السيسي وبوتين يبحثان التعاون الثنائي والملفات الدولية والإقليمية الساخنة زياره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرسمية إلي مصر، التي استقبله خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، تتواكب مع رغبة كل من القاهرةوموسكو في فتح آفاق جديدة نحو التعاون الثنائي بينهما، فضلاً عن رغبتهما في التشاور وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعلي رأسها الوضع في سوريا وليبيا، وتطورات القضية الفلسطينية، ومستقبل السلام في الشرق الأوسط، والأوضاع في العراق إضافة إلي قضية مكافحة الإرهاب ذات الأولوية علي جدول مباحثات القمة بين الرئيسين السيسي وبوتين. الرئيس لوكالة "إيتار تاس" الروسية: بوتين قائد بارز ونتمني تحقيق المزيد من التعاون مع موسكو تعد الزيارة هي الأولي لبوتين منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيساً لمصر، كما تعد الأولي لبوتين منذ عشر سنوات، وتأتي للرد علي الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السيسي إلي روسيا في أغسطس الماضي، ومن ثم فإن القمة كانت مناسبة هامة لوضع الخطوط العريضة لاتفاقيات كان قد تم إبرامها خلال قمة أغسطس الماضي التي تتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الجمركي الذي أنشأته روسيا، ويضم كلا من بيلاروسيا، وكازاخستان، ومن المتوقع قيام هذه المنطقة بالقرب من موقع قناة السويس الجديدة التي ينتهي العمل من إنشائها أغسطس 2015. وقبيل الزيارة أجري الرئيس السيسي حواراً مع وكالة "إيتارتاس" الروسية، أكد خلاله أن السمة المميزة للعلاقات المصرية الروسية أنها ظلت لفترة طويلة مستقرة، مشيراً إلي أن التركيز خلال هذه المرحلة سيكون علي إيجاد دفعة لمزيد من التعاون بين مصر وروسيا وتنمية هذه العلاقات، لافتاً إلي أن زيارة الرئيس بوتين للقاهرة تؤكد هذه النية من جانب موسكو لتنمية العلاقات. أضاف السيسي، خلال حواره المطول مع وكالة "إيتارتاس" الروسية للأنباء، أن بوتين قائد بارز، وقال: "يتميز حوارنا بالموضوعية والمنطق، كان لدينا تفاهم حول مختلف القضايا الإقليمية، ولاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، ونحن نتفق علي التعاون الثنائي بين البلدين"، ولفت إلي أن مصر، بشكل عام، تسعي للتفاعل مع العالم، مضيفاً: "يجب علينا بذل كل جهد ممكن لتحقيق أهدافنا وتنفيذ أحلامنا، والأهم من ذلك، أن الرئيس بوتين أسهم في تحقيق تطلعات الشعب المصري وبقوة هو قادر علي تحقيق التقدم في هذا الاتجاه". وحول رأيه في الرئيس الروسي قال السيسي، إن فلاديمير بوتين رئيس جيد جدا قام بفعل الكثير لروسيا لمدة 15 عاما من رئاسته، وكان لديه العديد من التحديات التي واجهها، ولكنه رجل قوي، وأوضح أن مصر بها العديد من فرص الاستثمار، لافتاً إلي أن تطور العلاقات المصرية الروسية لن يقتصر فقط علي المجال العسكري، ولكن أيضا في مجالات أخري، علي وجه الخصوص جذب الاستثمار في منطقة بناء قناة السويس الجديدة، والمناطق اللوجستية الصناعية وبناء المدن، وتنفيذ مشاريع الطاقة علي أرض الواقع، لافتًا إلي أن روسيا في وقت ما ساعدت مصر علي بناء مصانع الغزل والنسيج ومصنع الحديد والصلب، ويوجد بها الخبرات التي يمكنها بناء المزيد من التعاون الضروري، وفي الواقع، يوجد لدينا العديد من المجالات التي يمكننا التعاون فيها. وأشار السيسي، إلي إقامة منطقة للتجارة الحرة مع روسيا، وقال: إن مصر نظرا لموقعها الجغرافي والقوي العاملة لديها الكثير من الفرص، يمكن أن تصبح أساسا للانتعاش الاقتصادي والتبادلات التجارية، ليس فقط مع دول أفريقيا، والخليج العربي، ولكن أيضا مع الدول الأوروبية الدول المتقدمة التي تفتح فرصا كبيرة لإطلاق المناطق الصناعية في مصر، والقيام بذلك بنجاح والذي من شأنه فتح سوق ضخمة لمنتجات هذه الدول، وأكد أنه قبل إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة والذي يتم إنشاؤه الآن، كانت السفن تنتظر لمدة تتجاوز أكثر من 11 ساعة لكي تمر، ولكن هذا المشروع سيقوم بتنظيم الحركة في كلا الاتجاهين في نفس الوقت دون ضياع الوقت للسفن أو توقفها، ومن ثم سيساعد هذا المشروع علي الزيادة الكبيرة ليس فقط في عملية تسهيل حركة مرور السفن ككل، لكن سيسمح هذا باستيعاب السفن من أي نوع وأي حمولة في وقت واحد، وهذا كله في المستقبل، كما سيساعد المنطقة الصناعية الروسية علي تنمية المنطقة في شرق القناة، وزيادة جاذبية الاستثمار في المنطقة. ورداً علي سؤال حول دور مصر في حل مشاكل الشرق الأوسط وبؤر التوتر في ليبيا وسورياوالعراق، قال السيسي، إن هذه المشاكل معقدة للغاية، ويتطلب حلها جهودا وتفهما من جميع الأطراف، مؤكدًا أن لهذه المشاكل تأثيرا سلبيا علي الشرق الأوسط بأكمله، وعدم الاستقرار في منطقتنا يؤثر حتما علي الاستقرار في العالم، لأن كل هذا يساهم أيضا في رفع خطر الإرهاب في المنطقة، والذي يحمل معه التدمير والخراب، ليس فقط في منطقتنا، ولكن أيضا في جميع أنحاء العالم. وأشار السيسي إلي أن الشعب المصري شعب عظيم، وقال: "وإذا نظرنا إلي ماضيه، يمكننا أن نري أنه أنشأ الحضارة وصنع التاريخ.. الشعب المصري، خائف علي ماضيه وقلق بشأن المستقبل، وقرر أن يأخذ خطوات مهمة في تاريخه وهي دعمي كرئيس لمصر، وأرجو أن أكون عند حسن ظنهم وأن ألبي احتياجاتهم وآمالهم، ولكن لا أستطيع أن أفعل ذلك وحدي يجب علي المصريين أن يكونوا معي، لأنها بلدنا". ورداً علي سؤال حول ترشحه للانتخابات الرئاسية، أجاب: "كنت خائفا علي بلدي، فنحن نواجه التحديات والمخاطر، قررت عدم الترشح، ولكن تمت دعوتي ووكلت لي مهمة، ولدي أمل أن أكون قادرا علي أداء هذه المهمة بنجاح لصالح هذه الأمة العظيمة"، وشدد علي أنه بدأ بالفعل في اتخاذ الإجراءات للعمل علي ضمان الاستقرار والأمن للمصريين، وذلك في ظل الوضع الأمني الراهن وتهديدات المتطرفين، وقال: "إن المصريين يريدون أن يشعروا أن هناك أملا بأن يكون هناك مستقبل أفضل من الماضي، ونحن نعمل علي هذا، ويمكننا ملاحظة ذلك في تلك المشاريع الوطنية التي تنطلق، نحن نحاول خلق فرص عمل جديدة، وكذلك الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات، وإذا استطعنا توفير الأمن والاستقرار علي المستوي الصحيح، وتحقيق معدلات نمو اقتصادية جيدة، فإن ذلك يعني أننا نسير إلي الأمام". وأوضح الرئيس، أن الحكومة المصرية حققت مرحلتين من الثلاث مراحل ل"خارطة الطريق"، حيث تمت الموافقة علي الدستور المصري الجديد خلال استفتاء بعد ذلك تم عقد الانتخابات الرئاسية بنجاح، ونحن الآن نتجه إلي الانتخابات البرلمانية، ومع نهاية المرحلة الثالثة من عملية إنشاء المؤسسات الأساسية للحكومة سوف تكون خارطة الطريق كاملة، وهذا يعطينا دفعة قوية إلي الأمام لتطوير القطاعات السياسية والاقتصادية، فضلا عن الأمن. وتحدث السيسي عن الإرهاب وخطره، وقال إن المجتمع الدولي بأسره يدرك خطورة هذا الشر "الإرهاب" ويتعين علي دول العالم أن توحد جهودها لمكافحة الإرهاب، وقال: "نحن بحاجة إلي العمل معا لاتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة هذه الظاهرة، وعلي سبيل المثال، اليوم شبكات التواصل الاجتماعي هي أداة خطيرة جدا لأنها تقوم بتجنيد المتشددين والمقاتلين الذين يقومون بالأعمال الإرهابية، وهذه المواقع الإرهابية تعلِّم تصنيع القنابل، ويجب علي المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات ضد مثل هذه المواقع، والتي تولد إرهابًا أكبر". وتركزت مباحثات القمة المصرية الروسية بالقاهرة بالدرجة الأولي علي ملف التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري وقد صرح الممثل التجاري لروسيابالقاهرة بلوكاشين فيودور ألكسندروفيتشا بأن العلاقات التجارية بين بلاده ومصر شهدت طفرة كبيرة علي مدي العام الماضي مؤكدا أن المستقبل سيشهد آفاقا واعدة للتعاون المصري الروسي. وأوضح لوكاشين أن حجم التبادل التجاري بين موسكووالقاهرة قد تضاعف خلال الفترة من يناير إلي نوفمبر 2014 حيث وصل إلي 4.62 مليار دولار مشيرا إلي أن حجم الصادرات الروسية لمصر قد ارتفع خلال العام الماضي بنسبة 91% حيث وصل إلي 4.1 مليار دولار بينما ارتفعت قيمة الصادرات المصرية لروسيا بنسبة 25% وصلت إلي 417 مليون دولار. وأوضح الممثل التجاري لروسيابالقاهرة أن الاستثمارات الروسية بمصر تقدر ب 72 مليون دولار وهناك 383 شركة روسية بمصر، و80% منها تعمل في مجال السياحة وخدماتها بينما تتركز الاستثمارات المصرية في روسيا في قطاعي التجارة والأعمال الخشبية وتقدر بنحو 60 مليون دولار، وأكد لوكاشين العلاقات القوية بين القطاع الخاص والشركات بالبلدين بما يعطي مؤشرا لزيادة الاستثمارات المشتركة في المستقبل القريب. وأكد لوكاشين أهمية التعاون السياحي مع مصر حيث ظلت السياحة الروسية محتفظة بالمركز الأول في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وأضاف أن السياحة الروسية سجلت رقما قياسيا في عام 2014 بحوالي 3 ملايين سائح بما يمثل 30% من حجم السياحة الأجنبية في مصر. وجاءت مباحثات القمة بين الرئيسين السيسي وبوتين كفرصة هامة لتوقيع عدد من مذكرات التفاهم والتعاون الاقتصادي والعسكري والسياحي منها مذكرة تفاهم ثنائية بين الجانبين لجذب المزيد من الاستثمارات الروسية خاصة تلك التي يتم الاستفادة منها في مشروع قناة السويس الجديدة كما يتم تفعيل الاتفاقيات القائمة بين الدولتين في مجال الطاقة والاتفاق علي زيادة أعداد السائحين وذلك بخلاف أن روسيا سوف تشارك بقوة في المؤتمر الاقتصادي الذي تعقده مصر خلال شهر مارس القادم. وتركزت مباحثات القمة بين الرئيسين السيسي وبوتين في النطاق السياسي حول العديد من الملفات الدولية والإقليمية الساخنة وعلي رأسها مكافحة الإرهاب لاسيما أن منطقة الشرق الأوسط تعاني منه بدرجة كبيرة بالإضافة إلي كونه أضحي ظاهرة دولية تمتد آثارها للعديد من الدول كما اتضح جليا خلال الحادث الإرهابي الذي تعرضت له فرنسا مؤخرا. وبحث الزعيمان مجمل الأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها الأوضاع في قطاع غزة فضلا عن ليبيا وذلك اتصالا بالتداعيات السلبية لتردي الأوضاع الأمنية علي الحدود الغربية المصرية وذلك إلي جانب الأوضاع في العراق وأهمية الحفاظ علي وحدة أراضيه الإقليمية وكذلك الأزمة السورية وأهمية التوصل إلي تسوية تحفظ وحدتها الإقليمية وتصون أرواح مواطنيها. وفي هذا الإطار أشار أناتولي يجورين مدير المركز العلمي للحوار الروسي العربي إلي أن المباحثات بين الجانبين الروسي والمصري، أكدت التوافق الكبير بين مواقف القاهرةوموسكو حول العديد من قضايا الشرق الأوسط وإلي التفاهم الشخصي بين الرئيسين السيسي وبوتين ومدي تقدير حكومة موسكو للدور المصري ووزن مصر في منطقة الشرق الأوسط. وأوضح يجورين رغبة روسيا في توطيد علاقاتها مع جامعة الدول العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها وذلك في ضوء الرغبة القوية في تطوير العلاقات مع مصر بصفة خاصة ومع الدول العربية بصفة عامة.