اجتياح جورجيا عام 2008 كان المشهد الختامي علي شفا أن يتحول لكارثة، فبعدما قبلت الأطراف المتصارعة وقف إطلاق النار، ذهبت قوات من حلف شمال الأطلنطي (الناتو) لتأمين مطار (برشتينا) المطار الرئيسي في كوسوفو، وكان عددها 45 ألف جندي بقيادة الجنرال الإنجليزي مايك جاكسون، إلا أن هذا الأخير فوجئ بقوات صاعقة روسية سبقته واحتلت المطار بالفعل، فاتصل بالقيادة المركزية، ورد عليه القائد العام الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك الذي أصدر إليه أمراً مباشراً بالاشتباك مع القوات الروسية و(طربقة المطار فوق رؤوسهم إن لزم الأمر)، فرد عليه جاكسون بحسم: (آسف لن أنفذ الأمر)، فلست مستعداً لأن أكون سببا في نشوب حرب عالمية ثالثة وأغلق الخط في وجه محدثه، ثم حدث أن تم التوافق مع الروس علي ترك قوات متعددة الجنسيات في المطار منعاً للصدام، وأحيل الجنرال العاقل مايك جاكسون للتقاعد. ما يحدث في أوكرانيا حالياً يتشابه مع ما حدث في جورجيا عام 2008 حيث أبدي رئيسها (ميخائيل ساكشفيلي) الموالي للغرب، عداء لسكان إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المنحدر أغلبهم من أصول روسية، فما كان من الدبابات الروسية إلا أن اجتاحت الإقليمين رغم كل التهديدات الأمريكية بأن ما تفعله موسكو في جورجيا لن يمر دون عقاب وفشلت كل المساعي الأوروبية في وقف إطلاق النار ولم تنه موسكو الحرب إلا حينما أرادت. لا يبدو المعسكر الغربي قادراً علي التنبؤ بما يدور في عقل الرئيس فلاديمير بوتين، فعقب لقاء هذا الأخير بنظيره الأوكراني بيترو بورشينكو، ب"مينسك" عاصمة بيلا روسيا في السادس والعشرين من أغسطس الجاري، توقع الجميع انفراجة دبلوماسية وحلاً سياسياً للصراع الدائر في أوكرانيا منذ مارس الماضي، ولكن كلا من واشنطن وكييف أكدتا أن وتيرة هجمات المسلحين الموالين لموسكو ازدادت بشكل غير مسبوق في جنوب شرق أوكرانيا حيث تحتدم المعارك بين الانفصاليين والحكومة المركزية الأوكرانية. المعارك المستمرة في تلك المنطقة منذ 7 أشهر أودت بحياة أكثر من 2000 شخص وهجرت عشرات الآلاف من مناطقهم السكنية، فضلاً عن إسقاط طائرة تابعة للخطوط الماليزية بصاروخ طائش، ما أدي لمقتل 300 من المدنيين من جنسيات مختلفة، كما أن العقوبات الاقتصادية التي تبنتها الولاياتالمتحدة علي روسيا، لها الكثير من الأثر السلبي، ليس علي تلك الأخيرة فقط، ولكن علي عدد غير قليل من دول الاتحاد الأوروبي، إضافة لإفشال كل خطط الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي طلبها صندوق النقد الدولي من الحكومة الأوكرانية لمساعدتها ب30 مليار دولار تحتاجها كييف بشكل عاجل. في محاولة للخروج من حالة الشلل السياسي التي تضرب البلاد، أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بورشينكو، الذي تم انتخابه في مايو الماضي، عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في أكتوبر المقبل، ولكن ليس من المتوقع أي نجاح لهذا الاستحقاق مع استمرار الحرب في جنوب شرق البلاد، ومن المتوقع أن يكون لتلك الانتخابات أثر فقط في حالة توقف القوات الروسية عن التوغل في الأراضي الأوكرانية، وهو ما لا تتوقف واشنطن عن إدانته، حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بمساعدة صواريخ نظام الدفاع الجوي لهو شيء غير مقبول وخطير ويهدد بإشعال حرائق لا يمكن إطفاؤها. وتيرة العمليات العسكرية تتصاعد بين القوات التابعة لكييف ووحدات الدفاع الشعبي في شرق أوكرانيا، حيث انتقلت تلك الأخيرة من مواقعها الدفاعية إلي مرحلة الهجوم، وتجري المعارك بين القوات الأوكرانية والقوات الشعبية في قرية كراسني يار وفيرجونكا في لوجانسك شرق البلاد. وأفاد بيان قيادة وحدات الدفاع الشعبي، أن قواتها بدأت بالهجوم في محاولة لإبعاد العدو من هذه المناطق ومع افتقاد المعسكر الغربي للجرأة في التصادم العسكري مع موسكو، فليس من المفترض أن يتفاجأ الغرب بالاجتياح الروسي لأجزاء أكبر من أوكرانيا، فالقرار يصنعه رجل اعترف غير مرة بأنه لم يفقد نوستالجيا المجد السوفيتي.