الرئيس اللبنانى ميشيل سليمان وسط متغيرات إقليمية ودولية لم يشهد لها العالم مثيلاً، ربما منذ الحرب العالمية الثانية، تشهد لبنان انتخابات رئاسية ليست الوحيدة ذات الأهمية في المنطقة، فقد شهدت العراق انتخابات تشريعية في الثلاثين من أبريل الماضي فاز بها تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي الذي سيحظي بلا شك بفترة ثالثة في منصبه ويري البعض أن فوز «كتلة القانون» التي يرأسها المالكي قد يكون سبباً في مزيد من العنف في العراق ، وكانت الجزائر آثرت السلامة واختارت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، وستشهد مصر انتخابات رئاسية في السادس والعشرين من مايو الجاري، تليها سوريا في يونيو، ثم تركيا في العاشر من أغسطس، وستنتهي المهلة التي حددها المجتمع الدولي لإيران لتسوية أزمتها النووية في يوليو، والموعد النهائي لتدمير الترسانة الكيماوية السورية مقرر في مايو الجاري أيضاً الذي من المتوقع أن يشهد مؤتمراً ثالثاً في جنيف لمحاولة إيقاف الحرب الأهلية هناك. الغريب أن اللبنانيين متفائلون بتجاوز كل المطبات السياسية السابقة في البلدان المجاورة لبلدهم، ولكنهم غير متفائلين بالأوضاع عندهم، فمن المحتمل أن تصبح لبنان بلداً بلا رئيس في غضون أيام قليلة، بل إن غياب التوافق بين الفرقاء اللبنانيين قد لا يسمح بانعقاد البرلمان اليوم الأربعاء السابع من مايو لانتخاب رئيس جديد للبلاد. المتنافسان الرئيسان في الاستحقاق الذي لا يصوت فيه سوي أعضاء البرلمان هما سمير جعجع الخصم اللدود للنظام السوري ولحليفه الأهم والأبرز في لبنان حزب الله، ومنافسه هو ميشيل عون المدعوم من هذا الأخير، و ما بين الرجلين، جعجع وعون، ما صنع الحداد منذ الحرب الأهلية 1975 إلي 1990 وسوف تنتهي فترة الرئيس الحالي ميشيل سليمان في الرابع والعشرين من مايو الجاري، وفي حال إخفاق البرلمان في جلسته الثالثة كما أخفق في جولتيه الأولي والثانية بتاريخ 23 و30 أبريل الماضي علي الترتيب، فإن لبنان سيبقي بدون رئيس حتي أغسطس وربما سبتمبر المقبل..موقف عاشه بلد الأرز عامي 1988 و2007. في هذا البلد الهش، عادة ما يتم اختيار الرئيس بإرادة قوي دولية وإقليمية، لا سيما النظام السوري الذي فرض وصاية كاملة علي اللبنانيين علي مدي ثلاثين عاماً قبل أن يسحب قواته العسكرية منها عام 2005 ورغم الحرب الأهلية الطاحنة الدائرة في سوريا منذ 3 سنوات فمازال لدمشق القدرة علي أن تدلي بدلوها في الشأن اللبناني عن طريق حلفائها بالداخل، وأبرز نقاط الخلاف بين المعسكر الموالي لسوريا وحزب الله من جهة والمعسكر الموالي للسعودية والولايات المتحدةالأمريكية من جهة أخري، هي تواجد ميلشيات حزب الله داخل سوريا وقتالها جنباً إلي جنب مع قوات الجيش النظامي السوري ضد المتمردين المسلحين الذين يحاولون الإطاحة بنظام الرئيس بشارالأسد. وطبقاً لمراقبين للمسرح اللبناني، فإن غياب التوافق بين الإخوة الأعداء ومن خلفهم عرابوهم الإقليميون، يؤشر علي أن لبنان ستصبح يوم الخامس والعشرين من مايو الجاري بلا رأس سيكون البرلمان اللبناني بصلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية لحين انتخاب رئيس جديد، ويقول هلال خاشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ببيروت لوكالة الصحافة الفرنسية: لا أتوقع أنه سيكون لدينا رئيس جديد بعد رحيل الرئيس ميشيل سليمان، فلا حزب الله سيقبل بسمير جعجع ولا معسكر 14 آذار(المضاد لحزب الله) يمكنه القبول بعون، ولا يبدو في الأفق ما يشير لتوافق سعودي إيراني علي اختيار رئيس جديد للبلاد. في هذا البلد متعدد الطوائف والأعراق، الذي توجد به مساواة بين المسيحيين والمسلمين علي صعيد التمثيل البرلماني، جرت العادة أن يأتي رئيس الجمهورية من طائفة المسيحيين المارونيين، ولكنه بلا صلاحيات فعلية، ومن هنا فإن ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية ليس ملحاً بالنسبة للرياض وطهران. وكان نواب البرلمان أخفقوا في اختيار الرئيس بالجولة الأولي الثلثين، وفي الجولة الثانية التي من المفترض أن يحصل فيها الفائز علي أغلبية النصف +1 ذهب نواب حزب الله لمبني البرلمان ولكنهم لم يدخلوا قاعة التصويت فلم يكتمل النصاب القانوني 86 عضواً. وفي الجولة الأولي من التصويت كانت ذكريات الحرب الأهلية حاضرة، إذ كتب نواب معارضون لجعجع علي بطاقة التصويت أسماء ضحايا قضوا علي يديه، وجعجع هو أمير الحرب الوحيد الذي حوكم علي ما ارتكبه من جرائم، وكان محكوماً عليه بالإعدام عام 1994 قبل أن يخفف الحكم إلي السجن مدي الحياة ثم خرج بعفو عام 2005 وفي مواجهة منتقديه قال جعجع إنه اعتذر مراراً وتكراراً عن أخطاء ارتكبها في الماضي، أما منافسه ميشيل عون فكان قائداً للجيش اللبناني في تلك الحرب وكان يقاتل ضد ميلشيات سمير جعجع من ناحية ويخوض حرب تحرير من ناحية أخري ضد قوات الجيش العربي السوري من ناحية أخري، قبل أن يتم نفيه لباريس عام 1989 وعاد إلي لبنان مرة أخري عام 2005 ولكن توجهاته السياسية تغيرت جذرياً، إذ أصبح حليفاً لحزب الله ومقرباً جداً من النظام السوري. ويتوقع خاشان أنه كما خسر الرجلان الحرب فإنهما سيخسران السباق الرئاسي، ففي لحظة ما سيتوافق السعوديون والإيرانيون علي مرشح ما، سيتستغرق ذلك بعض الوقت، ولكن خيارهما سيكون مرشحا آخر بكل تأكيد.