حين تتجول في وسط المدينة تلفت نظرك أطلال عالية مثل أوراق الزهور المتفتحة لكنها تحمل لون التراب. تلك هي أطلال قلعة «شالي» أو مدينة سيوة القديمة التي شيدت علي تلة عالية، وكان الأهالي يحتمون فيها من غزوات الأعداء، قبل أن تتهدم أجزاء كبيرة منها وتصبح مجرد شاهد علي حضارة قديمة للأمازيغ الذين استوطنوا المدينة منذ آلاف السنين، وتصبح واحدة من أبرز المزارات السياحة في سيوة. يقول المرشد السياحي مصطفي يوسف وهو من أبناء الواحة: واحة سيوة التي يسكنها الآن نحو 30 ألف نسمة، كانت مدينة خالية من السكان حتي بداية القرن الحادي عشر الميلادي، إلي أن حدث قحط في شمال أفريقيا، فأدي ذلك إلي نزوح بعض سكان المنطقة إلي واحة سيوة التي كانت تُعرف وقتذاك ب«واحة آمون». يتابع: بدأت هذه المجموعة في إنشاء قلعة تحميهم من الغزو الذي كانوا يتعرضون له من القبائل المجاورة والمتنقلة في الصحراء الغربية، بحكم أن سيوة هي المنطقة الوحيدة التي كانت أراضيها مزروعة بأشجار النخيل وتحتوي علي ينابيع للمياه. بعد ذلك بدأ الأمازيغ يستقرون في الواحة وأطلقوا عليها اسم «شالي» وتعني باللغة الأمازيغية «بلدي أو «وطني». وكان للقلعة عدة أبواب، تُفتح فجراً حتي ينزل المزارعون إلي أراضيهم، وتُغلق وقت المغرب. وشُيدت القلعة من خامات بيئية متوافرة، علي رأسها مادة «الكرشيف» الذي كان ومازال ينمو علي أطراف البحيرات، وهي مزيج بين الطين والملح الذي حين يجف يصبح يابساً وقوياً بدرجة تشبه الخرسانة المسلحة في زماننا الحالي، وإلي جانب «الكرشيف» تم استخدام جذوع النخيل في عمل أسقف للمنازل، ويُلاحظ داخل القلعة وجود ممرات تسمح بمرور مشاة فقط، وكان ذلك يساعد علي تأمين القلعة، التي كانت تحتوي في داخلها علي أكثر من أربعة آبار مياه كانت تستخدم في أغراض الشرب والحياة اليومية. ويوضح يوسف أن القلعة ظلت شامخة في مبان تراوحت في ارتفاعها بين سبعة وثمانية طوابق، إلي أن حدثت سيول عام 1926 وتكررت عام 1981 وبدأت القلعة تتهدم، بسبب أن القلعة مشيدة من مادة «الكرشيف» وهي أحجار ملحية من البحيرات المالحة والطمي، وتتعرض القلعة إلي المزيد من التحلل والتصدع بعد كل هطول للأمطار، وقد اضطر سكان القلعة إلي مغادرتها إلي الأراضي المنبسطة بجوارها. وجدير بالذكر أن سيوة مقسمة حتي الآن إلي 11 قبيلة، لكل منها شيخ يحكمها ويساعده في ذلك 10 أفراد من القبيلة يطلق عليهم «مجلس الأجواد»، وأبرز مهام هذا المجلس الفصل في المنازعات وإصدار الأحكام في الخلافات التي تقع بين السكان، والتي غالباً تكون خلافات علي قطعة أرض أو بسبب تقسيم المياه، إذ تسجل نسبة الجرائم في سيوة صفراً، ولا توجد أي جرائم جنائية نهائياً.