الأدب هو المرآة التي تعكس ما يجري علي أرض الواقع من جهة، وما يعتمل إزاء هذه الأحداث في عقل الفنان أو الأديب من جهة أخري، والفنون جميعا من أهم مهامها تصوير الواقع، أو الانطباع عن هذا الواقع، ومن هنا ظهرت المذاهب الفنية والأدبية بل والفلسفية المختلفة.. كل مذهب يحاول أن يجعل رؤيته هي الأكثر فهما للحياة.. ولكني أعتقد أنه مهما كانت النظريات أو المدارس الفلسفية أو الفنية المختلفة لها تبريراتها فيما ذهبت إليه من رؤي، فإن أهم من ذلك كله هو الوضوح. الوضوح في الرؤية.. أن أتهم المذهب الفلسفي وما يرمي إليه، وأتهم المذهب الفني وما يرمي إليه، ولا تتركني هذه المذاهب في حيرة من فهمها، أو فك شفرة رموزها. ومن هنا فقد أعجبني إجابة الأديب الأمريكي هينري ميلر عندما سئل كما ورد في كتاب (مع الشوامخ) من ترجمة محمود مسعود عن رأيه في السريالية، وكان من رأي الأديب الكبير أنه كان يكتب السريالية في أمريكا تباعا يسمع عن هذه الكلمة.. وقال: عندما عشت في باريس، كنا نذكر تعبيرا أمريكيا حرفا يمكن أن يفسر هذه الكلمة علي نحو ما أفضل تفسير. كنا نقول (ليكن لنا السبق).. ومعني هذا أن تغوص في أعماق (اللاوعي) وتستجيب لكل غرائزك، والدوافع التي تحركك، سواء من القلب أو المعدة، أو من أي شيء آخر يمكن أن نسميه. لكن في رأيي أن هذا ليس مذهب السريالية في الواقع، ومهما يكن فإن التفسير الفرنسي للسريالية، كمذهب لم يرق لي كثيرا. ولم يكن له عندي معني يذكر. وكل ما أهمني في هذا المذهب هو أنني وجدت فيه وسيلة أخري من وسائل التعبير.. وسيلة إضافية.. وسيلة استشرافية، ولكنها وسيلة ينبغي أن تستخدم بحكمة وتعقل، وعندما استخدم مشاهير السرياليين هذا التكنيك، فإنهم جاوزوا القصد كما يبدو لي، فقد أصبح مبهما، ولم يخدم غاية، ومتي فقد الإنسان الوضوح، فقد صار إلي الضياع كما أعتقد. وعندما سئل ميلر: هل السريالية هي المقصودة بتعبيرك «في صميم حياة الليل»؟ أجاب: نعم المقصود بها في المقام الأول الحلم.. إن الكاتب السريالي يستعين بالحلم، وهذا بالطبع سمة خصبة رائعة للتجربة. ومن رأيه أن كافة الكتاب، سواء عن وعي أو لا وعي يستعينون بالحلم، حتي إن لم يكونوا سرياليين.. وفي رأيه أن العقل الصاحي هو الأقل نفعا في مجال الفنون..