ارتباك القيادة الإسرائيلية منتصف نهار 6 أكتوبر لعب دورا فى تقليل حجم خسائر العرب أنشأ المصريون مصاطب رملية على طول الضفة الغربية لحماية المواقع المصرية من النيران. بدأت الغارات المصرية بسلسلة من الهجمات المحدودة، بمجموعات صغيرة، وانتهت بغارات سرية نجحت في أسر عدد من الإسرائيليين رغم ما أحدثته حرب السادس من أكتوبر عام 1973 من تغيير خارطة كثير من الدول العربية والغربية الإستراتيجية والعسكرية، إلا أن الحقائق لا تزال تتكشف أمام بعض المؤرخين الذين تناولوا تلك الحقبة، لعل أبرز تلك الأسرار الخفية التي كشفها المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة – رحمه الله- في تقديمه وترجمته لكتاب "دراسات الحروب الحديثة والصدمات العربية الإسرائيلية" لمؤلفيه "أنتوني كورسمان" و"أبراهام واجنر"، مؤكدًا - خلال الكتاب- أن حرب أكتوبر لم تكن وليدة لفكرة لحظية أو خطة وقتية، التي نجح السادات في تصديرها للعدو الصهيوني، ولكن خطة السادات جاءت وفقًا لخطط وآليات ذات بعد إستراتيجي. أبو غزالة كشف أيضا أن التخطيط لتلك الحرب بدأ منذ عام 1969، حينما بدأت مصر بإنشاء كبارٍ محملة على عربات ومعديات وطرق اقتراب لتدعيم عبور قناة السويس، مرورًا بعام 1971 حينما بدأت مصر تتلقي دبابات "ت – 62"، وكذلك البدء في بناء المصاطب الرملية التي تشرف على القناة وتكثيف العمل لدعم عملية العبور. حتي جاء عام الحسم في أكتوبر 1973، وقد بدأ فيه التخطيط والتجهيز للحرب بالاستعدادات الهندسية، والدفع بصواريخ "سام _ 6" التي تم نصبها في منطقة أبو صوير والقطامية، وبالفرقة السادسة الميكانيكية التي بدأت التحرك إلى الشرق، ولم يكن العمل قاصرا على الدعم الهندسي، ولكن الجانب الحربي أيضًا، من خلال الدفع بصواريخ "سكود" ومركبات وقواذف "ساجر". وكانت المفاجأة الكبري التي أعلن عنها أبو غزالة بأنه في ليلة الخامس من أكتوبر عام 1973 حيث إن وحدات العبور والضفادع البشرية المصرية تحركت إلى الأمام ليلًا، وكذا تحرك وحدات "سام – 6 " إلى مواقع على مسافة 5 كم من القناة، وأن المخابرات الإسرائيلية تلقت دلالات قوية على أن الحرب قادمة لا محالة. وبرر الكاتب الأمريكي "كورسمان" في كتابه "دروس الحرب الحديثة" أن المخابرات الإسرائيلية تجاهلت بشكل أو بآخر التقدم العسكري المصري بسبب انتصار إسرائيل على الجيش المصري في عام 1967، ووصفها له بالنصر الكاسح، لدرجة أن إسرائيل اكتفت بتحقيق ذلك الانتصار، ولم تستكمل انتصارها بالبحث عن نقاط ضعفها العسكرية، ومالت إلى الاعتقاد بضعف العرب الحضاري، وأنه أمر محتوم في اقتراب العرب من تعلم فنون الحرب، وليس نتيجة ضعف في التنظيم والقيادة. ثم انشغلت إسرائيل بمشكلة امتصاص الأراضي المحتلة، وبحرب الاستنزاف مع مصر، وبأن حرب الاستنزاف مع مصر بدأت أولي خطواتها بتحقيق لنش مصري أول نصر رئيسي في أول أكتوبر 1967، عندما أطلق صاروخا أغرق المدمرة "إيلات"، وكان هذا أول بيان عملي عن تطور الصواريخ في الحروب البحرية. وفي سبتمبر وأكتوبر1968 قامت مصر بإجلاء مواطنيها من مدن القناة، وشنت مصر قصفًا مدفعيًا قصيرًا من 150 موقع مدفعية، وسقطت 5000 دانة في الساعة على المواقع الإسرائيلية في القناة في فترتين منفصلتين، وأدي ذلك إلى تحصين إسرائيل مواقعها في القناة، وإنشاء منطقة أمامية مزودة بالملاجئ، وأنشأت إسرائيل شبكة واسعة من الطرق ونقاط العبور والمواقع الدفاعية، رغم أن قدرتها على تدعيم هذا النظام بالأفراد، وكان هذا النظام يتوقف على الإنذار المبكر والتعبئة. وفي المقابل أنشأ المصريون مصاطب رملية على طول الضفة الغربية للقناة لحماية المواقع المصرية من النيران الإسرائيلية، وإخفاء القوات المصرية عن المراقبة، وأنشأوا شبكة من الطرق بطول 2000 كم للسماح بسرعة تحرك التدعيمات بمنطقة القناة والتحركات الطولية والعرضية على طول الضفة الغربية، وقاموا بإنشاء 20 قاعدة جوية مزودة بالدشم وشبكة كثيفة من مواقع الدفاع الجوي. وبدأت الإغارات المصرية بسلسلة من الهجمات المحدودة، بمجموعات صغيرة، وانتهت بغارات سرية ونجحت في أسر عدد من الإسرائيليين، وتصاعدت الغارات من هجمات على أهداف فردية إلى اقتحام للمواقع المحصنة، وقام المصريون بالإغارة على ميناء إيلات في 16 نوفمبر 1969 ودمروا سفينتين إسرائيليتين محملتين بمعدات عسكرية وذخائر. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه إسرائيل أن هذه الغارات هجمات إزعاج، كان لها تأثير رائع على معنويات المصريين، فقد أصبح لديهم اعتقاد بأن الإسرائيليين لديهم نقاط ضعف، وأن بإمكان المصريين اختراق دفاعات إسرائيل، كما قامت مصر بطلعات جوية عبر القناة، وحاولت اختراق المجال الجوي لسيناء، وقامت مقاتلة مصرية "ميج – 21" بإسقاط طائرة إسرائيلية "فانتوم" لأول مرة في 9 سبتمبر 1969. ومع ذلك لم تكن مصر ناجحة في القتال "جو – جو"، فقد فقدت مصر 60 مقاتلة فيما بين 1967 ويناير 1970، وكانت المعركة الرئيسية منذ أمكن للمقاتلات الإسرائيلية اكتشاف صواريخ "سام -2 " وقيامها بالمناورة والطيران على ارتفاعات أقل لتفاديها، ومع ذلك فقدت إسرائيل ست مقاتلات بين عامي 1967 و1970، ونجحت في تدمير شبكة الصواريخ "سام -2 "عمليًا. ثم تحولت المقاتلات الإسرائيلية إلى غارات في العمق، وقد نجحت إلى حد كبير، الأمر الذي أجبر السوفييت على منح مصر عددًا كبيرًا من صواريخ "سام – 3"، وزادوا من تواجدهم العسكري، وبحلول يونيو 1970 نجح السوفييت في نصب 55 موقعًا لصواريخ "سام -3 "، ثم بدأت تظهر طائرات "ميج - 21 " يقودها طيارون سوفييت، وأدي نمو القوة المصرية بسرعة إلى زيادة خسائر إسرائيل التي فقدت 200 طائرة من قواتها الجوية خلال ستة أشهر تالية، وحافظ السوفييت على الصواريخ على بعد 30 كم من القناة، وتعرضوا لبعض الخسائر، شملت خمس مقاتلات ميج 21 بطياريها في يوم واحد هو 30 يوليو 1970. ومع ذلك ردت أمريكا بتزويد إسرائيل بأعداد أكبر من طائرات "الفانتوم" والصواريخ "هوك" ومعدات الحرب الإلكترونية المتقدمة، وبدأت مخاطر الحرب تزداد بين الطرفين. وفي أغسطس 1970 صدر قرار وقف إطلاق النار بدعم من الولاياتالمتحدة، قبل أن تتمكن إسرائيل من التغلب على صواريخ "سام - 3 " أو تدرك التأثير الهائل للتطور الذي حدث لوسائل الدفاع الجوي المصري. وتري مصادر أن إسرائيل كان لديها المؤشرات الصحيحة التي تنذر بالحرب، ولكنها فشلت في الرصد السليم لمعني التغيرات التفصيلية في بناء القوات العربية فيما بين 1970 و1973، رغم العديد من المشروعات التدريبية التي كانت "بروفات" لهجومهم المقبل. وفي اليوم الذي بدأت فيه الحرب حدث ارتباك تام في القيادة العسكرية الإسرائيلية، وأدي ذلك إلى تقليل الخسائر البشرية العربية في موجات العبور الأولي.