يناير 2017 سيغادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه حاملاً في جعبته فشلاً يجسد كل معاني الألم، إذ كان انتخابه كأول رئيس أسود في تاريخ البلاد حدثا يؤشر علي أن أمريكا تجاوزت ضغائن العنصرية، ولكن أحداث العام المنصرم أثبتت أن أوباما عجز عن إحداث أي تغيير علي صعيد التسامح والتعايش وتقبل الآخر. وكان آخر تلك الأحداث قيام شاب أبيض، يُدعي ديلمان روف البالغ من العمر 21 عاما، بفتح النار داخل إحدي كنائس مدينة شارلستون، مما أوقع 9 قتلي ومعروف عن تلك الكنيسة أن كل من يترددون عليها أمريكيون من أصول أفريقية، وتقع شارلستون بولاية كارولينا الجنوبية. وألقي أوباما كلمة بعد الحادث بساعات قليلة بدا خلالها الرئيس الأسمر حزينا منهكا وعلي وجهه علامات انكسار ممزوج بالغضب. طبقا لمحطةCNN فإنه في أثناء اعتقال ديلمان روف كان بحوزته سلاح نصف آلي ولم يُبد أي مقاومة تجاه السلطات، حيث كان يقود سيارته علي أحد الطرق السريعة بولاية كارولينا الشمالية علي بعد 400 كم من موقع المجزرة، وأجاب الشاب بهدوء علي أسئلة المحققين مبررا جريمته بأنه مقتنع تمام الاقتناع ب"سمو العرق الأبيض وتفوقه وأحقيته في فعل أي شيء"، وبأنه أراد بجريمته أن يُطلق "حربا عرقية"،وتُظهر صفحة روف علي فيس بوك استخدامه لصورة شخصية يرتدي فيها معطفا يحمل علمي جنوب أفريقيا وزيمبابوي (حينما كان اسمها روديسا) إبان نظام الفصل العنصري في البلدين وهو النظام الذي يعشقه الأنجلو ساكسون المتعصبون للعرق الأبيض والكارهين لأصحاب البشرة السمراء. وطبقا لرواية الشرطة عن تفاصيل الحادث فإن ديلمان روف جلس في الكنيسة لمدة ساعة كاملة قبل أن يفتح النار علي ضحاياه، 6 نساء و3 رجال، وطبقا لشهادة أحد الناجين فإن القاتل قام بإعادة شحن بندقيته نصف الآلية 5 مرات ولم تجد معه صرخات توسل القتلي، وتعمد روف ألا يقتل ذلك الشاهد لكي يروي ما حدث للآخرين ويؤكد أن روف أخبره " لن أقتلك سأتركك حيا لتروي ما شاهدته"، وطبقا للشاهد فإنهم كانوا مجموعة من 10 أفراد يتدارسون الكتاب المقدس فيما بينهم واتجه القاتل نحوهم فرحبوا به علي اعتبار أنه جلس ليستمع ثم فجأة تحول سلوكه للعدوانية صارخا فيهم :" أنتم جئتم إلي هنا لتغصبوا نساءنا وللاستيلاء علي بلادنا.. يجب أن ترحلوا من هنا". حادثة شارلستون لا يمكن النظر إليها كواقعة منعزلة، إذ إنها تأتي بعد عدة حوادث، علي مدار عام مضي، في ولايات ميسوري وميريلاند ونيويورك، قُتل خلالها شباب أسود علي يد رجال شرطة بيض. وجه أمريكا تلك الوقائع، فضلاً عن أنها أظهرت وجه أمريكا المريضة بعنصرية مقيتة، وشرخاً اجتماعياً أعاد أشباحاً من الماضي كان البعض ظن أنها اختفت إلي غير رجعة، فإنها أعادت للأذهان مشاهد أخري شبيهة في مدينة «سانفورد» بولاية «فلوريدا» ففي الثالث والعشرين من أغسطس 2013 حصل ضابط الشرطة «جورج زيمرمان» علي البراءة في قضية قتل شاب أسمر يدعي «ترايفون مارتن» رغم أن أدلة كثيرة كانت تشير لاستخدام الشرطي لعنف مفرط، وإمعاناً في التعالي، والتحقير من شأن الأفرو-أمريكيين، قام رجل أعمال أنجلو-ساكسوني متعصب بإقامة حفل تكريم للضابط القاتل ومنحه 100 ألف دولار كمكافأة له علي «شجاعته» علماً بأن شهر أغسطس 2014 الذي شهد مقتل الصبي الأسمر مايكل براون، شهد 4 حوادث في ولايات متفرقة، قضي خلالها 4 شباب أفرو-أمريكيين مصرعهم بطلقات مباشرة من رجال الشرطة، والشباب الأربعة هم (كاجيم باولبو) إيزيل فوردب وكلاهما في الخامسة والعشرين من العمر، واجون كراوفورد (22 عاماً)، و(إيريك جارنر) (43 عاماً) ، وهو مارسخ الاعتقاد لدي الأفرو-أمريكيين بأنهم الهدف الأول والأوحد لعنف رجال الشرطة غير القانوني وعمليات التوقيف التعسفية، وهو ما دفع صحف ووكالات أنباء عالمية تصف ما يحدث في الولاياتالمتحدة بأن "نار العنصرية تحرق تمثال الحرية الشهير". وكان أوباما تحدث عن الشاب ترايفون مارتن تحديدا في إحدي خطبه بالبيت الأبيض العام الماضي، حيث قال ناعياً إياه «لو كان لي ولد لكان يشبه ترايفون ولكان في مثل سنه.. وكان من الممكن أنا أكون أنا مكانه، ثم أشار إلي ما يتعرض له الأمريكيون من أصول أفريقية بحديثه عما كان يجري معه هو شخصياً في شبابه، حيث أوضح أن كونك من أصحاب البشرة السمراء يجعل أنظار رجال الشرطة تتجه لك وحدك حينما تدخل أحد المحلات.. ويجعل أي سيدة تفضل الصعود للدور العاشر علي قدميها بدلاً من تركب معك في مصعد واحد.