الشرف.. أسهل شيء يمكن الطعن فيه، خصوصا إن كنتِ امرأة، وتعملين في مهنة تمس قطاعا كبيرا من البشر، كما حال الممرضات، اللاتي يتعرضن إلي التشويه رغم رسالتهن السامية التي جعلتهن يلقبن ب «ملائكة الرحمة»، وقيامهن بأكبر الأدوار في المستشفيات، فهن علي خط المواجهة مع الأمراض والعدوي، ورغم ذلك يتم سبابهن والاعتداء عليهن لا للتقصير - في الغالب- بل لأنهن ممرضات. الأكثر من ذلك أن الرجال يرفضون الزواج من ممرضة، بسبب زيها المعلن للجميع، وعملها في بيئة مختلطة، وجرأتها المرتبطة بطبيعة عملها، ورؤيتها لأجزاء من أجساد المرضي بحكم طبيعة عملها ولابتسامتها في وجوههم، ولأنها تطرق الأبواب ليلاً لتنقذ روحا أو متألما، ما يجعل مجتمعنا الشرقي الذكوري يعتقد أنها تقيم علاقات غير شرعية! وساعد علي ترويج هذه الصورة الدراما والأفلام، فبعد أن كانت سينما الأبيض والأسود تظهر الممرضة علي أنها الفتاة الراقية بنت العائلة، تظهرها الآن الشاشات الملونة في صورة تسيء لمهنيتها وسلوكها، فعلي سبيل المثال لا الحصر، كان مسلسل الفنانة غادة عبدالرازق «زهرة وأزوجها الخمسة» قد أشعل غضب الممرضات مؤخراً، إذ جسدت الفنانة دور ممرضة تستغل وظيفتها في التربح بأي شكل، بحيث تستبيح سرقة الأدوية وبيعها في السوق السوداء، كما قدمت أشياء غير أخلاقية تتنافي مع تقاليد مهنة التمريض. وأيضاً فيلم الفنان خالد الصاوي العبيط والحرامي، والذي جسدت فيه الفنانة روبي دور ممرضة تقوم بالمشاركة في عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية، ما أثار استياءهن، ودفعهن إلي تقديم بلاغات إلي النائب العام بعدم عرض المسلسل والفيلم، كما نظموا وقفات احتجاجية تندد بتشويههن. كل هذا التشويه أدي إلي قلة إقبال الفتيات علي الالتحاق بالمهنة، ما أدي إلي حدوث عجز كبير في الممرضات، وقد أعلنت وزارة الصحة أن العجز في أعداد التمريض تجاوز 40 ألف ممرضة علي مستوي الجمهورية، بالإضافة إلي تراجع العرض علي الممرضة المصرية والاتجاه إلي الممرضات الأجنبيات كواجهة اجتماعية بعيداً عن الشبهات. وأوضحت هويدا مراد، الممرضة بمستشفي الكلي والمسالك البولية بميت غمر، كم المعاناة التي يعشنها، قائلة: «المرضي والمجتمع لا يعتبرون ما نقدمه خدمة صحية لهم، بل يعتبروننا خدامات وشغالات لديهم، ما يعطيهم الحق بالاعتداء علينا بالضرب والإهانة، ورغم ذلك لا تتقاضي الممرضة مرتبا يناسب خدمتها والانتهاكات التي تتعرض لها، والذي يصل إلي 1500 جنيه في المستشفيات الحكومية، ماجعل أغلبنا لا يفتخر بانضمامه إلي مهنة التمريض، وعندما يسأله أحد عن عمله يكذب أو لا يرد». وروت هويدا أن إحدي زميلاتها الممرضات تم الاعتداء عليها من أم مريضة، بسبب مغادرة طبيب الجراحة قبل الاطمئنان عليها وإخبارها أن ابنتها تلقت كل العلاج، وعندما أبلغنا الشرطة، اكتشفنا أن والد المريضة ضابط شرطة وقدم في الممرضة بلاغا يتهمها فيه بالاعتداء عليهم، ولولا تدخل المستشفي كان «زمنها محبوسة»، متسائلة: «بعد كل ذلك هل ستتعامل الممرضة مع المرضي بطريقة أفضل.. وهل ستقدم خدمتها بضمير؟». وتابعت: كل الممرضات يعرفن الانتكاسة التي مرت بها المهنة خلال العقود الماضية؛ فبعد أن كانت مهنة الطبقات العليا وبنات الباشوات، صارت تأخذ من الطبقات الوسطي والبيئات المتدنية، بالإضافة إلي وقوعهن في أخطاء أثناء التمريض قد تضر بحياة المريض، جعل التشويه حاضراً طيلة الوقت، كما لا أستطيع الإنكار أن المهنة تضم ممرضات سليطات اللسان ويسئن إلينا جميعاً، ما دفع الكثير من المستشفيات إلي الاستعانة بالممرضات الأجنبيات ك«واجهة مشرفة»، واللاتي تجبرن المرضي علي احترامهن، وذلك بأضعاف مرتب الممرضة المصرية. ووفقا لإحصاءات وزارة الصحة لعام 2012، تستعين المستشفيات الخاصة ب6 آلاف ممرضة أجنبية، والمثير للقلق أن 90% من الممرضات المصريات من خريجي مدرسة الثلاث سنوات، أي دبلوم التمريض، والباقي خريجو المعاهد العليا التي تعطي درجة البكالوريوس. وشرحت هويدا ل «آخر ساعة» من أين جاء اتهام أن الممرضة فتاة ليل: « بعض البيوت تطلب ممرضات، وهذا طبيعي بسبب احتياج بعض الحالات لمتابعة مستمرة، لكننا في مجتمع شرقي، والممرضة في الأول والآخر واحدة ست.. وهم يرون أن «الست ست»، لا يجب عليها أن تذهب إلي بيوت الغرباء أو تتحدث مع الرجال، لذلك اعتبروها سيئة الأخلاق وفتاة ليل»، موضحة أنها ترفض الذهاب إلي البيوت خصوصا أنها متزوجة، وتعمل في مستشفي حكومي ترفض ذلك المبدأ، كما أنها لا تأخذ أي أجر مقابل خدمة إضافية، وأن راتبها يصل إلي 1500 جنيها، رغم أنها حاصلة علي دبلومتين وزمالة في التمريض، وترفض السفر إلي السعودية للعمل هناك بعشرة أضعاف راتبها لأنها لا تفضل الغربة. بينما شددت هناء السيد، إحدي ممرضات مستشفي الساحل التعليمي، علي ضرورة مطالبة كل الممرضات بحقوقهن الضائعة وتحسين صورتهن، لأن قلة الوعي هي التي أوصلتهن إلي ذلك، خصوصاً أن أغلبهن يتعرضن إلي تهديدات من المستشفيات العاملين بها بالفصل والتحقيق معهن حال مطالبهن بأي شيء، قائلة: «يجب أن نكون يداً واحدة حتي نحصل علي حقوقنا، وألا نخضع لسياسات الخوف والتهديد». مطالبة وزارة الصحة بعمل دورات تدريبية للممرضات، وأن يكون هناك مستشفيات خاصة بالممرضات لعلاجهن، وزيادة بدل العدوي. كل هذه المشاكل التي تواجه الممرضة، جعلت الكثيرات من طالبات التمريض يعزفن عن الالتحاق بالمهنة، فتقول الباحثة مني محمد خريجة إحدي كليات التمريض، إن صورة الممرضة في الدراما وما تتعرض له في الواقع جعلني أرفض العمل كممرضة، للحفاظ علي سمعتي، وحرصت علي التفوق في الدراسة كي لا أقابل مريضا أو أعمل تحت يد طبيب، والآن أنا مدرس مساعد، أسعي إلي الارتقاء بالمناهج التعليمية وتأهيل الممرضات نفسياً وتصحيح صورتهن عند المجتمع. وأضافت أن الصورة السلبية عن الممرضة جعلت الأسر تعزف أيضا عن إلحاق بناتها بمعاهد التمريض، مما أدي إلي وجود عجز شديد في أعداد الممرضات بالمستشفيات، في وقت تتزايد فيه معدلات البطالة في مصر، لافتة إلي أنه في أقسام الطوارئ والاستقبال لا يوجد سوي اثنتين تواجهان العشرات من الحالات بمفردهما، كذلك في غرفة الحقن الطبية لا توجد سوي ممرضة واحدة فقط تواجه بمفردها هذا الوضع السيئ، بسبب هروب نسبة كبيرة من الحاصلات علي دبلوم تمريض والالتحاق بالمعاهد العليا بسبب ضغوط ومتطلبات المهنة.