صراعات ونزاعات.. حروب أهلية وفتن طائفية تشتعل فجأة.. تنظيمات جديدة وتحالفات غامضة.. إرهاب استشري في جسد العالم وخاصة دول الشرق الأوسط.. اغتيالات وتحركات دولية معقدة، كلها أحداث تؤكد أننا أمام صراع استخباراتي غربي يستهدف تنفيذ مُخطط تفكيك دول بعينها لضمان السيطرة علي مصادر الطاقة، ومنابع النفط ونهب ثروات تلك البلاد. التطورات سريعة بين تنصت علي رؤساء وتجسس علي دول رغم الشراكة والتحالفات؛ ولكن عندما تختلف المصالح، يصبح صديق اليوم عدو الغد، وهذا هو الحال عندما قررت الولاياتالمتحدة التجسس علي حلفائها في القارة العجوز، ومعهم اليابان. المنافسة علي دول الشرق الأوسط اشتدت بين دول الغرب حتي تجسست كل منها علي الأخري واشنطن تراقب منذ سنوات طويلة المكالمات الهاتفية بين المسئولين في طوكيو عقود من القلق تعيشها دول المنطقة الراقدة علي جمر اللهب، وهي تواجه أطماع القوي الغربية، ومشروعها الأكبر والأشرس منذ بداية القرن العشرين، حالة من الترقب تسود هذه البلدان خوفاً من انقضاض المتربصين بهم، ووقوعهم فريسة في يد الاحتلال، فالولاياتالمتحدة، وحلفاؤها وحتي أعداؤها يضعون الشرق الأوسط، والقارة السمراء نصب أعينهم؛ فهي ساحة لصراعهم من خلال أجهزة استخباراتهم؛ فالمنافسة علي المنطقة اشتدت بينهم واستشرت، حتي تجسس كل منهم علي الآخر لتأمين مصالحه واستحواذه علي نصيب الأسد من خيرات المنطقة، وكان آخرها تجسس الولاياتالمتحدة علي اليابان، حسبما أفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. ولا يزال التنافس يحتدم بين أجهزة الاستخبارات الغربية، ولكن المسيطر الأكبر منذ عقود طويلة هي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية " CIA فهي تتجسس علي العالم برمته اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وتشمل لعبة "الشيطان الأكبر" الكثير من المؤامرات والخطط، فهناك عملاء مجندون لصالحها، وصراعات وظيفية بين المسئولين داخل سفاراتها في العديد من الدول من أجل إتمام مصالح أمريكا العليا، ووفقاً للصحيفة الأمريكية، فإن واشنطن اعترضت لسنوات طويلة المكالمات الهاتفية بين المسئولين اليابانيين في قضايا خطيرة تتعلق بصفقات تجارية وسياسية. ويأتي الإفراج عن هذه الوثائق بينما يواجه رئيس الوزراء الياباني، "شينزو آبي" احتجاجات أثرت علي محاولاته لتخفيف القيود المفروضة علي الجيش الياباني، والسماح له بأن يلعب دوراً أكثر نشاطاً في تحالفه مع الولاياتالمتحدة، الدولة التي باتت تتجسس علي شعبه. وتنقل "واشنطن بوست"، عن ويكيليكس، أن وكالة الأمن القومي الأمريكية استهدفت 35 هدفاً في طوكيو منذ عام 2006 أي عندما بدأ آبي فترته الأولي كرئيس للوزراء، وتضمنت الأهداف لوحة مفاتيح لمكتب مجلس الوزراء الياباني، وأماكن العمل الرسمي لرئيس الوزراء، وخط هاتف السكرتير التنفيذي لكبير أمناء مجلس الوزراء، وتم اعتراض هواتف مسؤولين من البنك المركزي الياباني، ووزارتي المالية والتجارة. وتعرضت أقسام الغاز الطبيعي والبترول في شركات "ميتسوبيشي" و"ميتسوي" للأمر نفسه، فيما صنفت أربعة من التقارير التي نشرتها ويكيليكس علي أنها سرية للغاية، في حين تم تصنيف أحد التقارير علي أنه مشترك بين الولاياتالمتحدة وشركاء لها في المخابرات هي أستراليا وكندا وبريطانيا ونيوزيلندا، المعروفة بمجموعة "الخمسة عيون". وتكشف الوثائق المسربة تفاصيل المناقشات الداخلية لليابان حول قضايا مثل واردات المنتجات الزراعية والخلافات التجارية والمواقف اليابانية من دورة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية ومشاريع التطوير التقني في البلاد وسياستها في مجال تبدل المناخ والطاقة النووية، إضافة إلي العداء بين واشنطنوطوكيو بشأن الكرز، وهو العنصر التجاري الذي من المحتمل أن يكون الأكثر إثارة للجدل، حيث إن اليابان يمتلك لوبي (مجموعة ضغط) زراعية راسخة، وقد كانت المنتجات الزراعية واحدة من الأجزاء الأكثر صعوبة في مفاوضاتTPPبين الولاياتالمتحدةواليابان، وهما إلي حد بعيد أكبر اقتصادين في الاتفاقية التي تشمل 12 دولة. وجمعت واشنطن أيضاً معلومات من مراسلات لطوكيو مع منظمات دولية مثل وكالة الطاقة الدولية ومذكرات تتعلق باستراتيجية هذا البلد في علاقاته مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومضمون خطاب سري لرئيس الوزراء في مقر الإقامة الرسمي له، ويأتي الكشف عن هذه المعلومات في فترة حرجة واحتجاجات تجتاح البلاد من قبل المعارضة اليابانية، علي أثر محاولات رئيس الوزراء الياباني تمرير القوانين الدفاعية، التي تجعل من الممكن إرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلي الخارج لمساعدة دولة حليفة ولا سيما الولاياتالمتحدة. كانت ويكيليكس قد كشفت في وقت سابق عن أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد اعترضت المكالمات الهاتفية لقادة دول صديقة، وهو ما أدي إلي سخط تلك الدول وتوبيخها لهذه التصرفات الأمريكية، فرغم كونهم حلفاء، فإن كلاً من واشنطن وبرلين تجسست علي الأخري، حتي طال التنصت هاتف المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" نفسها، ووزير الخارجية "فرانك فالتر شتاينماير". وذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية، أن الجاسوس الذي تم الكشف عنه داخل وكالة الاستخبارات الألمانية، سرق قائمة تضم أسماء حقيقية ومستعارة ل3500 عميل تابعين للوكالة الألمانية ومناطق مهام الجيش الألماني في الكثير من الدول مثل مالي ولبنان والسودان وأفغانستان، وقام تقديمها لواشنطن مقابل المال، كما نقل 218 وثيقة سرية للاستخبارات الأمريكية. وتستخدم المخابرات الألمانية وسائل فريدة وممنوعة في الحصول علي المعلومات الأمنية، مثل المراقبة الإلكترونية، والتنصت علي الاتصالات الدولية، وتقوم بجمع وتحليل المعلومات الأمنية في شتي المجالات مثل الإرهاب الدولي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والنقل غير القانوني للتكنولوجيا، والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، وغسيل الأموال، والهجرة غير الشرعية، وحرب المعلومات. من ناحية أخري، تعرض ثلاثة رؤساء فرنسيين (جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند) للتنصت من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، وهذا ما سربته وثائق ويكيليكس ونشرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية وموقع "يورو نيوز" الإخباري، ما يهدد بتعكير العلاقات الأمريكية الأوروبية. ويشير أحد التقارير عن اتصالات هاتفية، للرئيس نيكولا ساركوزي عام 2008 في ذروة أزمة الرهن العقاري وينتقد فيها ساركوزي أخطاء الحكومة الأمريكية في مواجهة الأزمة الاقتصادية، كما يشير التقرير إلي محاولة ساركوزي عام 2011 إحياء محادثات السلام في الشرق الأوسط دون إخطار الولاياتالمتحدة، حيث كان يخطط إدخال اللجنة الرباعية حول قضايا المنطقة من دون علم الأمريكان. كما أنه استشار في نفس الوقت الرئيس الروسي "ديمتري ميدفديف" آنذاك. كما كان الرئيس الفرنسي الحالي "فرنسوا هولاند" عرضة للتجسس منذ أن أصبح رئيساً لفرنسا، فقد كان أحد التسريبات تتحدث عن المكالمات والاجتماعات السرية له في باريس عام 2012 حيث كان يناقش فيها أزمة منطقة اليورو وانعكاسات ترك اليونان لها. فيما يعترف رجال الاستخبارات المركزية باختراقهم لبعض التنظيمات، مثل القاعدة وإنشائها لتنظيمات أخري مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" من أجل تنفيذ عمليات تشعل صراعاً بين الغرب والعالم الإسلامي، وفقاً لكتاب "مبادلة الأسرار" لمؤلفه "مارك هوبند، مراسل صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، الذي حصل علي معلومات من ضباط في المخابرات خلال سفرياته من روما إلي كابل ومن الخرطوم إلي جوانتنامو، حول نجاح الجواسيس في إقامة قنوات سرية مع منظمات إرهابية.