تكتسب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المقررة بعد غد الاثنين الي القاهرة اهمية خاصة بالنسبة لمصر والمصريين بشكل عام بما في ذلك رجل الشارع، حيث انتشرت صور الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين في عدد من شوارع وجسور القاهرة الرئيسية. العلاقات المصرية الروسية راسخة منذ القدم وتنظر روسيا لمصر علي اعتبارها مركز صناعة القرار في الشرق الأوسط والبقعة الجيوستراتيجية الأساسية في المنطقة، رافضة كافة مساعي نقل مركز الثقل التقليدي للمنطقة إلي الأطراف الأخري، وهي تؤكد هذه النظرة في كل المناسبات. الروابط بين القاهرةوموسكو عكسها موقف روسيا المؤيد لثورة 30 يونيو وما تلاها من تطورات بما في ذلك كافة محطات خارطة الطريق، كما أكد الرئيس 'بوتين' في مناسبات عديدة احترامه الشديد للرئيس عبد الفتاح السيسي ودوره التاريخي في مصر. ويري المحرر الدبلوماسي لوكالة انباء الشرق الاوسط انه ومن هذا المنطلق فإن روسيا تؤيد عودة مصر بقوة إلي الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها في كافة المبادرات الإقليمية، وتقاوم أية محاولة لتهميش الدور المصري، وهو ما برز جلياً في الأزمة السورية وأزمة غزة والذي وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور الأخيرة. ووصفت وزارة الخارجية العلاقات السياسية بين البلدين بانها شهدت طفرة عقب ثورة الثلاثين من يونيو تمثلت في زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلي مصر يوم 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع المصريين إلي روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، حيث تم عقد المباحثات السياسية بصيغة '2+2'، بما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخري هي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، بما يدلل علي إقرار روسيا بالأهمية الإستراتيجية التي تحظي بها مصر في سياستها الخارجية. يضاف إلي ما سبق الاتصال التليفوني الذي أجراه الرئيس 'بوتين' بالمستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، عقب مباحثات القاهرة واستقباله للمشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، خلال مباحثات '2+2' في موسكو، بما حمل مغزي سياسي هام وهو حرص روسيا وعلي أعلي مستوي علي دعمها العلني للمرحلة الانتقالية وتنفيذ خارطة المستقبل، وحرصها كذلك علي إعلان تأييدها للرئيس في خوض الاستحقاق الرئاسي مع تمني الرئيس 'بوتين' التوفيق له وللشعب المصري في الانتخابات الرئاسية. وقد أجري الرئيس 'بوتين' اتصالاً بالرئيس عبد الفتاح السيسي لتهنئته عقب إعلان النتائج المبدئية للانتخابات الرئاسية، وأوفد رئيس البرلمان الروسي 'مجلس 'الدوما'' لحضور مراسم التنصيب حاملاً الدعوة لرئيس الجمهورية لزيارة روسيا، كما تضمنت تهنئته لرئيس الجمهورية بمناسبة ذكري ثورة يوليو تأكيداً علي التطلع لزيارته لروسيا. العلاقات السياسية بين البلدين عززتها ايضا زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي 'سوتشي' في 12 أغسطس 2014 من العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، حيث عكست حرص البلدين علي تبادل الدعم السياسي علي المستوي الإقليمي والدولي في ظل ما يواجهه الطرفان من تحديات خارجية وداخلية تستهدف النيل من الاستقرار السياسي وتهديد الأمن القومي لكليهما وتشاركهما في رؤيه موحده في مواجهة الارهاب، وتحقيق مصلحة مشتركة في دعم النمو الإقتصادي في البلدين والفرص الاقتصادية التكاملية المتوافرة في العلاقة بين البلدين، والتي من شأنها خدمة الأمن القومي بتعزيز قوة الدولة من خلال تقوية وضعها الإقتصادي وقوة مصالحها الاقتصادية مع الأطراف الخارجية، بالإضافة إلي تعزيز التعاون العسكري الأمني في ضوء اتفاق رؤي الطرفين حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية واشتراكهما في مواجهة تحديات مشتركة، وفي ضوء سعي مصر إلي تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية. وأولت روسيا الزيارة اهتماماً خاصاً تجلي في استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي في 'سوتشي' بمظاهر مراسمية ذات دلالة علي المكانة الإستراتيجية للعلاقات التي تعقدها مع مصر. وقد تناولت القمة التي جمعت الرئيسين المصري والروسي الأوضاع الإقليمية والدولية، والتأكيد علي دعم روسيا لمصر في حربها ضد الإرهاب، وعلي توافق الآراء المصرية الروسية في القضايا الإقليمية، وعلي تعزيز التعاون العسكري بين الطرفين، كما تناولت تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، حيث تم الإتفاق علي زيادة روسيا لحجم صادراتها من الحبوب إلي مصر بأكثر من 60% وأن ترفع مصر حجم صادراتها الزراعية إلي روسيا بنسبة 30%، بينما تم تناول العلاقات الاقتصادية والتجارية حيث تم الاتفاق علي إقامة المنطقة الصناعية الروسية في مصر في محور تطوير قناة السويس ودفع جهود إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الأوراسي، والتأكيد علي أهمية السياحة الروسية إلي مصر وعمل البلدين علي تشجيعها. وعكست المباحثات السياسية بين البلدين وجود تقاطع واضح بين أولويات الأمن القومي المصري وبين اهتمامات ومصالح الجانب الروسي في المنطقة، بما أسهم في إيجاد مساحة كبيرة مشتركة تلاقت فيها الروئ حيال عدد من الملفات الإقليمية والدولية كالأزمة السورية وضرورة التوصل إلي حل سياسي لها، ومكافحة الإرهاب وارتباط الظاهرة باستمرار بؤر التوتر بالشرق الأوسط، وخطر تحول تلك البؤر إلي مصدر للإرهاب العابر للحدود، والقضية الفلسطينية وضرورة التوصل لتسوية شاملة وعادلة لها، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل. العلاقات بين الجانبين لا تقتصر فقط علي الشق السياسي ولكن تمتد لتشمل الجانب الاقتصادي حيث وصل حجم التبادل التجاري خلال عام 2013 إلي قرابة ثلاثة مليار دولار، مثلت الصادرات المصرية منها 441 مليون دولار فقط والواردات 2.503 مليار دولار.. وشهدت الصادرات المصرية إلي روسيا خلال عام 2013 ارتفاعاً بلغت نسبته نحو 29% مقارنة بعام 2012 بسبب الارتفاع في تصدير الفواكه والخضروات. وتمثل المنتجات الزراعية نحو 70% من حجم التجارة بين مصر وروسيا، حيث تمثل الموالح والبطاطس نحو 75% من هيكل الصادرات المصرية إلي روسيا، في حين تمثل الحبوب 'ولاسيما القمح' والأخشاب نحو 65% من هيكل الواردات المصرية من روسيا. وقد بلغت الصادرات المصرية لروسيا من البطاطس خلال الموسم الماضي قرابة 330 ألف طن، وهو ما تقدره سلطات الحجر الزراعي بقرابة المليار جنيه. وتؤكد وزارة الخارجية ان عدد المشروعات التي تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر يبلغ 363 مشروعاً بإجمالي رأسمال مستثمر يقدر بحوالي 148.74 مليون دولار، وتركزت أغلب هذه المشروعات علي قطاع السياحة والخدمات '143 مشروعاً'، تلاها قطاع الإنشاءات '38 مشروعاً'، فقطاع الصناعة '27مشروعاً' ثم قطاع الزراعة '13 مشروعاً' وأخيراً قطاع الاتصالات '5 مشروعات' والقطاع التمويلي '3 مشروعات'، في حين تبلغ الاستثمارات المصرية في روسيا 450 مليون دولار أغلبها استثمارات في مجال صناعة الطائرات وبعض الاستثمارات العقارية. ويذكر المحرر الدبلوماسي ان الدورة التاسعة لأعمال اللجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني كانت قد تناولت مجمل العلاقات الإقتصادية والفنية بين البلدين، وقد انعقدت علي مستوي الوزراء في موسكو في 26 مارس 2014، وترأس الجانب المصري منير فخري عبد النور، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار، بينما ترأس الجانب الروسي 'نيكولاي فيودروف'، وزير الزراعة. وقد تضمن البروتوكول الختامي الاتفاق علي عدد من الموضوعات أهمها استئناف المفاوضات حول اتفاق التجارة الحرة مع دول الاتحاد الجمركي الأورواسيوي 'روسيا، بيلاروس، كازاخستان، أرمينيا' وهي منطقة اقتصادية واعدة، إقامة منطقة صناعية في مصر متخصصة في إنتاج الآلات والمعدات الزراعية، وقد قام الجانب المصري بتحديد مكان إقامة المنطقة الصناعية الروسية في مصر في منطقة شمال عتاقة، مساهمة روسيا في تطوير وتحديث المصانع المنشأة إبان فترة الإتحاد السوفيتي مثل مصنع الحديد والصلب بحلوان وشركة النصر للسيارات ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي، والتواصل مستمر بين الدولتين في مجال انتاج الطاقة من المصادر المختلفة، وتسهيل مشاركة شركات البترول الروسية في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن البترول والغاز في مصر، وترحيب الجانب الروسي ببحث إمكانية توريد الغاز المسال إلي مصر من خلال شركة 'جازبروم '. كما عقد الاجتماع الأول لمجلس الأعمال المصري الروسي بموسكو في فبراير 2008 بمشاركة أكثر من 47 من رؤساء الشركات المصرية والروسية أعضاء المجلس 'يتشكل من 56 عضواً نصفهم من الجانب الروسي والنصف الآخر من الجانب المصري'. وأكد الجانب الروسي في المجلس مؤخراً اهتمام رجال الأعمال الروس بالاستثمار في مجالات تصدير واستيراد الأدوية والحبوب والمواد الغذائية، كما أعرب عن اهتمامهم بمشروع المركز اللوجستي لتخزين الحبوب والغلال في دمياط وتطلعها لتنفيذه، كما أعرب عن اهتمام العديد من الجهات الروسية بخطة الحكومة المصرية لتوليد الكهرباء من الفحم وأن عددا من المصدرين الروس يتطلعون إلي توجيه صادراتهم من الفحم لمصر حال بدء العمل بذلك، كما أن جهات أخري علي استعداد للتعاون مع مصر في تقنيات توليد الكهرباء من الفحم والطاقة الشمسية. وتكتسب العلاقات السياحية بين البلدين أهمية كبيرة في ضوء الأعداد الكبيرة للسياح الروس الذين يزورون مصر سنويا، حيث جاءت روسيا في المرتبة الأولي بالنسبة للسياحة إلي مصر علي مدي الأعوام الخمسة الماضية، وتشير آخر الإحصائيات إلي أن حجم السياحة الروسية لمصر خلال عام 2013 قد بلغ 2, 4 مليون سائح ومن ثم تهتم مصر بالتعاون مع روسيا في مجال السياحة في ضوء كون السياحة الروسية تمثل ما يقرب من 20% من مجموع السياحة الوافدة إلي مصر، وتعمل علي تخطي الأزمة التي يشهدها هذا القطاع علي خلفية انخفاض سعر الروبل وإلغاء السائحين الروس خلال الموسم الشتوي الحالي لحجوزاتهم في منتجعات جنوبسيناء، وهو ما يعود له التراجع في عدد السياح الروس في عام 2014. كما ان هناك تعاونا كبيرا بين وزارة الأوقاف المصرية وعددٍ من المؤسسات الدينية الهامة في روسيا، علي رأسها مجلس شوري الافتاء في روسيا الاتحادية ومقره موسكو والإدارة المركزية لمسلمي روسيا ومقرها مدينة 'كازان' عاصمة إقليم 'تتارستان'، ويقوم عدد من موفدي الوزارة بالتدريس بالمعاهد الدينية بروسيا. كما توفد وزارة الأوقاف مبعوثاً أو أكثر إلي روسيا لإحياء شعائر شهر رمضان المعظم، ويحرص الجانبان المصري والروسي علي المشاركة بالتبادل في مسابقات القرآن الكريم التي تنظم لدي كلا الطرفين. وقام قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بإتمام زيارة إلي روسيا خلال الفترة من 28 أكتوبر حتي 4 نوفمبر 2014 لزيارة الكنيسة الروسية، وحظيت الزيارة بنجاح كبير في ضوء دورها في تعزيز العلاقات بين الكنيستين القبطية والأرثوذكسية الشرقية، كما حظيت بترحيب كبير علي المستويين الرسمي والشعبي الروسي. وقد التقي قداسة البابا خلال الزيارة بوزير الخارجية الروسي 'لافروف' الذي أكد علي العلاقات التاريخية بين الكنيستين وأعرب عن تقديره لدور قداسة البابا والكنيسة في الحفاظ علي مصر والشرق الأوسط، واتفقت الرؤي المصرية والروسية بشأن ضرورة الحفاظ علي مسيحيي الشرق.