غلق باب التصويت في لجان الاقتراع بسفارات وقنصليات مصر بنيوزيلندا وأستراليا وكوريا والابان.. وبدء الفرز    المشاط: الاقتصاد المصري دخل مرحلة تحول حقيقي منذ مارس 2024    رانيا المشاط ل «خارجية الشيوخ»: اقتصاد مصر دخل مرحلة تحول حقيقى منذ مارس 2024    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    ليبيا ترسل خبراء إلى تركيا لمتابعة التحقيق بحادثة الطائرة    روسيا: حريق في ميناء تيمريوك النفطي إثر هجوم بطائرة مسيرة    ويتكوف يبلغ الوسطاء وإسرائيل بموعد بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة    حال التأهل.. موقع إحصائي يكشف منافس مصر القادم في دور ال16    انتشال آخر جثة لسيدة من أسفل أنقاض عقار إمبابة المنهار    رئيس صندوق التنمية الحضرية يستعرض صورَ مشروعات إعادة إحياء عددٍ من المناطق بالقاهرة التاريخية قبل التطوير وبعده    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    برلماني: الوطنية للانتخابات وضعت خارطة طريق "العبور الآمن" للدولة المصرية    رئيس جامعة طنطا يجري جولة تفقدية موسعة لمتابعة سير أعمال الامتحانات    استشهاد لبنانيين اثنين إثر غارة إسرائيلية استهدفت سيارة بقضاء الهرمل    أشرف حكيمي يدعو كيليان مبابي وديمبيلي لحضور مباراة المغرب ضد مالي    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    الذهب يختتم 2025 بمكاسب تاريخية تفوق 70% واستقرار عالمي خلال عطلات نهاية العام    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    المنيا تنفرد بتطبيق نظام الباركود للمحاصيل الحقلية    محافظ الفيوم يعتمد جدول امتحانات النقل لمدارس التعليم الفني    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    معارك انتخابية ساخنة فى 7 دوائر بسوهاج    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    إسرائيل تمطر "سد المنطرة" بريف القنيطرة في سوريا بالقنابل (فيديو)    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرياتها عن مصر..قضت في القاهرة ثلاثة أشهر مستمتعة بالرقص في الفنادق
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 09 - 2010

في هذه المقتطفات المترجمة عن النص الإنجليزي لمذكرات «أجاثا كريستي» التي كتبتها بقلمها تسرد ملكة الرواية البوليسية علاقتها العميقة بمصر والتي تفسر لاحقاً سبب حبها الشديد لمصر التاريخ والحاضر، وقد بدأت أجاثا كتابة مذكراتها التي حملت عنوان «أجاثا كريستي - سيرة ذاتية» عام 1950 وأنهتها عام 1965، لكنها أضافت لها لاحقاً بعض الفصول، ولم تنشر المذكرات إلا بعد وفاة أجاثا بعام واحد، وكتب علي غلافها تعليق جريدة التايمز «ممتعة وجذابة وسهلة القراءة» المعبر بالفعل عن المذكرات.
بدأت علاقة «أجاثا كريستي» بمصر كما كتبت وهي طفلة صغيرة في منزلها بقرية توركاي المدينة الساحلية في جنوب إنجلترا من خلال قراءة القصص الديني أيام الآحاد، وبشكل خاص قصة سيدنا يوسف وقصة النبي موسي التي تدور أحداثها في مصر ذلك البلد البعيد الغامض، وتقول في إحدي فقرات مذكراتها الشخصية: «تمتعت بفوائد أجازة الكنيسة يوم الأحد كثيراً. في المنزل سابقاً كانت هناك مجموعة من القصص لا يسمح بقراءتها سوي يوم الأحد، وهو أمر متعمد جعلها مثل هدية ممتعة، والكتب كانت تحوي قصصاً من الكتاب المقدس. لا شك أن قصص العهد القديم من وجهة نظر طفلة صغيرة كانت جيدة الصياغة، كان بها التأثير الدرامي المثير لخيال الطفل، كنت أجد هذا في حكايات مثل حكاية يوسف وعلاقته بأخواته، ورداؤه متعدد الألوان، وقصة صعوده إلي قمة السلطة في مصر، والنهاية الدرامية المثيرة لصفحه عن أشقائه الأشرار. أيضاً قصة موسي والغابة المحترقة من قصصي المفضلة، وقصة داود وجولياث». وجاءت الفرصة لأجاثا للذهاب إلي مصر في رحلة مع أمها التي كانت في فترة نقاهة، ورأت في شتاء مصر في عام 1907 مكاناً ملائماً لقضاء عدة أشهر بصحبة ابنتها المراهقة «أجاثا»، وتقول «أجاثا كريستي» في مذكراتها: «بالإضافة إلي أن أمي اختارت القاهرة كمكان دافئ ملائم لنقاهتها، فإنها كما أعتقد رأت أنه مكان ملائم أيضاً بالنسبة لفتاة مثلي للاندماج مع التجمعات العامة، وكان اختيارها موفقاً. كنت فتاة خجولة اجتماعياً، ورأت أنها فرصة لأكون أكثر ألفة مع الاختلاط ببعض الشباب وارتياد المراقص كروتين يومي، مما يمنحني الخبرة القيمة.
القاهرة من وجهة نظري كفتاة صغيرة كانت حلماً بهيجاً. لقد أمضينا ثلاثة أشهر هناك، وكنت أذهب إلي الرقص خمسة مرات كل أسبوع. اتيحت لي فرصة الذهاب إلي المراقص في كل من الفنادق الكبري الواحد تلو الآخر. هناك ثلاثة أو أربعة من الأفواج المتمركزة في القاهرة من الأجانب الذين أتوا إلي القاهرة للنزهة أو ضمن قوات الجيش البريطاني، وهناك استمتعت بلعب البولو كل يوم، وكان العيش والنزهة بتكلفة معقولة تمكن من العيش في فندق جيد. مكان ملائم للغاية لكثير من الناس لقضاء فصل الشتاء هناك، وهناك العديد منهم من الأمهات والبنات. كنت خجولة في هذه السن، وما زلت خجولة علي نحو ما، ولكنني كنت مولعة بحماس للرقص، وكنت أرقص جيداً. كما أنني أعجبت بالشباب وبحماسهم، وسرعان ما وجدت أنهم يبادلوني الإعجاب، إذاً كل شيء علي ما يرام. كنت مجرد فتاة عمرها سبعة عشر عاماً، القاهرة كمدينة لم تعن شيئا بالنسبة لي، الفتيات بين 18 و 21 عاماً نادراً ما يفكرون في أي شيء عدا الشباب الصغير، وبالذات الشباب اليافع الوسيم».
وتتحسر «أجاثا» - التي كانت قد تجاوزت السبعين وقت كتابتها المذكرات - علي أيام الرومانسية التي تعلمتها لأول مرة في القاهرة، فتقول في الفصل نفسه الذي تصف فيه رحلتها الأولي لمصر: «انتهي فن الغزل هذه الأيام، في الأيام الماضية كانت الرومانسية وفن الغزل في أوجه، كانت الرومانسية كما يقول الشعراء «نهر متدفق من العطاء»، وكان الحب مقدمة جيدة للحياة، اندماج العاطفة والرومانسية في هذه السن المبكرة كما أراه في عمري المتقدم الآن جزء مهم من وسائل تعلم شيء من الحياة دون الحاجة إلي دفع ثمن باهظ جداً. بالتأكيد لا أتذكر حالة أي طفل غير شرعي ظهر بين صديقاتي أو أي من أفراد أسرهم. لا، إنني علي خطأ، لم تكن كلها قصص جميلة، تذكرت الآن قصة سيئة عن فتاة ذهبت لقضاء عطلة مع صديق والدها، وكان رجل مسن سيئ السمعة تحرش بها».
و مع ذلك، في القاهرة لم أحصل حتي علي أي قدر ولو طفيف من الحب والرومانسية. كان عليَّ الكثير لأقوم به، وكان هناك الكثير والعديد من الشبان الذين يتمتعون بالجاذبية والأناقة، لكن من حرك قلبي كانوا رجالاً تجاوز عمرهم الأربعين، كانوا يمرحون بالرقص مع طفلة صغيرة مثلي مرة أو مرتين، كان من الممكن في بعض الأحيان تمتد إلي ثلاث.
كان ارتداء فستان جديد في الليلة الأولي بالقاهرة فرحة كبيرة، كان فستان بلون أخضر فاتح مع قليل من زخارف الدانتيلا والحرير الأبيض، كان مصنوعاً علي ذوق الجدات حيث يغطي الصدر تماماً، كان فستاناً رائعاً، ولكن بسبب التخزين سنوات عديدة لم يتمكن من الصمود أمام المناخ المصري، وخلال الرقص تمزقت تنورته وأجزاء من الأكمام والرقبة، وفي اليوم التالي ذهبنا إلي خياط في شرق القاهرة للحصول علي فستان جديد، ولكن اتضح أن صنع فستان في مصر مكلف للغاية، فساتيني التي ابتعتها من لندن كانت أكثر رخصاً بصورة كبيرة.
ومع ذلك حصلت علي فستان جميل، وكان لامع ووردياً اللون، وكان به فرع من الزهور الوردية علي كتف واحد. لقد أردت في الحقيقة فستاناً أسود، جميع الفتيات يرغبن في ارتداء فساتين سوداء في المساء لأنها تجعلهن يظهرن أكثر نضجاً وجمالاً، ولكن جميع الأمهات رفضن السماح لهن بذلك. كنت جميلة الشكل بطبيعة الحال. تضحك عائلتي الآن كلما قلت إنني كنت فتاة جميلة. ابنتي وصديقاتها حالياً يقولون لي انظري إلي صورك البشعة القديمة. أعتقد بالفعل أن بعض الصور الفوتوغرافية في تلك الفترة كانت سيئة بصورة رهيبة، لكن أعتقد أن رأيهم يرجع بصورة كبيرة إلي الملابس القديمة، كنا نرتدي قبعات وحشية الطراز مصنوعة من الخوص مرتبطة بشريط أسفل الذقن، وعليها زهور ضخمة وحجاب شفاف يخفي جزءاً من الوجه، وكثيراً ما كنا نرتدي مثل تلك القبعات في استديوهات التصوير. كانت لي صورة قديمة التقطت في القاهرة مع إحدي هذه القبعات الكبيرة، زرقاء اللون مع زهرة وردية اللون، استدارتها جعلت من ملامح وجهي ملائكية وجذابة، لم تكن قبعة محملة بأشرطة كثيرة، وكانت مع فستان مزخرف.
سرعان ما أصبحت مفتونة بلعبة البولو، كنت أذهب لمشاهدتها بعد ظهر كل يوم. حاولت أمي توسعة ذهني باصطحابي أحياناً إلي المتحف المصري، واقترحت أن نذهب إلي رحلة علي سطح نهر النيل، ومشاهدة آثار الأقصر، لكنني احتججت بحماس شديد، وبكيت بالدموع رافضة أن نذهب بعيداً عن القاهرة في الوقت الحالي، قلت لها إنني لا أستطيع تفويت حفل راقص يوم الاثنين المقبل، ووعدتها بمصاحبتها في نزهة إلي سقارة يوم الثلاثاء، وهلم جرا. آثار العصور القديمة كانت آخر شيء اهتم برؤيته، وأنا سعيدة أنها لم تجذبني في تلك المرحلة العمرية. الأقصر، الكرنك، جمال مصر كانت أمور قد سحرتني بشكل رائع بعد عشرين عاماً. سيكون أمراً مزعجاً لي أن أشاهد هذه الروائع وقتها بعيون غير مهتمة ومقدرة لقيمتها. من أكبر الأخطاء في الحياة مشاهدة أشياء أو الاستماع إلي أشياء في الوقت غير الممناسب. شكسبير أصبح مكروهاً لكثير من الناس بسبب معرفتهم له لأول مرة ضمن المنهج الدراسي. يجب مشاهدة أعمال شكسبير في المكان الذي كتبت من أجله، علي المسرح.
الذهاب إلي مصر كان من أكثر الأمور المفيدة لي. لا أظن أن هناك شيئاً آخر يمكن أن يساعدني اجتماعياً علي التخلص من خجلي بهذه السرعة أكثر من هذه الرحلة. كانت 3 أشهر رائعة بالنسبة لفتاة تعرفت بشكل جيد علي الأقل علي 20 أو 30 شاباً. ذهبت إلي ما يقرب من 50 إلي 60 حفل راقص، كنت صغيرة للغاية وكنت أستمتع بكل ما أفعله بصورة بعيدة عن الوقوع في الحب مع أي شخص، وكنت محظوظة في هذا». تقدم لطلب يدها كابتن بحري يدعي «كابتن هيبرد» رقص معها كثيراً، وقد فوجئت لاحقاً بأمها تخبرها بأن الكابتن طلب يدها للزواج، أخبر الكابتن الآم بأنه يحب أجاثا ويرغب في الزواج بها، لكن الأم رفضت لصغر سن ابنتها ولأنها لا تعتقد أن ابنتها تحبه، وحينما علمت أجاثا من الأم بذلك احتجت بشدة وعارضت قيام الأم نيابة عنها باتخاذ مثل هذا القرار الشخصي، علي الرغم من اقرارها للأم بأنها لم تحب الكابتن أبداً، ولا ترغب في الزواج به، وكان اعتراض أجاثا بمقاييس ذلك الزمن مدهشاً بالنسبة للأم، وكما جاء عرض الزواج الأول لأجاثا في القاهرة جاءت فرصة ثانية كادت تتحول إلي قصة حب من خلال شاب من بين أصدقائها المقربين الذين تعرفت عليهم في القاهرة، لم يذهب هذا الشاب إلي الأم كما فعل الكابتن، ولكنه سعي لمرافقة أجاثا أثناء رحلة عودتها إلي بلادها في المركب التي قامت من ميناء الإسكندرية متجهة إلي أوروبا، ورغم استمرار العلاقة بينهما لفترة من خلال تبادل الرسائل، فإن أجاثا لم تشعر بارتباط عاطفي نحوه».
أثر هذه الزيارة الأولي إلي القاهرة كان كبيراً علي أجاثا حتي أن أول رواية كتبتها في حياتها كانت بعنوان «ثلوج في الصحراء» دارت أحداثها في القاهرة، وهي رواية رومانسية استلهمتها أجاثا من شخصية فتاة إنجليزية كانت تشاهدها كثيراً في النوادي والأماكن العامة. كانت الفتاة تظهر دائماً بصحبة شابين، والبعض يتهامس ضاحكاً ويقول «عليها في لحظة معينة أن تختار بينهما»، اختارت أجاثا حبكتين للقصة واحتارت علي الاستقرار علي واحدة منهما، وقررت في النهاية المزج بينهما، كانت بارعة في الحوار ولكن السرد نفسه كان معقداً ومتشابكا وبه كثير من الثغرات، ولهذا لم تنجح أبداً في نشرها ولم تحاول ذلك بعد أن كتبت روايتها الأولي وأصبحت من أشهر كاتبات الرواية البوليسية في إنجلترا والعالم.
لاحقاً بعد عدة سنوات من بداية احترافها كتابة الرواية البوليسية تعرفت علي «ستيفن جلانفيل» عالم المصريات الشهير - الذي كان أحد أصدقاء زوجها وأحد جيران أجاثا في لندن، وجاءها ذات يوم متحمساً للغاية ومعه فكرة وصفها بأنها رائعة، وهي فكرة رواية بوليسية تدور أحداثها في مصر القديمة، لكن أجاثا ترفض لأنها لا تثق في أنه تستطيع كتابتها، ولكنه يشجعها بشدة قائلاً إن كتابة قصة بوليسية مكانها مصر القديمة في بساطة كتابة قصة بوليسية تدور أحداثها في إنجلترا في عام 1943، وأدركت أجاثا مقصده، الناس وسلوكياتهم لا تتغير مهما اختلف الزمن أو البلد الذي يعيشون به. لكن تردد أجاثا ازداد وقالت لستيفن إنها لا تستطيع أن تكتب مثل هذه الرواية لأن معلوماتها محدودة عن حياة قدماء المصريين، ولكن ستيفن كان رجلاً مقنعاً للغاية كما كانت أمها حينما شجعتها علي كتابة أولي قصصها، ومع نهاية المحادثة في المساء كان قد أقنعها أنها تستطيع، وذكرها بأنها قرأت الكثير من كتب التاريخ المصري قبل أن تكتب مسرحيتها «إخناتون»، وكان لدي أجاثا قلق شديد حول اختيار جريمة القتل التي ستحدث في مصر القديمة، وقالت لستيفن: «عليك أن تعطيني بعض الأفكار»، وأشار ستيفن إلي حادث أو اثنين تم ذكرهما في بعض كتب التاريخ المصري القديم، وأخذت من ستيفن مجموعة من الكتب للقراءة، وتقول في مذكراتها: «في النهاية اخترت ثلاثة حوادث مثيرة محتملة للقصة، لا توجد من بينهم حوادث معروفة أو شخصيات شهيرة، لأني أعتقد أن الروايات التي تدور في أزمنة تاريخية تبدو علي الأغلب مزيفة. علي أي حال لا يعرف المرء أي شيء مؤكداً عن تفاصيل حياة الملك بيبي أو الملكة حتشبسوت، إذا ادعيت ذلك فهذا نوع من المبالغة، لكن يمكن وضع بعض الشخصيات من الخيال في هذا الزمن، ويمكنني التعمق بشكل كاف في الطبيعة المحلية لهذا العصر، وإضافة الإحساس بالعصر. أحد اختياراتي كان حادثة تدور في الأسرة الرابعة، الثانية كانت في مرحلة زمنية متأخرة عن هذا الزمن، لكن الحادثة الثالثة التي كانت في مرحلة متأخرة أيضاً في عهد رمسيس هي التي اخترتها في النهاية. كانت مقتبسة من رسائل متبادلة بين الكاهن المصري القديم «كا» من الأسرة الحادية عشرة. ترسم هذه الرسائل بشكل بديع يقترب من الكمال صورة الحياة العائلية: الأب الصلب العنيد، وانزعاجه الدائم من عدم طاعة أبنائه، أحد الأبناء لا يتمتع بشخصية، والآخر حاد الطباع وعصبي ميال للاستعراض.
كانت رسائل الأب إلي أبنائه الاثنين حول كيف يجب عليهما أن يهتما برعاية امرأة معينة متوسطة العمر، من الواضح أنها واحدة من القريبات الفقيرات التي كانت تعيش في رعاية منزل الأسرة الكبير، ويعاملهم الكبار بود وامتنان بينما عادة يعاملهم أبناء الأسرة من الشباب الصغير بقسوة وصلف. أرسي الرجل الكبير قواعد التعامل في المنزل بشأن الطعام كالزيت والشعير، وهذه القواعد تتعلق برفض قيام أي شخص بغش هذه الأغذية، وفيما يبدو أنهما اتهما القريبة الفقيرة بالغش. تفاصيل الأسرة نمت في ذهني أكثر وأكثر، وأضفت إليها ابنة، وبعض التفاصيل حول وصول زوجة جديدة للأب، وأضفت ايضاً شخصية صبي مدلل وجدة جشعة وشرسة الطباع. تحمست لبدء العمل فوراً خاصة أنني لم أكتب منذ فترة ولم أكن مشغولة بأي شيء آخر. رواية «عشرة زنوج صغار» كانت تعرض علي مسرح سان جيمس حتي تم قصف المسرح أثناء الحرب، وانتقل العرض إلي كمبريدج لعدة أشهر مقبلة، لم يكن هناك ما أفعله لذا كان الوقت ملائماً لكتابة الرواية البوليسية المصرية.
ذهبت أجاثا كريستي مرة ثانية إلي مصر بعد زواجها من «ماكس مالوان» زوجها الثاني، وكانت ساعتها تجاوزت الأربعين بعام واحد، وذهبا معا مرة ثانية في عام 1933 بعد أن أصبحت مولعة بالآثار ومهتمة بالحضارة المصرية القديمة. كانت القاهرة قبل الحرب العالمية الثانية من أهم الأماكن الشهيرة التي يقضي فيها الأوربيون فصل الشتاء، وكان شتاء القاهرة في هذا الزمن مناسبة للاختلاط الاجتماعي بين الأجانب الذين يستمتعون بأجواء مصر وأماكنها الأثرية بالإضافة إلي الحفلات الراقصة في الفنادق والنوادي الاجتماعية. استمتعت أجاثا لاحقاً بزيارة مصر وركوب السفن السياحية التي تسير في النيل من القاهرة إلي أسوان حيث تمر تلك السفن علي عدد من المعابد والمقابر في الأقصر ووداي الملوك، كما تابعت الأعمال المستمرة لاستكمال اكتشافات «هوارد كارتر» في منطقة قبر توت عنخ أمون الذي استمر لسنوات بعد الاكتشاف الأول عام 1922. أصبحت مصر وأجواؤها ونيلها وآثارها أحد الأماكن الملهمة لأجاثا كريستي الكاتبة الشهيرة التي تعودت في مناسبات مختلفة علي زيارة مصر كمكان للعمل والكتابة وزيارة أماكنها المختلفة. كانت جاذبية الأماكن الأثرية بسحرها التاريخي الملهم وأجواؤها الأسطورية تساعد «أجاثا كريستي» علي صنع الأجواء الدرامية المشوقة والمثيرة في رواياتها المختلفة كما كانت لمصر ذلك التأثير الكبير في شخصيتها وهي مراهقة صغيرة تتفتح مسام وجدانها للحب والحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.