فى نهاية هذه الجولة الرمضانية المباركة، أستعيد أهم ما استفدته من العقاد، وهو أننى أقمت إيمانى بالإسلام على أسس عقلية واضحة قابلة للنقل والتكرار، وهذا هو جوهر التفكير العلمى كما يعرّفه الفلاسفة والمفكرون. شكرا للعقاد الذى نقلنى من الإيمان بالوراثة إلى الإيمان عن اقتناع. إيمان لا موضع فيه للخوارق والمعجزات، لأننى بصراحة لا أحتاج إليهما. أؤمن بالإسلام لأن القرآن هو الكتاب الوحيد على ظهر الأرض الذى قدم لى الصورة المتكاملة للإله الخالق، والتى لهثت البشرية وراءها بدلا من إله يحب رائحة الشواء ويتمشى فى ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها، يصارع عباده ويصرعونه، ويصحح تهاويم الفلاسفة الذين تخبطوا فى صفات الخالق فتصوروه كمالا مطلقا لا يعمل ولا يريد ولا يهتم بالخلق. باختصار كمال مطلق يوشك أن يكون والعدم سواء. لا يمل العقاد ولا يكل من تذكيرنا بالتوحيد: أكمل عقيدة فى العقل، وأجمل عقيدة فى الدين، خالق واحد، لا أول له ولا آخر، قدير على كل شىء، عليم بكل شىء، محيط بكل شىء، ليس كمثله شىء. وعالم مخلوق، خلقه الله، ويرجع إلى الله، ويفنى - كما يوجد - بمشيئة الله.. وحسبنا أن نفتح المصحف الشريف لنرى أروع وأكمل وأجمل صورة عرفتها الإنسانية لتنزيه رب العالمين، فهو الأحد الصمد، «لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد»، وهو «الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شىء عليم»، «كل شىء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون» وهو «خالق كل شىء»، «والله بصير بما تعملون»، «وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب»، «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير». عقيدة خالصة نقية يتفرد بها الإسلام، درته الغالية التى يباهى بها الأديان الأخرى فى مجال الموازنة فى عالمى النفس والضمير. أؤمن بالإسلام لأنه نقّى النبوة من أخلاط السحر والكهانة والغرائب والأعاجيب. جاء محمد بشرا كسائر البشر لا يعلم الغيب، لا يملك خزائن الأرض، لا يعرف صناعة الخوارق والمعجزات، لا يستطيع دفع السوء عن نفسه فضلا عن قومه، فالأمر كله لله. أؤمن بالإسلام لأن الكون فى القرآن حى مأنوس ساجد لله (.. وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) «الإسراء - 44» ولا تكاد تنتهى آيات القرآن التى تلفت الأنظار لآيات الكون وتربط الإنسان به. أؤمن بالإسلام لأنه حرّر الإنسان من الخطيئة الموروثة فلا أحد يهلك بالميلاد أو ينجو بالميلاد أو يحمل عبء ذنب لم يرتكبه.. مكلف أمام خالقه بما يستطيع وسينال جزاءه بالعدل، وفوق العدل الإحسان.. هذه هى الجواهر المعرفية التى قدمها لنا، جواهرنا الحقيقية التى طال إهمالنا لها، والعقيدة الوجدانية التى أقام بها الإسلام عرش الضمير