في اللقاء الخامس والأخير الذي عقد بين الرئيس عبدالناصر وقادة الاتحاد السوفييتي في 29/ 6/ 1970.. كانت مطالب عبد الناصر واضحة ومحددة: إمدادنا بأجهزة الحرب الإلكترونية المتطورة، والقاذفات الثقيلة واستكمال شبكة الدفاع الجوي بالصواريخ للدفاع عن صعيد مصر خاصة أسوان لحماية السد العالي.. بالإضافة إلي بعض المعدات والتجهيزات التي سوف يقررها الماريشال جريتشكو مع الفريق أول محمد فوزي. وفي اليوم التالي عُقد اللقاء الثاني وبدأه الماريشال جريتشكو بتهنئة الرئيس عبدالناصر بنجاح قوات الدفاع الجوي في اليوم السابق في إسقاط 13 طائرة منها 6 فانتوم وأسر 9 طيارين.. ثم قرأ الرئيس برجينيف قرار القيادة السوفيتية بالاستجابة لمعظم الطلبات المصرية.. والتي يصل ثمنها - بتقديرات وقتها وكما يذكر الفريق أول محمد فوزي إلي نحو 400 مليون دولار تقرر تخفيضها عند الدفع بما قيمته 50% وأن الأسلحة والمعدات الإلكترونية سوف تصل إلي مصر طبقا لجدول زمني تم الاتفاق عليه بين الجانبين.. أما باقي الأسلحة والمعدات فسوف يكتمل وصولها قبل نهاية عام 1970.. أما عن الطائرات قاذفة القنابل (ت ي 16 س) فيحسن تأجيل إرسالها حاليا لأنه قد يسبب مضاعفات دولية.. وكانت المضاعفات كما علم الوفد المصري هي الخشية من إمداد أمريكا لإسرائيل بأسلحة تؤثر علي منظومة الدفاع الجوي المصري وفي ذلك قال الفريق أول فوزي: كنت قد اتفقت مع الماريشال جريتشكو في موسكو علي تجهيز مطاري أسوان ووادي سيدنا لاستقبال لواء جوي قاذف ثقيل مكون من 10 طائرات «ت ي 16 س»، كما أتفقت معه علي تفصيلات تمركز وإدارة عمليات هذا اللواء مع تحديد الأهداف المقصودة داخل إسرائيل بعد معرفة بعض القيود الخاصة بهذه الطائرة. ونفذ السوفييت تعهداتهم بكل دقة - كما يذكر الفريق أول محمد فوزي - وتم إمداد القوات المسلحة المصرية بنظام كامل لأجهزة الحرب الإلكترونية المتطورة لمنطقة القناة وأخري للمنطقة المركزية.. كما تم توريد لواء كامل سام 6 بأطقم سوفيتية وأجهزة نيرانه الإلكترونية، وأجهزة رادار إنذار وتوجيه خاصة به.. ووصل هذا اللواء كاملا بأفراده السوفييت إلي أسوان للدفاع عن السد العالي وخزان أسوان ضد هجوم طائرات العدو متوسطة الارتفاع والمنخفضة.. كما تم توريد 4 طائرات ميج 25 حديثة.. وهي أول مرة تصل إلي مصر لدعم الاستطلاع التعبوي والاستراتيجي لقدرة هذه الطائرات علي الاستطلاع علي ارتفاعات عالية جدا وقد تمركزت في قاعدة غرب القاهرة. توريد معدات العبور كما أمدنا السوفييت في نفس الوقت بطائرات استطلاع استراتيجية بهدف إمدادنا والأسطول السوفييتي في البحر الأبيض المتوسط بالمعلومات الاستراتيجية في المنطقة، وقد تمركزت في مرسي مطروح.. كما بدأ توريد معدات العبور من الكباري المتحركة والمنقولة علي عربات.. كما أفرز الاتحاد السوفيتي 3 فرقاطات علي كل منها سرية من جنود الإنزال البحري وعليها صواريخ سام 6 مثل النوع الذي وصل أسوان، وتمركزت في مدخل ميناء بورسعيد وتعاونت أسلحتها وصواريخها مع نظام الدفاع الجوي الموجود في تلك المنطقة من الجبهة. ولا شك أن جهدا جبارا بذله الجانبان المصري والسوفييتي لاستقبال والتعامل مع ذلك الكم الهائل من الأسلحة المتطورة.. فقد تم تجهيز مطاري أسوان ووادي سيدنا بعد تحويل الطيران المدني من أسوان إلي مطار دروا حيث تم عمل الدراوي «جمع دروة» للطائرات القاذفة والثقيلة، وإنشاء مخازن أسمنتية تحت الأرض وتركيب قضبان سكة حديد إلي هذه المخازن مع إنشاء ملاجئ كثيرة للأفراد الفنيين السوفييت، وملاجئ للصواريخ الخاصة بالقاذفات الثقيلة.. وكان الصاروخ يماثل طائرة ميج 15 شكلا ووزنا.. كما تم تجهيز ملاجئ لقطع الغيار والأجهزة الفنية الأخري الخاصة بالمواصلات اللاسلكية والأجهزة الإلكترونية الخاصة بهذه الطائرات.. ووصلت كافة التجهيزات والمساعدات والأجهزة، ورأس الصاروخ نفسه الذي يزن طنا كاملا.. والأطقم السوفييتية التي استقبلت كل ذلك.. وقد استلزم كل ذلك جهودا جبارة وتفاصيل لا حدود لها.. ناهيك عن ضمانات الأمن والسرية الكاملة. الطائرة «ت ي 16 س» وليكن معلوما أن الطائرات القاذفة الثقيلة من نوع «ت ي 16 س» الصاروخية يمكنها أن تصيب هدفها من بعد 100 - 150 كيلو مترا قبل الوصول إلي الهدف إلكترونيا.. ومما يتوجب ذكره.. أن صواريخ سام 6، وطائرات الميج 25، وفرقاطات بورسعيد، وطائرات الاستطلاع الاستراتيجية لم تدخل في صفقة الأسلحة التي تمت مع الاتحاد السوفييتي خلال لقاء القمة الخامس.. وإنما احتسبها الاتحاد السوفيتي معارة للقوات المسلحة المصرية والدفاع الجوي.. ومن ناحية القيادة والسيطرة فقد وضعت تحت القيادة العامة المصرية علي الرغم من تدهور العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد السوفييتي دون سبب معقول وبعد قيام السادات بالاستغناء أو طرد علي حد قوله المستشارين العسكريين والوحدات الصديقة في يوليو 1972.. فقد استمر الاتحاد السوفييتي في توريد احتياجات القوات المسلحة لخوض معركتها.. وفاء لتعهداته مع الرئيس جمال عبدالناصر.. وقد استمر وصول الدعم السوفيتي لمصر وسوريا حتي خلال العمليات العسكرية.. فعلي الرغم من ورود صفقة سلاح متميزة في مارس 1973 ضمت نوعيات جديدة من الأسلحة والمعدات تدخل القوات المسلحة المصرية لأول مرة مثل الدبابة «ت 62»، والعربة المدرعة المتطورة، والمدفع الميداني طويل المدي «سكود»، ووحدات الصواريخ سام 6 المتحرك ضد الطيران المتوسط والمنخفض، والطائرة السوخوي 9، والميج 23، والطائرة القاذفة الثقيلة الصاروخية.. كما حرص الاتحاد السوفيتي رغم كل شيء علي إعادة بعض الأسلحة الضرورية التي كانت موجودة قبل «الطرد» مثل سرب الميج 25 للاستطلاع التعبوي الاستراتيجي، كما زاد عدد الدبابات وصواريخ سام 3، وسام 6، وسام 7 المعدل للدرجة التي أصبح فيها الدفاع الجوي قوة ذات فاعلية لاتقهر. الجسر الجوي أما خلال الحرب فقد بدأ الجسر الجوي السوفيتي لمصر وسوريا بواقع 900 رحلة جوية حملت نحو 15 ألف طن معدات وأسلحة، بالإضافة إلي 63 طنا عن طريق النقل البحري لتصل الإمدادات إلي 78 ألف طن.. وقد اشتركت جميع الأسلحة والمعدات السوفيتية المنقولة جوا وبحرا في العمليات وكان بينها كوبري نقل مما رفع كفاءة كباري العبور.. كما وصل يوم 9/10/1973 (أي في اليوم الرابع لحرب أكتوبر) عدد4 طائرات ميج 25 تمركزت في نفس مواقعها السابقة بمطار غرب القاهرة ومعها 400 فرد سوفييتي بين طيار فني وإداري.. ثم 2 مدفع ميداني صواريخ أرض أرض طويل المدي «سكود» بمدربين سوفييت.. إلي جانب اللواء الثالث صواريخ سام 6. كانت هذه شهادة الفريق أول محمد فوزي القائد الأعلي للجيش المصري ووزير الحربية ومهندس حرب الاستنزاف، والذي تولي قيادة الجيش خلفا للمشير عبدالحكيم عامر بعد نكسة 67.. وكان له الفضل الأكبر في تجميع شتات الجيش وجعله قادرا علي الوقوف علي قدميه.. ويعتبر الفريق أول محمد فوزي صاحب الفضل في بناء حاجز (حائط) الصواريخ المصرية ضد إسرائيل والذي استعمل بكفاءة في إيقاع خسائر جسيمة في صفوف العدو الإسرائيلي في الحرب التي سميت بحرب الاستنزاف في الفترة من 1967 1973. وفي 14 مايو 1971 قدم استقالته من جميع مناصبه تضامنا مع بعض الوزراء احتجاجا علي سياسة الرئيس السادات.. وتم اعتقاله مع عدد كبير من المسئولين السابقين وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لاتهامه بالتآمر ضد الرئيس السادات فيما عرف بثورة التصحيح وتمت محاكمته أمام محكمة عسكرية.. ورغم أن الرئيس السادات كان قد أصدر قرارا بإعدامه إلا أن المحكمة العسكرية رفضت الحكم عليه بالإعدام علي أساس أن قائد الجيش لا يعدم إلا بتهمة خيانة الوطن والاتصال بالعدو أثناء الحرب.. ثم صدر قرار بالعفو عنه عام 1974. حرب الاستنزاف.. استنزفتنا لكن الرئيس أنور السادات يحكي في شهادته علي السوفييت أشياء مختلفة غير التي أوردها الفريق أول محمد فوزي في شهادته.. يقول السادات: استنزفتنا حرب الاستنزاف.. وتلاشت الذخيرة وراء مدافعنا.. واعترف أن بعض المدافع عندنا تحولت إلي قطع حديد باردة لأنه لا توجد ذخيرة كافية.. ولم يتوقف جمال عبدالناصر.. ولا أنا بعد وفاته.. عن طلب المزيد من الذخيرة عن طريق الكوبري الجوي أو الكوبري البحري.. ولكن الروس لم يفعلوا شيئا.. كان الصمت أفضل منه.. ولم يعد سرا أن أقول إن الذي طلبته أيام حرب الاستنزاف قد وصلنا عندما بدأت حرب أكتوبر 1973.. وفي استطاعتك أن تضيف إلي هذه الحقيقة المؤلمة ما شئت من علامات التعجب والاستفهام.. وقد اضطررت أن أحصل علي أسلحة من سوريا ومن العراق قبل بداية حرب أكتوبر 1973.. ففي نفس الوقت الذي كانت الذخيرة مكدسة في سوريا كان وراء مدفعي خط ذخيرة واحد، بينما المدفع السوري وراءه ثمانية إلي أحد عشر خطا.. لا أحسد ولا أحقد علي سوريا طبعا لأنها دولة شقيقة وأتمني لها ولنفسي القوة والمنعة.. ويمضي السادات قائلا: ثم هذه الوعود التي أغرقنا بها السوفييت.. والانتظار الطويل والتأكيد المستمر بأن السلاح في الطريق.. إلي آخر ما اعتاد الروس أن يقولوا وما اعتدنا أن نصدقه أو نوهم أنفسنا بأننا نصدقه.. مطلوب أن أجد تفسيرا لهذا الذي يعمله الروس.. أن أجد معني للإسراف.. هناك والتقتير هنا.. التكدس هناك.. والندرة عندنا.. الكوبري الجوي الذي لم يتوقف نزوله في سوريا.. والكوبري الذي لم تقم له قائمة بيننا وبين روسيا.. انتهي كلام السادات عن الروس.. ولكني لا أصدقه.