في بيت الله الحرام تكون الكعبة أمامك، تعظم كل مكان فيها.. وكل جزء منها، ولايتم ذلك إلا بالطواف حولها لأنها القبلة التي يتجه إليها حوالي مليار ونصف المليار مسلم في صلواتهم يوميا ويناديهم الحنين إليها في هذه الأيام المباركة حيث يؤدي ملايين الحجاج مناسكهم لتأدية الركن الخامس في الإسلام.. إن الكعبة المشرفة التي لم تنل بقعة في الدنيا بالكرة الأرضية مثلها من التقديس والتبجيل والحب، حافلة بالكثير من الأسرار، فقد أجمعت المراجع التاريخية أن قواعدها قد ثبتتها الملائكة في سرة الأرض قبل آدم عليه السلام بأمر الله، وكان الاختيار الإلهي أن تكون مركزا لليابسة جغرافيا وتتوسط العالم، لتنطلق منها أعظم رسالة سماوية! القرآن الكريم لم يذكر لنا أول من بني الكعبة، لكنه ذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام رفع القواعد فقط، ورفع القواعد كما يشرحه العالم الجليل الشيخ منصور الرفاعي عبيد دليل علي أنه كان هناك بناء اندثرت معالمه بسبب عوامل التعرية الطبيعية، وأن الله سبحانه أمر إبراهيم أن يجدد هذه القواعد ويظهر معالمها ويبين حدودها، فقال تعالي: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . والراجح من بعض أقوال العلماء أن جماعة من الملائكة كانوا يسكنون الأرض فأشتاقت أنفسهم إلي أن يكون لهم بيت في الأرض يطوفون به حمدا لله وشكرا كما أن ملائكة السماء لهم البيت المعمور، وأن الملائكة بنته بأمر الله.. لقاء آدم بالملائكة ولذا قيل لما حج آدم، وطاف بالبيت سبعا ولقيته الملائكة في الطواف.. فقالت: بر حجتك ياآدم، أما إنا قد حججنا قبلك هذا العام بألفي عام، قال: فما كنتم تقولون في الطواف.. قالوا: كنا نقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.. قال آدم: فزيدوا فيها ولاحول ولاقوة إلا بالله، فزادت الملائكة فيها ذلك.. وقد ثبت جغرافيا أن الكعبة هي محور الكرة الأرضية ومركز ارتكازها، والكلام ليس من عندنا.. بل هو تصريح من الدكتور حسين كمال الدين (رئيس قسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة بجامعة الرياض بالسعودية) بأنه توصل إلي مايشبه النظرية الجغرافية التي تؤكد أن مكةالمكرمة هي مركز اليابسة في الكرة الأرضية، وقد بدأ بحثه برسم خريطة تحسب أبعاد كل الأماكن علي الأرض عن مدينة «مكةالمكرمة» وكان بحثه لتصميم جهاز علمي يساعد علي تحديد القبلة، وفجأة اكتشف علي الخريطة أن مكةالمكرمة تقع في وسط العالم، ولهذا السبب كان الاختيار الإلهي أن تكون هذه البقعة مقرا لبيت الله الحرام ومنطلقا للرسالة السماوية، وصدق الله العظيم: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَي وَمَنْ حَوْلَها». مزاعم اليهود كاذبة ولذلك ورد أن اليهود قالوا: بيت المقدس أعظم من الكعبة، فأنزل الله تعالي: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًي لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناَ». والرسول[ سُئل: أي المساجد بني أولا؟.. قال: البيت الحرام.. قال:ثم أي؟.. قال المسجد الأقصي.. قال: كم بينهما؟.. قال: أربعون سنة، ولأن هذا المكان له منزلة خاصة وسامية، فإن الرسول[ قال:«صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.. وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه». وقد يتردد علي الألسنة سؤال: لماذا اختار الله هذه البقعة؟.. والإجابة أنه سبق في علم الله شيء لم يسأل عن ربنا جل جلاله، فله سبحانه أن يخلق مايشاء ويختار مايشاء فهو سبحانه خلق الملائكة واصطفي منهم بعض الرسل، وخلق الناس واختار منهم بعض الرسل، وفضل بعض الرسل علي بعض، وقال سبحانه: «(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُُمْ عَلَي بَعْضٍ).. وخلق الزمان وفضل بعض الأيام علي بعض، وبعض الليالي علي بعض، وفضل بعض الساعات علي غيرها، كما خلق الأرض وفضل بعض أمكنتها علي بعض، تلك حكمة الله الذي لايُسأل لأنه صاحب الأمر وأعلي وأعلم، وصدق الله العظيم: «. لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ». مركز الكرة الأرضية وعن أسرار الكعبة المشرفة أعد الباحث المستشار أحمد حلمي مصطفي بحثا في غاية الأهمية تقول سطوره: تقع مكةالمكرمة علي خط عرض (02 و 52 و12)، وخط طول (53 و94 و93) درجة، ويقع المسجد الحرام والكعبة المشرفة في بطن وادي إبراهيم، وتشرف عليه الجبال من جميع النواحي دائرة حول الكعبة، ونعلم أن الأماكن المنخفضة نسبيا في الساحات المحيطة بمكة تسمي (البطحاء)، وكل مانزل عن الحرم يسمونه (المسفلة)، وما ارتفع يسمونه (المعلاة)، وترتفع مكة عن مستوي سطح البحر، وتعد مدينة «جدة» الميناء الرئيسي لمدينة مكة، ويتخذ عمران مكةالمكرمة في الوقت الحاضر شكل هلال يميل إلي الاستطالة، ويتجه جانباه نحو سفوح جبل (قعيقان)، وهي علي هذا النحو تبدو وقد ضيقت عليها سلسلتان مزدوجتان من التلال.. وتقع مكة في مركز دائرة يمر محيطها بثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا التي كونت العالم القديم قبل اكتشاف الأمريكتين! اختيار إلهي للموقع! لقد ثبت جغرافيا كما أسلفنا أن الكعبة هي مركز دائرة الكون، وفي دراسة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم، لوحظ تمركز«مكةالمكرمة» في قلب دائرة تمر بأطراف القارات السبع الحالية، واستنتج من ذلك أن اليابسة موزعة حول مكة توزيعا منتظما علي سطح الكرة الأرضية، بمعني أن هذه المدينة المباركة تعتبر مركزا لليابسة، وهنا يظهر للكل عالمية الدعوة الإسلامية، وأن اختيار موقع مكةالمكرمة لتكون فيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في جميع أنحاء العالم هو اختيار إلهي فيه حكمة كبري لم تكن لتعرف إلا بعد ظهور الحقائق والاكتشافات العلمية الحديثة، كما أنه لايخفي دلالة توسط موقع مكةالمكرمة علي تسهيل الحج والعمرة للمسلمين من مختلف بقاع الأرض، فموقعها متوسط بالنسبة لجميع القارات، فهي لاتقع في أقصي الشرق أو الغرب، ولا في أقصي الشمال ولا الجنوب.. فسبحان الله العظيم! أول بيت بالأرض ومن الدلالات العلمية للآية الكريمة: « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًي لِلْعَالَمِينَ»، أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس، والتعبير (أول بيت) لم يحدد أنه أول بيت للعبادة، وإن كانت الكعبة هي أول بيت عُبد الله فيه علي الأرض، وعلي ذلك فالاستنتاج أنه أول بيت يبني علي سطح الأرض أقرب إلي فهم دلالة النص، ويدعم ذلك وصف القرآن الكريم للكعبة المشرفة بوصف «البيت العتيق».. كما قال سبحانه: «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ»، كذلك فإن التعبير القرآني (وضع للناس) ينفي أن يكون أحد من الناس قد وضعه، مما يدعم القول إن الملائكة هم الذين بنوا الكعبة المشرفة، ثم تهدم هذا البيت العتيق وبنته أجيال من الناس عدة مرات، ويؤكد ذلك أن الكرامة والبركة والشرف هي للبقعة المكانية وليست لأحجار البناء باستثناء الحجر الأسعد ومقام إبراهيم.. تعامد الشمس علي الكعبة ومن أهم الأسرار أيضا أنه طبقا للحسابات الفلكية فإن الشمس تتعامد علي الكعبة المشرفة، وهي ظاهرة تحدث مرتين سنويا عندما يكون ميل الشمس مطابقا لخط عرض مدينة مكةالمكرمة، وأرجعها الدكتور حسن باصرة (الأستاذ المشارك بقسم العلوم الفلكية بجامعة الملك فهد بجدة) إلي أن مسار الشمس الظاهري يختلف من يوم لآخر، وأنه محصور بين قيم محددة تتحكم في ارتفاع الشمس لحظة الزوال ظهرا، وأن ذلك يعتمد علي خط العرض للمكان.. وقال بعض العلماء إن هناك «عامودا نورانيا» يربط الكعبة المشرفة في الأرض بالبيت المعمور في السماء، بحثت عن هذا الربط والاتصال في مراجع وأمهات الكتب الإسلامية فوجدت بعضا من هذا التشبيه والربط عند إمام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهذا قوله حرفيا في كتابه (الحج المبرور): أنت في بيت الله الحرام تكون الكعبة كلها أمامك، والواجب عليك أن تعظم كل مكان فيها، كل جزء منها، ولا يتم ذلك إلا بالطواف حولها ملبيا.. «لبيك اللهم لبيك».. لبيك اللهم لبيك ومعني التلبية أنك تجيب دعوة الداعي لك وهو الله سبحانه وتعالي الذي يسر لك حج بيته وأعانك عليه بالنفقة والاستطاعة، وأنك بهذه التلبية تعلن خروجك امتثالا لأمر الله الذي أنعم عليك بأجل النعم وأعظمها.. حج بيته العتيق.. وقد قالوا (والكلام مازال علي لسان الشعراوي رحمه الله): الكعبة علي هيئة البيت المعمور، فكأنك إذا سرت في جو الكعبة تنتهي إلي البيت المعمور.. إن الذين يصلون في الدور الثالث في الحرم يكونون أعلي من ارتفاع الكعبة ولكنهم يستقبلون جوها.. فجو الكعبة يمثل الكعبة حتي البيت المعمور في السماء السابعة! لكن المفكر السعودي الكبير الدكتور عبدالله عمر نصيف (الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكةالمكرمة، وعضو مجلس الشوري الأسبق) ذكر لي أن الربط والاتصال بين الكعبة المشرفة والبيت المعمور في السماء ليس مؤكدا.. مائة وعشرون رحمة وذكر الشيخ الشعراوي (رحمة الله عليه) أن مائة وعشرين رحمة في الكعبة، وتلك أيضا من نفحاتها وأسرارها، فكل من في الحرم له ثوابه.. ورسول الله ([) يقول: (إن الله يهبط في الحرم (الكعبة) مائة وعشرين رحمة.. ستون منها للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين).. إنك إذا جلست تنظر إلي الكعبة نزلت عليك الرحمة.. وأنت عندما تري الكعبة وتنظر إليها تختفي كل همومك ولا يبقي في بالك إلا الله سبحانه.