عندما يعم الجوع.. يفرغ العقل.. يتعملق البؤس.. أي الفقر في أبشع حالاته عندما يمتزج بالقهر فيتبعه الخوف صانع الطغاة.. والجوع.. طعام وجنس وغريزة ضالة.. جامحة، والفساد منذ عقود تفشي، فكيف للبطون الخاوية أن تصمت وللغريزة الهائمة أن تروّض، فللجوع سكرة تنهش الروح وتغيب الوعي فكان لابد للخطاب الديني المغلوط أن يتصاعد فحيحه.. هي حكاية قديمة جديدة أتقنها الحكام الذين تناوبوا علي هذا البلد.. فالفتاوي الرجيمة، العشوائية تهيمن، تحض علي الكراهية، تشوه العقيدة النبيلة، تجعلها تهبط من عليائها لتصدر للشعب الآية الكريمة: {والآخرة خير وأبقي}، أما بالنسبة لأهل السلطان ف«المال والبنون زينة الحياة الدنيا». هذا ما كان.. بعدما اتسعت خارطة الفقر والعوز فطالت الطبقة الوسطي لتقضي منها وطرا.. ولذلك انتبه الرئيس عبد الفتاح السيسي لأهمية إصلاح الخطاب الديني الذي يتواكب مع روح الإسلام الأصيلة الذي نالت منه المستوطنات الفضائية التي تبث ازدراء الآخر وأبلسة المرأة ومن ثم تكاثر جرائم التحرش الثمرة المعطوبة لجماعات التأسلم السياسي والإرهاب المعربد بفعل الفكر المنحرف الذي يتبعه التطبيق فهي كلمة تتبعها طلقة وهذا ما يتصدي له بجرأة وحرص علي الدين والوطن د. مختار جمعة وزير الأوقاف.. فاليوم لا مكان لدولة داخل الدولة تقتات علي حاجة البؤساء، يتحايلون، يظللون، يتلحفون بالدين، فويل للوطن عندما يعظ فيه الشياطين، لقد أدرك النجم الذي أشرق، البطل عبدالفتاح السيسي، خطورة السقوط في تلك الهوة السحيقة، تلك الآفة أو الوباء المقدس الذي كاد أن يعصف بأعرق الحضارات قاطبة، فاستهل حكمه بأقانيم ثلاث: التنوير، الاستقلال الوطني وعدالة توزيع الدخل. يقول الفنان الأشهر جويا: «عندما ينام العقل تولد الوحوش»، وأن للأصوات الدميمة التي لاتعرف سوي لغة المال لا الأوطان أن تصمت وألا تنادي بعودة الفضائيات المسماة زورا بالدينية الحاضة علي تقسيم الوطن ودحر وحدته، فهذه ليست حرية تعبير ولكن حرية تحريض، نحن نشتهي مصر الحريصة علي حقوق الإنسان السوي، المسالم، المتسامح لا حقوق الإنسان الإرهابي، السيكوباتي، وليعلم من لا يعلم أن مصر تعيش أكبر محنة مرت بها، تواجه حربا شعواء تهاجم أوصالها وأرحامها. وقبيل انتخابات مجلس الشعب لا نريد معايشة الرشوة الحلال وتدنيس بيوت الله بمنافع وانتهازية السياسة المتغيرة دوما، فالثابت لايجاور المتغير والمتحول، المصريون بحاجة إلي التخلص من «فكر الفقر وفقر الفكر»، التحليق بعيدا عن الرؤي المعلبة، المحنطة وأن تنطلق المخيلة لتنثر تجليات التنوير المكون الأساسي للحضارة والارتقاء. وكفانا تضميد الخواء الثقافي، الوهن الاقتصادي والفساد، المزمن بتقديم العقيدة المغلوطة والجنس طعاما للفقراء الذين أفنوا حياتهم في الانحناء.. ولنتأمل مصر في الخمسينيات والستينيات وصولا للسعبينيات أي زمن الميني والميكرو جوب لماذا لم يكن هناك أي شكل من أشكال التحرش أو خدش الحياء، أو حتي هتك بكارة الأذن، فلم يكن ذراع مريم فخر الدين أو فاتن حمامة يشعل الغواية!! أو المراودة، بل كانت حاضة علي مشاعر رومانسية تسمو بالغريزة، تنقحها، تجملها، حتي المايوه لم يكن مرادفا للشهوة بل لبهجة الحياة، نوعا من الفردوس المفقود وألقا أنثويا فاتنا يقطر ملاحة، لم تكن آهات أم كلثوم في بلاط العشق والهوي الغلاب صادحة بالرذيلة، بل كان صوتها يرصع سماء المحروسة الساهرة بنجومها التي تضاهي ثغورا من فضة في محراب أهل الهوي، كانت الغريزة الملتاعة تتطهر، ولكن عندما صارت النظرة خبيثة، الكلمة المتعالية تحط من شأن المرأة تشيطنها صارت المرأة أقرب إلي كائن جنسي فحسب يجب تكفينها بالسواد، فوجهها عورة وصوتها عورة، وطلتها وسواس، لم تعد الجنس الثاني كما قالت سيمون دي بوفوار ولكنها الجنس الترسو، هي أقرب إلي وليمة، غنيمة، فريسة تحت وطأة الأفكار المسموسة للدعاة الجدد أو بعض منها، بالرغم من أن الإسلام يمجد المرأة، لا مثل كلمات في الصلاة اليهودية مع احترامي لكل الأديان، «الحمد لله الذي لم يخلقني امرأة»، لقد روعت جريمة سيدة التحرير إلي جانب جرائم أخري الشعب بأسره، فكانت المزيج القبيح من الثأر والغل تجاه المرأة التي ساهمت بروعة في إنقاذ مصر من خوارج هذا الزمن وأضحك كثيرا عندما يصف البعض هؤلاء الذين هاجموا تلك السيدة الفاضلة بالذئاب!! فالذئب حيوان قوي أما هؤلاء فهم حفنة من العجزة، يعانون من «السادية» والدونية ومن ثم ممارسة أحط أساليب السيطرة والقوة، ذهبت سيدة التحرير لتحتفل بمصر الجديدة مصر العائدة من الدمار، أفكان لابد أن تحتفلي يا ليلي، أو كما سطر د. يوسف إدريس: «أكان لابد يالي لي أن تضيء النور»، يقول: «هي لي لي بالتمام.. هي الشيطان كاملا غير منقوص، فالإغراء فيها كامل غير منقوص»، الشيطان حولي وفي كل مكان، الشيطان وجها لوجه، ولا أعود أغض البصر. أكان لابد يالي لي أن تضيء النور؟!، أكان لابد يا لي لي أن تحتفلي بنجاة مصر؟ نحن ننتظر أحكام القضاء الرادعة الشامخة لتخفف من فداحة الأسي الذي أصاب المجتمع من تلك الجريمة الشريرة ولو قليلا. هو ذات الأسي الممزوج بالقسوة والوحشية، له ذات المذاق الخشن والقسوة المارقة فاليوم يرجمون يلعنون يسحلون الإنثي، الثورة وبالأمس المدبر كانت هيباتيا.. أستاذة الزمان النقية.. القديسة التي عانت آلام الشهيد وفاقت بعذابها كل عذاب، هاهي سيدة التحرير تنعش خزائن الذاكرة، فأجد محاكاة مذهلة لمشهد تعرية هيباتيا، سحلها، حرقها يداهمني من رواية (عزازيل) البديعة للدكتور يوسف زيدان، فهاهم أعداء الجمال، العلم، الرحمة في كل زمان ومكان، هو ذات القطيع الشرير، المسكون بهواجس حفلات الدم، يقول زيدان: «صاحت عجوز شمطاء.. اسحلوا العاهرة.. انهالت الأيدي علي ثوب هيباتيا مزعته كانوا يتلذوذون بنهش القطع الداخلية ويصرخون.. صارت هيباتيا عارية تماما ومهانة تماما.. لا أعرف من أين أتوا بالحبل الخشن.. ثم راحوا يجرونها.. حتي تسجح جلدها وانهالوا علي فريستهم.. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها.. وهاهي هيباتيا تعالت صرخاتها حتي طالت عنان السماء.. هيباتيا المصلوبة بفعل قوي الشر التي يتوارثها البشر، ستحيا مصر من خلال تنقية الخطاب الديني، الكتب المكتظة بالأفكار الشائهة، بإعلام يحض بأسلوب غير مباشر علي صحوة الضمير، بسيدات بقامة السفيرة ميرفت تلاوي والمستشارة تهاني الجبالي، في مصر النساء يعدن صياغة التاريخ ويغيرن خارطة الدنيا وسوف تلملم المرأة المصرية أشلاء الأمة العربية كما فعلت إيزيس في الأصباح الغابرة لتبقي مصر وتحيا متربعة فوق عرش الأبدية.