من جملة أكاذيب اللادينيين أن الإيمان يسير على طريقة أن أقتنع بالشىء أولا، ثم أبحث لنفسى بعدها عن مبررات لهذا الاقتناع. فنحن - فى زعمهم - لا نستطيع أن نواجه الحقيقة ونخشى على سلامنا النفسى من الاضطراب فى حالة عدم الإيمان. وهو زعم ليس صحيحا على الإطلاق. فأنا- على سبيل المثال- قرأت كل مطاعنهم على الإسلام بعقل متحرر وقلب مفتوح. قرأتها ببطء وعناية وهدوء. ووجدت بالفعل أشياء لا أستطيع تفسيرها، ولم أجد غرابة فى ذلك فقرآنى يُقرر أن هناك آيات محكمات وأخر متشابهات، وفوضت أمرى إلى الله فيما لم أفهمه. لكنى فى الوزن النهائى لما قرأت وسمعت وجدت أسباب إيمانى أقوى بكثير من أسباب الرفض. ووجدتنى مستريحاً لهذا الدين، بإيمان عقلى صرف، لا موضع فيه للخوارق والمعجزات، ولا يحتاج حتى لما يسمونه الإعجاز العلمى فى القرآن، إيمان يقوم على أسس واضحة، تقبل النقل والتكرار. أؤمن بالإسلام لأنه قدّم لى الصورة المتكاملة للإله الخالق التى لهثت البشرية وراءها. إله واحد أحد،( ليس كمثله شىء)، ملك الناس إله الناس( الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى. وَالَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى). خالق الموت والحياة (واحد بلا شركاء)، (لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد). متكامل الصفات (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)، يعرف كل شىء (وسع ربنا كل شىء علماً)، ولا يأخذ أحدا بذنب أحد (ولا تزر وازرة وزر أخرى). عالم الغيب والشهادة، وهو (بكل خلق عليم). أؤمن بالإسلام لأنه قدم أروع صورة للنبى. رجل ليس بساحر ولا بكاهن ولا مجنون، ولكنه إنسان كسائر الناس.لا يعلم الغيب. لا يملك خزائن الأرض «قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنى ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلى». لا يستطيع دفع السوء عن نفسه فضلا عن قومه «قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله» فالأمر كله لله «ليس لك من الأمر شىء». لا يعرف صناعة الخوارق والمعجزات فيقول لمن يطالبه بها « سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ؟». بل حينما أتته المعجزة طائعة بكسوف الشمس وقت دفن ابنه إبراهيم وتهامس المسلمون أنها كسفت حزنا عليه، لم ينسه الحزن أمانة الهداية للمؤمنين فبادرهم بقوله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسف لموت أحد ولا حياته. وكان بوسعه أن يسكت فلا ينكرها ولا يدّعيها. أؤمن بالإسلام لأنه حرّر الإنسان من الخطيئة الموروثة، فلا أحد يهلك بالميلاد أو ينجو بالميلاد أو يحمل عبء ذنب لم يرتكبه. مُكلّف أمام خالقه بما يستطيع وسينال جزاءه بالعدل، وفوق العدل الإحسان. أؤمن بالإسلام لأنه يُنوّه بالعقل، ويُعوّل عليه فى أمر العقيدة والتكليف. ولا يذكره إلا فى مقام التعظيم والتنبيه على أهمية الرجوع إليه، لذلك تكررت فى القرآن عبارات مثل «أفلا تعقلون.. لعلكم تتفكرون.. أفلا تبصرون.. لعلهم يتذكرون» بشكل لافت للنظر. وهذه المعانى الرفيعة- التى أشرت إليها فى حدود مساحة مقال- جاء بها رجل أُمّى مهنته التجارة والرعى، فى صحراء بلا حضارة منذ ألف وأربعمائة سنة، حينما كانت تفسيرات الكون خرافية، ولو كتبه محمد حسب ثقافة عصره لوقع فى أخطاء فادحة، ليس فى كل صفحة بل فى كل سطر. فهل من العدل أن يزعم اللادينيون أننا نخدع أنفسنا لأننا نخشى مواجهة الحقيقة ونخاف على سلامنا النفسى من الاضطراب. وإذا كان لابد من خادع ومخدوع، فبالله عليكم من يخدع من؟!