شهد العالم تطورا هائلا في مجال تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت تدخل في جميع مناحي الحياة وساهمت في تخطي الحدود الوطنية للدول ليصبح العالم قرية صغيرة سواء كان ذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة أو عبر الإنترنت وأصبح لا غني عنها لدي الشعوب ولكن هذا التطور واكبه تحديات عديدة فقد باتت هذه التكنولوجيا بمثابة سلاح ذي حدين يتم استخدامه لأغراض مثل التجسس علي الأسرار العسكرية بل وامتدت أيضا إلي الأهداف الاقتصادية بهدف الحفاظ علي التفوق الصناعي، فضلا عن اتهامات باستغلالها في إثارة الاضطرابات والقلاقل داخل دول بعينها خدمة لأهداف سياسية تحركها الدول الكبري وفقا لرؤيتها الخاصة. ولعل أبرز دليل علي هذه الآراء هو اتهامات الولاياتالمتحدة للصين بالتجسس حيث تتهم إدارة أوباما الصين بالتجسس علي الشركات الأمريكية وأنها تدعم القرصنة لتحقيق مكاسب مالية ولكن الولاياتالمتحدة نفسها لم تسلم من هذه الاتهامات علي ضوء ما تم اكتشافه عن أنها تعمل في مجال التجسس لإسباب لا تتعلق بالأمن أو مكافحة الإرهاب، لكن من أجل دعم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وفي أعقاب هذا الاكتشاف بدأت الضغوط تتزايد في أوروبا من أجل بناء أنظمة اتصال آمنة عبر الإنترنت أو بناء شبكات مستقلة تماما من أجل مواجهة التنصت.. ومن ناحية أخري فهناك اتهامات تواجه للولايات المتحدة باستغلال تكنولوجيا المعلومات حيث قامت الأخيرة بالتخطيط لإقامة شبكات للتواصل الاجتماعي عبر عدة بنوك بغرض تقويض الأنظمة وتأجيج الاضطرابات في بعض البلدان ومن بينها كوبا. بداية.. أشار محمد الزواوي مدير وحدة العلاقات الدولية في المركز العربي للدراسات الإنسانية إلي أن القوي الكبري تستخدم التقنية من أجل تحقيق أهداف أمنها القومي، كأحد مصادر القوة الشاملة للدولة، حيث بالإضافة إلي سيطرتها علي السلاح والاقتصاد والتصنيع والتجارة الدولية، فإن التفوق التقني هو الذي يوفر لها استمرار تفوقها الشامل، حيث عرف روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الأمن القومي بأنه التطور والتنمية في ظل حماية مضمونة، وهنا فإن التنمية لا يجب أن يصاحبها التطور في كافة المجالات ومن ثم الحفاظ علي المسافة مع أقرب المنافسين في المجالات الاستراتيجية، وهنا تأتي تقنية المعلومات التي أصبحت بمثابة البعد الرابع للعالم الذي نعيش فيه، فشبكات المعلومات والحاسبات العملاقة وخطوط الربط الكهربائي أو في محطات السكك الحديدية وغيرها كلها تعتمد علي تقنية المعلومات علي شبكات الإنترنت والتي تعمل أغلبها بتقنيات وأنظمة تشغيل غربية ومن هنا تستطيع تلك القوي أن تضع ما تريده من ثغرات للنفاذ إليها عند الحاجة، مع إمكانية مراقبة شبكات الإنترنت والهواتف النقالة كوسيلة أساسية من وسائل جمع المعلومات عن الدول الأخري. كما أضاف أن هناك ما يسمي بالدبلوماسية الشعبية، والتي تعرف بأنها التواصل مع الشعوب الأجنبية لإنشاء حوار مخصص لبث معلومات لهم أو التأثير فيهم وهي استخدام الولاياتالمتحدة لما تحت يديها من وسائل شعبية وثقافية وقوة ناعمة من أجل الترويج لأهدافها ومصالحها في العالم، ولذلك جاءت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أداة لذلك، بالرغم من أنها قد لاتكون مقصودة في البداية، ولكن تلك الابتكارات التي قام بها شباب مثل مارك زوكربرج مؤسس الفيسبوك الذي كان في أوائل العشرينات من عمره آنذاك، أحدثت نقلة هائلة في تبادل المعلومات والتواصل المجتمعي، ومن المعروف أن حرية التعبير كانت محدودة بصورة كبري في العالم العربي قبل وسائل التواصل الاجتماعي تلك، لذا فإنها عملت بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتحقيق بعض أهداف الدول الكبري التي كانت تريد نشر الديمقراطية من أجل منع بزوغ الإرهاب نتيجة الحكومات المستبدة في تلك الدول، وبينما كانت تجربة احتلال العراق غير مثمرة في نشر الديمقراطية، فإن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت أن تعطي الشباب قدرة علي الحراك المجتمعي والتشبيك بأعداد هائلة علي صفحات وصل متابعوها إلي ملايين، ولهشاشة البنية الديمقراطية في تلك البلدان وضعف مستويات التعليم والفهم لمبادئ السياسة فإن الأمور خرجت عن السيطرة وأدي الربيع العربي إلي حالة من الاستقطاب السياسي. ومن المعروف ان الشائعات هي واحدة من وسائل الحروب الحديثة وأن هناك مصطلحا في الحروب يسمي احروب الأشباحب والذي ظهر بعد كتاب بنفس الاسم للمؤلف الأمريكي ستيف كول ويتحدث فيه عن العالم السري للاستخبارات الأمريكية وكيف تستطيع التأثير في مجريات الأمور للبلدان المستهدفة، ولذلك فإن الشائعات تعد وسيلة أساسية للتحكم في الجماهير لاسيما في حالة السيولة السياسية وانفراط عقد الدولة، كما ان هناك استراتيجيات للتأثير علي الجموع وتحريكها عن طريق بعض الأفراد الذين يطلقون الشائعات وتسير الجموع خلفها كما أن الدول لم تعد مسيطرة بصورة كاملة علي ما يمكن تسميته الفضاء العام بكل مايبث فيه من حقائق وإشاعات.
في ذات السياق أوضح الباحث السياسي صلاح لبيب أن حالة الفوضوية في مجال المعلومات موجودة في الدول الشمولية بصورة كبيرة بسبب طبيعة تلك الدول التي تنحو منحي السيطرة علي تدفق المعلومات وعدم إتاحتها لشعوبها متزرعة بمصطلحات علي شاكلة الأمن القومي وغيرها وهنا من الضروري نقل تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال والتي سعت إلي تنظيم عملية تدفق المعلومات وسهولة الحصول عليها عن عملية من التقنين في إطار سياسة ديموقراطية تحكمها فقد أتاحت العديد من البلدان الديمقراطية حرية وصول المعلومات الي المواطن العادي وكذلك بالنسبة لوسائل الإعلام وهذا ساهم إلي حد بعيد في التقليل من التأثيرات السلبية والحروب النفسية التي قد تخوضها دولة معادية لها. كما أشار إلي أن الشبكات الاجتماعية وغيرها من وسائل التواصل عبر الإنترنت تجعل من المواطن الفرد هو اللاعب الرئيسي في المعادلة حيث إن المواطن انتقل عبر هذه الشبكات من مرحلة المتلقي وغير المؤثر نسبيا إلي مرحلة أصبح فيها مؤثرا في العملية السياسية والاجتماعية في بلاده.