أقامت لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلي للثقافة منذ أيام ندوة تحت عنوان »أضواء علي فكر العقاد «.. والعقاد حفر اسمه في سجل الخلود بما أضافه للفكر العربي من عمق وأصالة، وبما كتبه كشاعر عن انطباعه عما يري في فنه وفي دنيا الناس من أحداث ومشاعر. ويظل العقاد قامة عالية في عالم الفكر، ومازلت متعلقا بفكره، ومازلت أعاود قراءة كتبه وخاصة في الإسلاميات عندما يصفو الذهن ويحاول أن ينطلق إلي رحاب أوسع وأعمق. ومن أجمل كتب العقاد كتابه ( أنا ) وهو سيرة ذاتية عن حياته، وكيف بدأ القراءة وكيف تفتحت عيناه علي الحياة كما يتحدث فيه عن تجارب حياته وما مر به في واقع الحياة، إلي أن أصبح التعبير عن كل ذلك هو حياته. ومن أجمل فصول هذا الكتاب ماكتبه عن إيمانه وقوله:»أؤمن بالله.. أؤمن بالله وراثة وشعورا وبعد تفكير طويل.. فأما الوراثة فإني قد نشأت بين أبوين شديدين في الدين لايتركان فريضة من الفرائض اليومية، وفتحت عيني علي الدنيا وأنا أري أبي يستيقظ قبل الفجر ليؤدي الصلاة.. ويبتهل إلي الله بالدعاء، ولايزال علي مصلاه إلي مابعد طلوع الشمس، فلا يتناول طعام الإفطار حتي يفرغ من أداء الفرض والنافلة وتلاوة الأوراد. ويري أن الإيمان بالشعور فذاك مزاج التدين، ومزاج الأديب والفن يلتقيان في الحس والتصور والشعور بالغيب، وربما كان وعي الحياة، شعبة من (وعي الكون) أو من الوعي الكوني الذي يتعلق به كل شعور بعظمة العالم، وعظمة خالق العالم والوعي الحيوي مصدر النفس والوعي الكوني مصدر الدين. ويتحدث عن إيمانه بعد تفكير طويل، ويفند حجج الماديين ويري أن القول بالارتقاء الدائم عن طريق المصادفة، زعم يهون معه التصديق بالخرافات وخوارق العادات في تركيب الأجسام أو الأحياء.. ويقول: »والقول بأن المادة تخلق العقل كالقول بأن الحجر يخلق البيت، وأن البيت يخلق الساكن فيه، وأيسر من ذلك عقلا بل ألزم من ذلك عقلا أن يقال إن العقل والمادة موجودان، وأن أحدهما يسبق الآخر ويخلقه هو العقل، لأن المادة لاتوجد ماهو أفضل منها،وفاقد الشيء لايعطيه. فأنا أؤمن بالله وراثة، وأؤمن بالله شعورا، وأؤمن بالله بعد تفكير طويل«. و..ماأجمل وأعمق تحليلات هذا العبقري الذي عاش من أجل إثراء الحياة،وسوف يظل ذكري جميلة خالدة، مابقي هناك حياة.