حدثتني صديقتي كثيرا وهي لاتزال في سن العشرين عن بلدتها »الفيوم« ومدي ماتشعر به من جمال ونقاء وصفاء ذهني وهي تقضي أيام الإجازات بها وسط عائلتها الكبيرة المقيمة هناك.. حتي إنها عندما تعرفت إلي من أحبته حبا جما لم تخبره بموافقتها علي الزواج إلا بعد أن يمهلها فترة أسبوعين تقضيهما وسط هواء مدينتها وكنت كلما ذهبت لبلدتها في سنوات خلت سواء للعمل أو الزيارة شعرت فعلا باختلاف في هواها.. وفي طريقي للبلدة هذا الأسبوع لمدينتها استدعت ذاكرتي صديقتي التي رحلت بعد سنوات قليلة من زواجها فهي لم تتحمل أيام الجفاف والجفاء بعد أن مرت سنوات العسل مسرعة بات معها جافا غليظا غير عابئ بمشاعرها ولا يهتم بأي أمر من أمورها قائلا لها: إفعلي ماتريدين وإذا سألته عن الزواج أليس شركة والتقاء وود وتفاهم وحنان أجابها بأن هذا كلام من يعملون ولا يتميزون في عملهم أنا أريد التميز.. لا تكوني قيدا وحجر عثرة في طريقي.. بعد انتهاء هذه المناقشة شعرت بصدمة نفسية وعصبية فسقطت مغشيا عليها ودخلت المستشفي مصابة بعدة كسور مكثت به شهورا وعادت لبيتها لترعي صغيرها وهي علي كرسي متحرك وتستسلم ثلاث مرات أسبوعيا للعلاج الطبيعي علي أمل الشفاء لكن حالتها النفسية السيئة وانكسارها وافتقادها الحب لم يساعداها علي حدوث أي تحسن ولو طفيفا علي كسورها وجروحها بل علي العكس تماما بدأت حالتها تسوء كل يوم عن الآخر فهي تتعامل مع المرض بيأس من الشفاء ففي قرارة نفسها لا تريد هذا الشفاء تشعر بعد جلسة العلاج الطبيعي بألم الكسور ومضاعفاتها كأنها وخز ساحق ضاقت أنفاسها وتاقت روحها لأن توجد في عالم آخر قد يكون أرحم بها من العالم الذي عاشت به ولأول مرة منذ رحيلها أذهب لبلدتها وجدت تغييرا كثيرا طرأ علي النباتات والشوارع ولم استطع أن أتبين هل طرأ تغيير أيضا علي نفوس البشر أم أن الجحود والجمود صفتان أصليتان لا تتغيران في طبيعة النفس.. أخذت أبحث عنها أتنسم هواها لعلي أراها استحضرها في قلبي وعقلي أكاد أراها.. قد تكون بحال أفضل مما رأيتها عليه أيام عاشت الحزن والقهر.. أكاد أراها وهي في عالم واسع رحب في ثوب أبيض ملائكي جميل يضيء ووجهها نور وبسمة واطمئنان ورضا وأمل هو أملنا في الله أن يظلنا يوم لا ظل إلا ظله.