كانت زيارتنا لمتحف بنك مصر من أروع الزيارات الميدانية التي قمنا بها ضمن الدورة المتحفية التي نظمها بيت السناري مع الأيكوم (المجلس الدولي للمتاحف)، والفضل يعود للفرسان الثلاثة القادمين من المكتب الفني للإدارة العليا، المسئولة عن توثيق تراث البنك وأعمال المتحف والمكتبة، فقد عرضوا علينا زيارته بعد أن رفض متحف الحضارة الذي كان من المفروض أن نقوم بزيارته في الأسبوع الأول من الدورة، وهؤلاء الفرسان أصبحوا أربعة بمجرد وصولنا إلي الدور ال18 في برج بنك مصر بشارع محمد فريد بوسط القاهرة، فقد انضم إليهم أشرف البطران مديرهم، وبعد أن قاموا جميعا بتقديم كرم الضيافة، طلبوا منا أن ننزل سريعا لدخول المبني الأثري للبنك قبل إغلاقه، الذي يرمم حاليا من جانب وزارة الآثار ولكن علي حساب البنك، ويضم في الدور الأول المتحف الذي افتتح في عام 2011 وقد نزل معنا المدير أشرف البطران وبقي في استقبالنا مع كل العاملين في المتحف بل وفي الفرع الرئيسي، أما الفرسان الثلاثة وزملاؤنا في الدورة فقد بدأوا يوزعون الأدوار عليهم، فالفارس الأول أشرف الشريف نائب مدير إدارة بالمكتب الفني، أخذ علي عاتقه أن يكون مرشدا للمجموعة، أما الفارس الثاني سامح حسن وهو محاسب في البنك فقام بعملية التصوير ولا مانع من شرح بعض المعروضات، بينما الفارس الثالث هيثم فاروق رئيس قسم بالمكتب الفني والمكتبة، فقد حرص علي أن يسبقنا إلي غرف المتحف للوقوف علي أن كل شيء علي مايرام . وبمجرد دخولنا البهو الرئيسي للمقر، وقف الجميع مشدوهين من روعة التصميم المعماري الذي قام به المهندس الإيطالي أنطوان لاشاك، صاحب العديد من التصميمات الهندسية لمبان تاريخية بالقاهرة والإسكندرية، ويتوسط هذا البهو تمثال نصفي لطلعت حرب، وفاترينات بها بعض المقتنيات الخاصة بابن حرب أهدتها بناته وأحفاده للمتحف منها منشة لها يد خشبية تنتهي بشعر حصان طبيعي وعصا خشبية يدها مزينة بنقوش من الذهب تمثل الحروف الأولي من اسم محمد طلعت حرب بالإنجليزية MTH وهنا حصلت المفاجأة حيث قام الفرسان الثلاثة بفتح فاترينة العرض الزجاجية وأخرجوا المنشة والعصا، وأخذت المجموعة في تناولهما والتقاط صور تذكارية وهم يمسكونهما، وبعد أن قاموا بذلك أسف الجميع، فقال لنا الفرسان نحن في الدورة المتحفية أخذنا معلومة أن المتاحف ستكون بلا حواجز حتي ولو كانت زجاجية، فأردنا أن تخوضوا تجرية لمس الأثر أو المعروض، وهذه أول مرة نقوم بذلك لأننا نعلم أنكم زوار غير عاديين، وهنا ذكر أشرف الشريف اسم سيدة لها الفضل في وجود المقتنيات الشخصية والخاصة لابن حرب وهي عنايات محمود شبند جامعة تراثه وكانت مديرة الإدارة العامة ببنك مصر وتوفيت قبل افتتاح البنك بأيام قليلة وكذلك ابنها علاء الغضبان الذي توفي يوم الافتتاح والذي كان مدعوا لحضوره من أجل تكريم أمه علي الدور الجليل الذي قامت به، ثم تجولنا في غرف المتحف، وقد قال أشرف البطران إن البنك كان حريصا علي التوثيق الإلكتروني لكل ما تم جمعه من تراث خاص بالبنك وكذلك طلعت حرب علي مدي مائة عام وذلك من خلال قاعدة بيانات آلية ومجموعة متنوعة من برامج الوسائط المتعددة تتيح للزائرين والباحثين للمتحف التعرف علي تاريخ البنك والاطلاع علي صور وثائقية وتسجيلات صوتية نادرة من خلال بانوراما تاريخية وفيلم تسجيلي وفقرات من الجريدة السينمائية عن ابن حرب وبنك مصر وشركاته وبرامج إلكترونية لمقتنيات المتحف. أما أول غرفة بالمتحف فهي حجرة مكتب طلعت حرب وتحتوي علي مكتبه إلي جانب منضدة اجتماعات صغيرة، يواجه المكتب برجان خشبيان بواجهة زجاجية، يضم الأول ساعة أثرية بالبندول أما الثاني فضم ميزانا لقياس الحرارة والضغط الجوي، ويتوسطهما أريكة منجدة بالقطيفة، ويعلوها قطعة من كسوة باب الكعبة المشرفة المهداة من العاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود إلي ابن حرب عام 1937 (وكان قد قام بأعمال جليلة في السعودية منها بناء بنك لمصر وفندق للحجاج وتسيير باخرتين لنقل الحجاج بين مصر والحجاز هما زمزم و الكوثر)، بينما غرفة العملات وشركات البنك الأولي فهي تضم مجموعة من الصور التذكارية النادرة لعدد من هذه الشركات منها صورة لسيارة شركة مصر لمصايد الأسماك ومكتوب عليها توصيل الطلبات للمنازل، وهنا قال أشرف الشريف يعني طلعت حرب سبق كل خدمات الديليفري في مصر! وقد أعجبني صورة طائرة لشركة مصر للطيران فوق أهرامات الجيزة وصورة أخري لمقر بنك مصر في فرنسا. وقد شاهدنا نسخة أصلية من مجلدات وصف مصر (13 مجلدا) موضوع جزء منها علي مكتب وهنا تبرع الجميع بفتح المجلد الأول لمشاهدة أول خريطة لمصر، وأخذ الكل في تصويرها، ونحن أيضا أول زوار للمتحف يفتح لهم مجلد منها، فهي بحق زيارة خاصة جدا. أما العملات التذكارية فهي التي صدرت في مناسبات مختلفة منها مايخص بنك مصر وطلعت حرب، إلي جانب مجموعة قيمة من العملات النادرة (مصرية وعربية وأجنبية) التي يرجع تاريخها إلي فترات زمنية مختلفة، وهناك عدد من طوابع البريد التذكارية إهداء من عنايات شبند خاصة بابن حرب وباليوبيلين الذهبي والماسي للبنك. وفي غرفة الوثائق التاريخية والمؤلفات وجدنا مجموعة من فاترينات العرض تضم مقتنيات خاصة بالبنك وأخري تخص طلعت حرب من أهمها مؤلفاته (كلمة حق عن الإسلام والدولة العثمانية، تاريخ دول العرب والإسلام وكتاب تربية المرأة والحجاب وآخر عن فصل الخطاب في المرأة والحجاب وكتاب بالفرنسية عن أوروبا والإسلام وآخر بنفس اللغة عن مدرسة التجارة والتعليم التجاري في مصر وكتاب عن قناة السويس وأخيرا كتاب عن علاج مصر الاقتصادي ومشروع بنك المصريين أو بنك مصر عام 1911). كما يضم المتحف مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة التي تسجل مناسبات ولقاءات تاريخية هامة لطلعت حرب في مصر وخارجها في مناسبات مختلفة ومعظمها مهداة من ابنته هدي وحفيدته آمال نور ومنها صورة نادرة له بالبيجامة في غرفة نومه. ولم تنته زيارتنا لمتحف بنك مصر عند هذا الحد ولكن قمنا بالنزول إلي الطابق الأرضي وقمنا بزيارة أماكن غير مسموح علي العملاء النزول إليها إلا بشروط معينة وشاهدنا التاريخ المستور للبنك الذي لايعرفه إلا القليلون ممن يعملون في البنك.. وقد صعدنا إلي المتحف مرة أخري وسجلنا أسماءنا في دفتر الزيارة وكتب الدكتور محمد حسني كلمة باسمنا جميعا، ولم يكتف الزملاء بهذه الزيارة الخاصة جدا، بل طالبوا بأخذ صورة جماعية في بهو المقر الرئيسي للبنك ووراءنا تمثال طلعت حرب شاهدا علي زيارتنا.. ولا يفوتني أن أذكر أنه في نفس الشهر من 94 عاما، صدر المرسوم السلطاني بتأسيس بنك مصر كشركة مساهمة، وبعدها بعشر سنوات وفي نفس هذا الشهر صدر مرسوم ملكي بتأسيس شركة مصر لتصدير الأقطان ومركزها الرئيسي عمارة بنك مصر بالإسكندرية بشارع استامبول.. أما قصر طلعت حرب في العباسية فقد تحول إلي كلية التربية النوعية كما قال لي أشرف الشريف وبه مسرح لأم كلثوم احترق بالكامل والبنك يقوم حاليا بدراسة من أجل ترميم القصر والمسرح علي حسابه الخاص، فهو من تراث طلعت حرب الذي يجب الحفاظ عليه، وبعد انتهاء زيارتنا للمتحف خرجنا من الباب الخارجي للبنك، بعد أغلق بابه الأمامي أمام العملاء بساعات، فهذا المقر لايزال يستقبلهم لإجراء معاملاتهم الحسابية، والذي نرجو من القائمين علي البنك أن يتحول هذا المبني التاريخي بالكامل إلي متحف تقام فيه أحداث وأنشطة تخدم المجتمع.