٫ هل انتهي زمن الفن الجميل..هل أصبح من المستحيل عودة زمن مشابه لما قدمه أساطين الغناء كعبد الحليم وعبدالوهاب وأم كلثوم.. كانت قصائد إبراهيم ناجي وكامل الشناوي وروائع أحمد رامي وبيرم التونسي وغيرهم تشكل وجدان وثقافة الملايين، قبل أن تزحف الكلمات الركيكة وعبارات السب والقذف ليتغني بها مطربو هذا العصر، كانت السينما والمسرح ومسلسلات التليفزيون يختارون أغلب أعمالهم من بين روائع الروايات المحلية والدولية، ثم زحف التأليف بالفهلوة، ودراما العشوائيات والعاهات، ليحتل المرتبة الأولي في اهتمام مساحة كبيرة من المشاهدين، والنتيجة.. فن هابط.. انحدار أخلاقي.. اختفاء لقيم المجتمع المصري. انتشار الألفاظ النابية.. والعبارات المبتذلة. تقول الدكتورة هالة حماد استشاري الطب النفسي وزميل الكلية الملكية البريطانية للطب النفسي: قديما كانت الطبقة المتوسطة المتعلمة هي التي ترتفع بذوق الشعب الآن بدأت تتآكل وظهرت طبقة أخري معها المال ولكن لهم ذوق منخفض وبالتالي لا تهتم بالجمال والتذوق والإبداع. كما أن هناك كثيرا من المنتجين كل همهم المكسب المادي السريع وأصبح من يذهب للسينما الآن ليس الطبقة المتوسطة ولا المثقفة ولكن الطبقات الأقل ثقافة ومن هنا بدأ الانحدار وبدأ التعود علي هذا التردي الفني حتي أصبح شيئا معتادا. وتواصل د. هالة حماد قائلة: قياسا علي قيادة السيارة الناس الآن يقلدون سائقي الميكروباص ويتجاوزون دون مراعاة لأي نظام.. نفس الشيء ينطبق علي الذوق الفني الرديء.. قديما كانت أم كلثوم تشدو بالأطلال وكل الناس تغني معها حتي غير المتعلمين حتي ولو لم يفهموا القصيدة.. في مرحلة الستينيات كانت كل البيوت متشابهة حتي طريقة اللبس والأزياء وشكل البيوت من نجف وأثاث وغيره فلم يكن هناك تعال أو مظهرية، أما الآن فتغلبت المظاهر وظهر التعالي سواء في مستوي البيوت أو حتي الكماليات مثل الموبايلات الحديثة وغيرها وأصبح المكسب السريع هو الأهم ونسينا الثقافة والفن . وهناك مسئولية مجتمعية للطبقة المتوسطة ومسئولية إعلامية أيضا، فلماذا لا يتخلي كبار الفنانين والإعلاميين عن المبالغ الباهظة واشتراط الحصول علي أجور مرتفعة، يجب أن يكونوا حريصين علي المساهمة بأعمال هادفة حتي يرتقوا بالذوق العام، وألا يكون اشتراط الأجور المرتفعة في مقدمة أولوياتهم، فقد عملوا بما فيه الكفاية لتأمين مادي لمعيشتهم ومستواهم فلماذا لا يحرصون بعد ذلك علي جوهر العمل وهدفه ومردوده الإيجابي.. وكذلك بالنسبة للبرامج فلماذا يخططون لبرامج ليس لها رؤية في الإصلاح والبناء ويهتمون فقط بجلب الإعلانات.. يجب أن نقول لأنفسنا جميعا إننا نبني شعبا وفكرا. وتستطرد قائلة: هناك نقطة هامة وهي فقدان الدور الأسري فالاب والأم كانا يقضيان أوقاتا كثيرة مع أولادهما وتجلس الأسرة وتتناقش في كل الأمور حتي في الأعمال الفنية والمسرحيات ولكن الآن لم يعد حتي النقاش في الأمور المعيشية الهامة ويتركون الأولاد للمدارس ولشلة الأصحاب الذين يقومون بتحديد اتجاهات الابن ولم يعد الأب يربي ويعلم ويثقف وكأن التربية انحصرت في الإعانة المادية فقط وبالتالي ينتج لنا ما يحدث في المجتمع الآن.. ولذلك ننادي بضرورة عودة الأب كما كان في الستينيات ولا يترك أولاده للأم فقط ويطلب منها هي أن تربي وتثقف وتناقش.. بل يجب ألا يتنازل عن دوره في التوجيه والتثقيف والارتقاء بذوق الأبناء والرقي بهم. وتوافقها في الرأي الدكتورة عفاف إبراهيم أستاذ علم النفس والاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية وتقول الذوق العام يتحكم فيه الجمهور العام الذي تتغير نوعيته من وقت لآخر.. فأصبحت الآن نوعيات معينة من الجمهور تختلف عن الماضي نتيجة التعليم والمد الحضري والهجرة من الريف إلي المدينة ويحملون ثقافات مختلفة وربما متخلفة من بيئات ثقافية محدودة وكذلك انتشار العشوائيات التي تختلف عن ثقافة المجتمع الراقي.. ففي الماضي من كان يتاح له الظهور علي وجه المجتمع في المسارح والسينما نوعيات معينة وطبقات اجتماعية محددة.. أما الآن فالأمر اختلف وبالتالي فالفن اختلف أيضا ليوائم ذوق الجمهور الجديد والعيب في صناع الفن الذين تحولوا إلي مجرد تجار فقط لايهتمون بالفن بقدر اهتمامهم بالربح السريع.. فأصبح العمل الفني شيئا تجاريا لا يهتم بالذوق والأخلاقيات بقدر حساباته المادية التي تعود عليه.. حتي برامج التليفزيون نلاحظ أن الإعلام أصبح يهتم بمسألة الإعلانات بشكل كبير من أجل العائد المادي وكذلك إحضار ضيوف معينة من أجل جذب جمهورعريض وهم يعلمون أنهم يتحدثون بشكل معين يجذب الناس. وتستطرد د. عفاف قائلة: إن مسألة الاخلاقيات مرتبطة أيضا بالفن تبعا لهبوطه أو صعوده فالفن يهبط بالأخلاق إذا كان هابطا ويعطي سلوكا غير مرغوب فيه عكس الفن الراقي الذي يرتقي بالأخلاق والذوق.. فالفن يزرع الأخلاقيات في المجتمع وخاصة لغير المتعلمين الذين يؤثر فيهم بشكل أكثر من المتعلمين.. لأن المتعلم الذي أخذ حظه من التعليم بشكل كبير يستطيع أن ينتقد ويقول رأيه، أما غير المتعلم عندما يشاهد عملا فنيا فإنه يتأثر به دون فهم أو رأي ولا يستطيع انتقاده بل علي العكس سيفرح به ويملأ فراغه.. وأكثر شيء يؤثر في الناس محدودة التعليم أو الثقافة هما الإعلام والفن.