التعاون الثقافي كان وسيظل أحد العناصر الهامة للشراكة الأوروبية بدول حوض البحر المتوسط، فمصر كانت تحتل موقعا مركزيا في منطقة الحوض من حيث التنوع والإبداع الثقافي وكانت لمنتجاته واتجاهاته تأثير كبير في المنطقة حتي السبعينات من القرن الماضي، غير أن هذا الوضع المميز للثقافة المصرية، واجهه منذ ذلك الوقت العديد من الصعوبات والتحديات بسبب عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية. وإدراكا من الاتحاد الأوروبي للقيمة المضافة للمنتجات الثقافية والإبداعية في النمو الاقتصادي للبلاد، اعتمد الاتحاد ووزارة التعاون الدولي بصفة مشتركة في ديسمبر 2012 برنامجا لتعزيز القطاع الثقافي، ونظرا للأحداث التي تمر بها البلاد، تأخر تنفيذ البرنامج لبعض الوقت، إلي أن رأت وزارة التعاون الدولي أن مكتبة الإسكندرية قادرة علي تنفيذ الأنشطة الخاصة بهذا البرنامج وبتمويل قدره مليون يورو، وفي ديسمبر 2013 عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع المكتبة من أجل ذلك. ومنذ ذلك الوقت.. كونت المكتبة فريق عمل من الخبراء والمتخصصين للعمل علي تنفيذ البرنامج الذي ستكون مدته عامين. أما البرنامج فهو يوفر التمويل للعديد من الأنشطة الثقافية منها عشرات المحاضرات وورش العمل، إلي جانب إعداد حصر لمواقع الصناعات الثقافية في جميع المحافظات، وإحياء وتعزيز الأنشطة الثقافية والفنية في منطقة كوم الدكة بالإسكندرية وبيت السناري بالقاهرة، كما يتضمن البرنامج مبادرة «الفن في الصف الدراسي» الخاصة بتلاميذ المدارس، ومبادرة أخري تحت مسمي «الشمال والجنوب» التي ستشمل تدريب الشباب علي خمسة أشكال من الفنون (الرسم، القصة، التصوير، الجرافيك، الأفلام الوثائقية)، فضلا عن إقامة معرض لأعمال المشاركين في ورش العمل وعرض منتجاتهم الثقافية لمعرفة مدي تأثيرها علي الحركة الثقافية ويختتم البرنامج بمؤتمر موسع لإلقاء الضوء علي المقالات والدراسات البحثية المتعلقة بالحالة الثقافية، ومن جانبها ستقوم مكتبة الإسكندرية بإعداد فيلم وثائقي يسرد أنشطة البرنامج وآثارها علي التنوع والإبداع الثقافي. وقال جيمس موران سفير الاتحاد الأوروبي لدي مصر، إن البرنامج يهدف إلي زيادة فرص الوصول إلي منافذ الثقافة في مختلف أنحاء مصر ودعم التعليم الفني والثقافي وحماية أشكال التعبير الثقافي وترويجها علي جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، إلي جانب تعزيز الجودة والقدرة التنافسية لهذا القطاع، وتشجيع الحوار بين الثقافات المختلفة والتأكيد علي أهمية دور الثقافة في التطور والنمو الاقتصادي في البلاد، فضلا عن إعطاء اهتمام خاص بالمواطن البسيط في المناطق المحرومة ثقافيا، سواء في الريف أو الحضر والمساهمة بالتالي في التنمية الشاملة في مصر. وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم دعوة للمكتبة لتقديم تصورات خلال الأيام القادمة بخصوص البرنامج المزمع تنفيذه في ال18 شهر القادمة، وذلك في محورين يتماشيان مع الأهداف المحددة للبرنامج، المحور الأول يتعلق بكيفية تشجيع حرية الوصول إلي مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات والأنشطة الثقافية بهدف تعزيز التنمية البشرية والاجتماعية عبر الثقافة، بينما المحور الثاني خاص بكيفية تعزيز قدرات الفاعلين الثقافيين الحاليين في الحكومة والعاملين الجدد في المجال الثقافي بهدف تطوير قطاع ثقافي أكثر استدامة وحيوية يساهم في النمو الاقتصادي. ومن جانبها عقدت مكتبة الإسكندرية يوم السبت الماضي اجتماعا حضره عدد من المهتمين بالشأن الثقافي وبعض المسئولين والصحفيين، وقدمت لهم أربع ورقات تتعلق برصد الحالة الثقافية في البلاد، وتحاورت معهم فيما جاء بها عن كيفية إعداد تقرير أولي يتناول هذه الحالة، من خلال رسم خريطة للمؤسسات الثقافية تجمع مابين ماهو حكومي وخاص وأهلي، وأشارت الورقة إلي أن المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية هي التي تتلقي دعما من الخزينة العامة للدولة، وحددتها ب 7 وزارات والمجالس القومية المتخصصة ومكتبة الإسكندرية. ولما كانت حالة الثقافة تنصب علي المنتج الثقافي وليس المؤسسة التي تنتجه، فكان لابد من أخذ المجالات الإبداعية المتنوعة في الاعتبار ومنها الفنون والموسيقي والآدب والمسرح والسينما إلي آخره. كما أن هناك العديد من المجالات الخاصة التي يجب أن يهتم بها مثل رقمنة الثقافة والتعددية والتنوع والنسيج الثقافي، من أجل إبراز ثراء المكون الثقافي، وكيف عاشت مصر في ظل زخم ثقافي لم يشكل في يوم ما، تهديدا لوحدتها الإنسانية والسياسية والثقافية. ونظرا لتشعب زاويتي النظر، كما تذكر الورقة، مابين زاوية تنصب علي المؤسسات الثقافية وأخري تتناول مجالات الإبداع الثقافي، فأنه ينبغي أن يأخذ التقرير الأولي بعدد من المداخل الأساسية هي مدخل أولي يتعلق بالتكوين الثقافي، ومدخل مؤسسي خاص بالخرائط والبنية المؤسسية والتطورات المتعلقة بها، ومدخل تاريخي يرتبط بتطور الحالة الثقافية علي مدار العقود المنصرمة، ومدخل قانوني يتعلق بالتشريعات الثقافية «الحالية والمستقبلية». وتحدث مسئول وزارة الآثار عن أهمية توعية المواطنين بأهمية الآثار خاصة المحيطين بها، مؤكدا أن هناك إدارات تقوم بعملية التوعية لمن يقيمون بجوار الآثار، لأنها جزء من تاريخهم الذي يجب الحفاظ عليه وليس التعدي عليه، ومسئولو هذه الإدارات المفروض أن يذهبوا إلي تلاميذ المدارس للقيام بذلك، وأشار إلي وجود مدرسة للطفل في المتحف المصري، مطالبا بضرورة التوسع في هذه الأفكار ووضعها علي الخريطة الثقافية في كل مكان. بينما أشار الدكتور علاء عبد الغفار مستشار وزير التعليم إلي اللجنة الوزارية التي شكلها الدكتور حسام عيسي، وتضم 5 وزارات وعملت لمدة 5 أشهر من أجل وضع برامج تنفيذية للأنشطة الثقافية، فضلا عن إشراك نخبة من المثقفين في تطوير المناهج الدراسية بالوزارة، بالإضافة إلي مسرحت المناهج مع البيت الفني للمسرح وتم عمل عدد من المسرحيات منها شجرة الدر وطه حسين، كما بدأنا في دعم عدد من المدارس في 4 محافظات بالصعيد ومحافظة بالوجه البحري، بالآلات الموسيقية وساعدنا في ذلك الفنان هاني مهنا نقيب الموسيقيين، ومنذ حوالي الأسبوع عين الوزير منسقا للتربية الموسيقية بالوزارة. وتوالت الكلمات.. وفي ختام الاجتماع قال الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة، أن المكتبة سيكون لها موقف ثقافي عند إعداد التقرير بصورته النهائية، وأنه سيعبر عن رؤيتها في كيفية دعم العمل الثقافي وحرية التعبير، فنحن نضع خطة عمل من أجل لم شمل المهتمين بالشأن الثقافي في قضايا معينة مثل الهوية والتراث، ومن ناحية يكون لدينا رصد موضوعي لما حدث، ومن ناحية أخري نوجد نقاشا بين الكل، وهذا العمل الجماعي سوف تصدره المكتبة في تقرير نهائي ومن حق الجميع أيضا أن يختلف معه. وإذا كان الاجتماع الأول قد عقد منذ أيام ألا أنه سوف تبدأ المحاضرات وورش العمل خلال الأيام القليلة القادمة في بيت السناري بالقاهرة وكوم الدكة بالإسكندرية وغيرها من المحافظات.