لم تكن الثورات المصرية الثلاث الأبرز في تاريخ مصر الحديث (23 يوليو 1952 و25 يناير 2011 و30 يونيو 2013) سوي انحياز واضح للشعب المصري ضد قوي الظلم والاستبداد والفساد، وعلق المصريون آمالاً عريضة علي هذه الثورات لأجل التغيير إلي واقع أفضل وصياغة مستقبل أكثر تفاؤلاً يحقق مكتسبات حقيقية دعت إليها جموع المصريين وأولهم من سالت دماؤهم في سبيل تحقيق رخاء الوطن علي الأصعدة كافة سياسية واجتماعية واقتصادية.. إلخ، وكل هذا يؤكد أن "يناير" جاءت لاستكمال أهداف "يوليو"، بينما اندلعت "يونيو" لأجل الأهداف ذاتها حين فشل الحكم الإخواني في إنجازها. ثورة 23 يوليو 1952 تعتبر أسباب قيام ثورة 23 يوليو هي نفس أسباب اندلاع ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو، حيث إن الثورات الثلاث كانت ضد الظلم، فالأولي كانت ضد الحكم الملكي والاستعمار الظالم، أما الثانية فكانت ضد رئيس وحزب ظالم، والثالثة ضد جماعة ظالمة أرادت احتلال البلاد تحت راية الدين وهي جماعة "الإخوان" المدرجة إرهابية حالياً. وتنظيم الضباط الأحرار هو المسئول الأول عن تنظيم ثورة يوليو وكان قائدها هو اللواء محمد نجيب الذي أطلق شرارة الثورة والتي جاء بيانها الأول بصوت أنور السادات، وأجبر الملك فاروق علي التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952. أما بيان ثورة يوليو فجاء فيه: اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير علي الجيش، وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين. وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة علي الجيش وتولي أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتي تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلي ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولي أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم، ولابد أن مصر كلها ستتلقي هذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين، فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب. وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح المواطن في ظل الدستور مجردا من أي غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقي فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس. ثورة 25 يناير 2011 ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لثورة 25 يناير 2011 التي اندلعت بالتزامن مع ما سُمي في المنطقة ب"ثورات الربيع العربي" حيث انطلقت يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 واختير يوم 25 يناير ليوافق عيد الشرطة، وحددت هذا اليوم جهات معارضة ومستقلون، أبرزهم حركة "6 أبريل" وحركة "كفاية" ومجموعات شبابية أيدت الفكرة عبر موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" أشهرها علي الإطلاق جروب "كلنا خالد سعيد"، وجاءت الدعوة للنزول إلي الشارع احتجاجاً علي الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة وكذلك ضد ما اعتبر فساداً في ظل حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي أجبرته الثورة الشعبية علي التخلي عن الحكم في 11 فبراير من نفس العام، أي بعد 18 يوماً من اندلاع الثورة. وبعد تنحي مبارك تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد وأصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة خمسة بيانات منذ يوم 10 فبراير 2011 وحتي 14 فبراير 2011. بيان 10 فبراير 2011 قرر فيه المجلس الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ علي الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم". فيما أصدر المجلس بيانه الثاني في 11 فبراير قبل تنحي مبارك، وتقرر فيه تنفيذ عدة إجراءات منها إنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية، والفصل في الطعون الانتخابية وما يلي بشأنها من إجراءات، وإجراء التعديلات التشريعية اللازمة وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية. ثانيا أن تلتزم القوات المسلحة برعاية مطالب الشعب المشروعة، وعدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح. في حين صدر البيان الثالث في 11 فبراير بعد إعلان تنحي مبارك، أكد فيه المجلس الأعلي للقوات المسلحة تطلعه للوصول إلي تحقيق آمال الشعب، وشدد علي أنه ليس بديلاً عن الشرعية التي يرتضيها الشعب. أما البيان الرابع للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي صدر في 12 فبراير فقد أكد فيه المجلس التزامه بكل ما ورد في البيانات السابقة، ودعا كل جهات الدولة الحكومية والقطاع الخاص القيام برسالتهم السامية والوطنية لدفع عملية الاقتصاد إلي الأمام وأن يتحمل الشعب مسئوليته في هذا الشأن، وقيام الحكومة الحالية (وقتذاك) والمحافظين بتسيير الأعمال حتي تشكيل حكومة جديدة، والتطلع إلي الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديمقراطي الحر، الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء الدولة الديمقراطية الحرة. وصدر البيان الخامس في 14 فبراير دعا فيه المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد صدور إعلان دستوري إلي تكاتف كافة فئات وقطاعات الشعب لمؤازرة هذا التحرك الإيجابي ودعم جهود المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتحقيق كافة طموحات وتطلعات المواطنين، منوهاً إلي الآثار السلبية للوقفات الاحتجاجية علي مصالح المواطنين واقتصاد الدولة. وذكر البيان: "نأمل من الجميع تهيئة المناخ المناسب لإدارة شئون البلاد في هذه الفترة الحرجة إلي أن يتم تسليمها إلي السلطة المدنية الشرعية والمنتخبة من الشعب". ثورة 30 يونيو 2013 بعد عام واحد فقط من تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي حكم البلاد، اندلعت ثورة جديدة في 30 يونيو 2013 اعتُبرت علي نطاق واسع ثورة تصحيح مُكملة لثورة 25 يناير، كون الأخيرة لم تلب طموحات الشعب ولم تحقق شعار "عيش حرية عدالة اجتماعية"، فقد اكتشف الشعب حقيقة جماعة الإخوان الإرهابية، ومحاولاتهم لأخونة الدولة، وضلوعهم في مؤامرات ضد الشعب وضد المصالح العليا للبلاد. وبعد نزول تظاهرات مليونية شكلت ملامح الثورة الجديدة ضد حكم "المرشد الإخواني" ومندوبه في قصر الرئاسة محمد مرسي، أعلن وزير الدفاع وقتذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسي في يوم 3 يوليو 2013 عزل مرسي، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا وقتها، المستشار عدلي منصور، لتطوي صفحة سوداء في تاريخ مصر علي يد عصابات التأسلم السياسي. استكمال المسيرة ومما يؤكد أن ثورة يناير كانت استكمالاً بالأساس لثورة 23 يوليو، هو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمة له ألقاها بمناسبة الاحتفال بذكري يوليو العام الماضي، حيث قال إن العدالة الاجتماعية كانت هدفاً كبيراً من أهداف ثورة 23 يوليو، وأكد أن السنوات الماضية شهدت تحقيق جزء كبير من العدالة الاجتماعية، وفي 25 يناير شهدت مصر تحركات مرة أخري تستهدف تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وهو ما يستكمل بشكل أو بآخر أهداف ثورة يوليو. ولا يعدو هذا التصور بعيداً عن ثورة 30 يونيو 2013 وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي، خلال الكلمة ذاتها، حين قال إن المصريين وضعوا أهدافاً في ثورة 25 يناير، وكانت نتائج الثورة غير مرضية، لذلك تحرك الشعب مرة أخري في 30 يونيو.