الأشخاص الأسوياء فقط والذين لا يمسون الآخرين بأي ضرر، أما في حال تحول هذا الشخص إلي "معتد" لا يستطيع التحكم في إدمانه وجب العقاب القانوني الذي شرعه الله وهو تطبيق الحدود "فاجلدوهم ثمانين جلدة" وهذا هدفه من الناحية العلمية القانونية الشرعية "كبح جماح العدواني لحماية المجتمع" وهذا مقصود به الردع وليس العلاج والدليل علي ذلك هو شرط أن يكون الجلد في ميدان عام وعلي مرأي ومسمع من الجميع وذلك حتي يعزف ويمتنع الشخص الذي سيفكر في الاعتداء. الدكتور عمرو عثمان رئيس صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يقول: هذا كلام ليس له أي علاقة بالعلم بل إن أحدث ما توصل إليه العلم الآن ما تم إقراره في المؤتمر العام للأمم المتحدة لعلاج الإدمان وهو اتباع الطرق العلمية الحديثة للوقاية من الإدمان أو التدريب علي أحدث البرامج العلمية التي تعالج وتمنع انتكاس المريض المدمن من خلال تقديم منح للمتعافين ثم دمج مجتمعي لهم . أيضا لم يتحدث هذا الطبيب في بحثه عن الفرق بين الإدمان والتعاطي فهذه التفرقة بين المدمن والمتعاطي شديدة الأهمية لأنه يتحدد بناء عليها قياس الاستجابة للشفاء . يتابع: مدمن المخدرات يحتاج لخطوات عديدة حتي يتم شفاؤه من الإدمان تبدأ هذه الخطوات من خطوة "الديتوكس" وهي سحب المخدر من الجسم وهنا يمر المريض بمرحلتين مرحلة السحب طبيا ثم مرحلة العلاج النفسي وبعد ذلك تتدرج خطوات العلاج النفسي من علاج فردي إلي علاج جمعي ثم سلوكي ثم إرشادي ثم أسري وبالتالي لا يمكن أبدا أن يتم دمج جميع هذه الخطوات في خطوة واحدة كخطوة الضرب أو الجلد كما يشير البحث، وإن حاول الطبيب دمج خطوات العلاج النفسي لن يستطيع مطلقا اختزال مرحلة العلاج الطبي وسحب السموم. أما بالنسبة لمدمن الجنس فالإسلام أمر له بالجلد كنوع من العقاب الرادع وليس العلاج. فيما يقول الدكتور نبيل عبدالمقصود أستاذ علاج السموم ومدير مستشفي قصر العيني الفرنساوي: هذه الطريقة من العلاج جائزة علميا لكن لا أوافق علي اتباعها بسبب خطورتها وعيوبها، فهي تعتمد علي قاعدة علمية معروفة وهي تحفيز الغدة التي تفرز الأندروفين لكونها مادة مخدرة لتسكين الألم. لكن عيوب هذه الطريقة أولاً أن هذه المادة تسكن أي نوع من أنواع الألم وليست معنية بنوعية ألم معينة ثانياً أنها تقوم بعمل تسكين مؤقت للألم وليس علاجا نهائيا له. وهذه الطريقة كانت تتبع قديما ولكن تم تطويرها- عندما كان يتم علاج الرجل المصاب بمرض "عرق النسا" بحرق أو كي رجله فكان الشخص وقتها لا يشعر بالألم ولكن الحقيقة أن ما حدث له هو "إشغاله" عن آلامه الأساسية بآلام الكي أو الحرق الجديدة. أما القاعدة العلمية الثانية التي يعتمد عليها الطبيب الأجنبي عند اتباع هذا العلاج هي تحفيز إفراز مادة "الدوبانين" المسئولة عن السعادة وفي حقيقة الأمر بعض العلماء يستغل هذه الخاصية لأنها تحقق للمريض النشوة الطبيعية من خلال الضرب وذلك برغم أنهم يعرفون أنها قطعا لن تعالجهم نهائيا .مؤكدا أن أخطر عيوب هذه الطريقة أنها تعود المريض علي نوع آخر من الادمان وهو إدمان "الضرب بالكرباج"، وبالتالي سيجد هذا الطبيب صعوبة بالغة في إبعاد المريض عن هذا الإدمان الجديد ، فالمدمن هنا إما أنه سيدمن الضرب ويترك إدمان الجنس أو أنه سيدمن الاثنين معا فيصبح مدمنا للجنس والضرب. يضيف أستاذ السموم: رغم أن العلم يقول إن الإدمان عبارة عن مواد وسموم تدخل جسم الإنسان وأن علاج الإدمان أيضا هو مواد وسموم تدخل جسم الإنسان أو يتم تحفيز الجسم لإفرازها بشكل طبيعي إلا أنه من المستحيل أن تتقارب هذه الكمية الطبيعية التي يفرزها الجسم من الأندروفين أو الدوبانين والتي يلجأ الطبيب لتعذيب المريض بالكرباج حتي يفرزها مع كمية المخدر أو العقار الخارجية التي يتناولها المريض بل ويدمنها . وفي النهاية وبعد كل ما سبق فكل ذلك يؤكد فشل النظرية العلمية التي استند إليها هذا الطبيب بل ويثبت استحالة تطبيقها علي أرض الواقع . بعد إجماع العلماء علي عدم جدوي النظرية العلمية التي تؤيد العلاج بالكرباج وبعد اتفاقهم علي أنها تسبب نوعا من التعذيب والإيذاء للمدمن طرح هذا الجدل العلمي سؤالا آخر وهو جدوي ضرب "الزاني" بالكرباج في الإسلام هل للردع أم للعلاج؟ ولماذا نهي الإسلام عن التعذيب في علاج المريض. الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر يقول: الإسلام نهي عن الضرب والتعذيب وفي تطبيق "الجلد" أمر بألا يعذب من يقام عليه الحد فلا يحدث له إيلام شديد يسبب تكسير العظام أو شق الجلد أو قطعه أو تشويهه لأن الهدف من العقوبة هو مجرد إشعاره بارتكابه مخالفة شرعية أي أنه نوع من العقاب لإحداث نوع من التقويم للسلوك المعوج في نهاية المطاف وفي النهاية الهدف ليس علاجا بدنيا فهذا أمر لم يرد في القرآن أو السنة. ولعل لهذه الأسباب نهي الإسلام عن التعذيب في علاج المريض وهذا ما أكده أيضا الدكتور عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبق وأمين عام الدعوي بالأزهر حيث يقول: أمرنا الرسول ([) بالتداوي وقال: تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا ووضع له دواء ما عدا الهرم" أي الموت كما قال أيضا شفاء أمتي في ثلاث شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأكد: لا تلقوا بأيديكم للتهلكة أي أن العلاج أمر مفروض ومطلوب للمسلم . يضيف: الجلد حد من حدود الإسلام فرض علي الزاني غير المحصن وعلي الذين يقذفون المحصنات أما المريض بالنهم في حكم الإسلام لم يصبح زانيا ووجب له العلاج والسعي للعلاج لأن الجلد هدفه الأسمي المنع والتخويف للغير كما قال علي رضي الله عنه: «الله أكرم أن يجمع علي عباده عقوبتين علي ذنب واحد» أي من يجلد في الدنيا لم يعاقب في الآخرة ولذلك فكرة علاج أي مريض سواء كان مريضا بالمخدرات أو الجنس عن طريق الضرب أو التعذيب حرام شرعا.