موجة من الأغاني الشعبية الرديئة عرفت طريقها إلى الأفلام السينمائية مؤخرًا، ويستغلها المنتجون لترويج أعمالهم الفنية بعد أن لفتت هذه الأغاني الأسماع إليها، وتحديدًا من السباب، ورغم أن أغلبها يعد أغاني هابطة ولا يمت للشعبية بصلة إلا أنها باتت جزءًا أصيلًا من الأفلام الحالية لما لها من سحر في جذب فئات معينة من الجمهور.. حول هذه الظاهرة كان لنا هذا التحقيق بعد أن أصبحت مثار انتقاد الكثيرين داخل وخارج الوسط الفني. ورأى الموسيقار هاني مهنا، أن الأغاني الشعبية أغانٍ راقية جدًّا، وهي التي غنى بها محمد قنديل، وكارم محمود، وأحمد عدوية، ومحمد رشدي، ولا يمكن مقارنتها بما يقدم في الأفلام التي تعرض في الفترة الحالية، والتي يمكن تسميتها بأغاني تخاطب من لا يمتلكون تذوقًا فنيًا، وتجد مجالًا للاستماع في التوك توك، أو الميكروباص، أو مراكب النيل، ملقيًا بالمسئولية على الرقابة التي سمحت لمثل هذه الأغاني بالانتشار وعرضها في أفلام دون أن يكون لها علاقة بالأحداث. وأضاف مهنا: إن هذه الأفلام الهابطة تحتوي على الإسفاف والألفاظ البذيئة مثل الأغاني التي تتضمنها، مؤكدًا أنه لا يمكن أن تساوي هذه الأغاني الرديئة بالأغاني الشعبية، ولا يمكن اعتبارها سوى أغانٍ بيئية لمجموعة من الناس لا تمتلك التذوُّق الفني"، ومثل هذه الأغاني تشبه المخدرات، فهي تقدم لفئة من الناس يمتلكون ثقافة متوسطة، وقد أطلق على الفنان سيد درويش فنان الشعب، حيث أن كل أغانيه كانت موجهةً لكل فئات الشعب من المثقفين والعمال والفلاحين، فهي منتشرة بين كافة طوائف الشعب، ولا يمكن اعتبار الأغاني التي تقدم عبر الأفلام بأغانٍ شعبية ولكنها أغاني "هرتلة"، واستخدام العديد من المنتجين لهذا النوع من الأغاني في الأفلام يشجع على انتشارها، وعلى تدهور الأغنية الشعبية". واتهم الموسيقار حلمي بكر الجمهور بالسبب في رواج مثل هذه الأغاني الهابطة، قائلًا: " فهو يريد التدني في الذوق الاستماعي من خلال الذهاب لمشاهدة هذه الأعمال، وليس الجمهور كل الشعب المصري، ولكن العشوائيات تمتلك 25 مليون مواطن، فأصبح المنتجون يقدمون أعمالهم للعشوائيات، وليس لكافة أفراد الشعب، فهذه العشوائيات تفرض هذا الذوق على كل الشعب، وبالتالي يسير المنتجون وراء الترويج لأعمالهم من خلال هؤلاء الشباب. والنتيجة أن فن مصر في النهاية يميل للانحدار لأنك تقدم الفن لفئة وليس لكل الشعب، والدليل على ذلك استخدام المفردات الرخيصة لمن يغني للحمار والشبشب والبلبل، ومثل هذه الأغاني تمثل خطرا على الإبداع لأنها تربي أجيالا قادمة على كلام فارغ نظرا لغناء الأطفال لهذه الأغاني الهابطة، والرقابة يقع عليها دور كبير فيما يحدث، فلابد أن تتابع العمل الفني جيدًا والاستماع إلى الأغاني التي يتضمنها الفيلم من خلال الورق قبل نزولها للجمهور بمشاركة نقابة المهن الموسيقية". واستنكر بكر تناول أغنية "يا طاهرة يا أم الحسن والحسين" ضمن أحداث فيلم "عبده موته"، وكأنها أغنية دينية، ورغم ذلك ترى الناس تذهب للسينما وتشاهد العمل، مما يؤكد أن الجمهور وراء انتشار مثل هذه الأغاني الهابطة. وأرجع المطرب علي حميدة اعتماد الأفلام السينمائية على مثل هذه الأغاني الشعبية؛ لتحقيق الربح واستخدام مثل هؤلاء المطربين الشباب لرخص ثمنهم وضعف أجورهم. كما أشار إلى أن تلك الأغاني الهابطة هي التي تقدم في الأفلام الهابطة التي تعتمد على الكسب المالي بعيدًا عن تقديم عمل فني جيد، وما يحدث داخل الأفلام السينمائية يحدث في مصر فقط، مما يدل على أنها فقدت ريادتها في الغناء. مشككًا في وجود رقابة فنية على أغاني هذه الأفلام، إن الرقابة مهمتها حذف هذه الأغاني الهابطة، مستشهدًا "كنا عندما نذهب للإذاعة ونذكر كلمة مختلفة في الأغنية يتم حذفها مباشرة، لكن الآن أصبحنا نسمع كلمات غريبة وبذيئة". أما الناقد طارق الشناوي فهو يرى، أن فكرة الأغاني الهابطة موجودة في كل الأزمنة، وليس معنى ذلك أن الأغنية الهابطة هي السمة الغالبة في أيِّ فيلم لكي تجلب الإيرادات له، فمن الممكن بالفن الجميل أن تجلب الإيرادات، ولكن فكرة الفن الهابط موجودة طوال التاريخ، وكل المطربين والملحنين الكبار قدموا أغاني يطلق عليها حاليًا فنًا هابطًا. وأضاف الشناوي، أن المنتجين يقدمون أعمالهم بحسب ما يتطلبه السوق ليحقق العمل أعلى الإيرادات، ولا ينظرون لأسباب أخرى، ويسيرون بطريقة المكسب، فهي شريعة في الحياة الفنية، وغير مرتبطة بهذا العصر ولكنها جزء من الطبيعة، فالأغنية الشعبية ممكن أن تنجح في لحظة، ومن الممكن أن تظلَّ فترة طويلة ثم تحقق النجاح بعد ذلك، ورغم ذلك فليس هناك قاعدة معينة للأغاني الشعبية التي تروج في الأفلام والفن، والأغنية الهابطة كلمة ليست معبرةً تمامًا، فمثلًا أغنية "السح الدح أمبو" للمطرب أحمد عدوية كلماتها غير قبيحة، ولكنها وصفت في وقت ما بأنها أغانٍ هابطة، ومنعت من الإذاعة على الرغم من أن كلماتها غير خادشة للحياء.