وكرس الأزهر مكاسبه في الدستور المعدل بعدما جاءت المادة الثامنة لتنص علي أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام علي كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولي مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". هكذا جعل الدستور المعدل من الأزهر مرجعية سنية معترف بها في أمور الدين الإسلامي بشكل أساسي، ضامنًا للمؤسسة العريقة استقلالها التام عن الحكومة في الشؤون الإدارية والتعليمية، وإن احتفظ برابطة الاعتمادات المالية التي توفرها "الدولة" للأزهر، ويرجع ذلك في المقام الأول لأن الدولة تضع يدها علي أوقاف الأزهر التي تدر دخلا يقدر بمئات الملايين من الجنيهات سنويًا. وتنص ديباجة الدستور علي أن مصر "دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية"، وهو ما أثار اللغط بين مؤيد ومعارض حول مضمون "حكومتها مدنية" الذي حل محل "حكمها مدني". إلا أن مصادر مطلعة بالأزهر قالت ل "آخر ساعة" إن النص علي "حكومتها مدنية" في الدستور، جاء بطلب من الأزهر الشريف، حتي لا ينسحب نص "المدنية" علي مؤسسة الأزهر، وأن المدنية في نصها الحالي لا تسحب علي الأزهر، لأن المؤسسة الدينية ضمنت استقلالها ولم تعد جزءا من الحكومة، ولا تابع لها، فعليه فنص المدنية يلزم الحكومة والهيئات التابعة لها فقط، أما الأزهر فله المرجعية الأعلي في الشئون الإسلامية، بمعني أن قرار الأزهر فوق قرار الحكومة فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية وكل ما يتعلق بالشأن الإسلامي. وفيما توالت بعض الاتهامات التي تؤكد أن الدستور المعدل يحارب الشريعة، رد المستشار محمد عبد السلام، مستشار شيخ الأزهر الشريف ومقرر لجنة المقومات بلجنة الخمسين لتعديل الدستور، في بيان له حصلت "آخر ساعة" علي نسخة منه، إن الدستور أكد استقلال الأزهر، وأنه المرجع الأساسي في كافة الشؤون الإسلامية، وأن الأزهر يتولي دون غيره الدعوة الإسلامية ونشر علوم الدين واللغة العربية". وأضاف عبد السلام: "واهم مَن يعتقد أن الأزهر تخلَّي عن مرجعيَّته في مشروع الدستور الجديد، وإذا لم يكن الأزهر المرجعية في الشؤون الإسلامية فلِمَن يكون"، مشددًا علي أن "مَن يعتقد أو يُروِّج أنَّ هذا الدستور ضد الدِّين واهمٌ ومخطئ، ولم يُكلِّف نفسَه أن يقرأ مسودة الدستور؛ حتي يري أنّ مشروع الدستور يُؤكّد الثوابت الإسلامية المستقرّة في ضمير الشعب المصري". تسبب الوضع الجديد لمؤسسة "الأزهر" الشريف في دستور 2012 المُعدل حالياً من لجنة الخمسين في حالة من الجدل، بشأن صلاحية "الأزهر" في مراجعة القوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية، خاصة في ظل ما اعتبره الكثيرون أن "الأزهر" فقد مرجعيته في تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية، فضلاً عن فقده مرجعية هيئة كبار العلماء. فانتقد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، استقطاع حق الأزهر في تفسير كلمة مبادئ الشرعية الإسلامية في المادة الثانية وحصرها بالمحكمة الدستورية العليا، واصفاً الأمر في تصريحات ل"آخر ساعة" ب"المقلوب"، مشيراً إلي أن وضع الأزهر في دستور 2012 قبل تعديله رغم وضعه في فترة حكم "الإخوان" السيء كان الأفضل من وضعه الحالي. في المقابل، قال الدكتور القصبي زلط، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن وضع الأزهر في دستور 2012 والنسخة المعدلة منه حالياً واحد، موضحاً أنه لا فرق بين وضع الأزهر في المادتين، فهو هيئة مستقلة، مختص بكل ما له علاقة بالشريعة الإسلامية، مشيرًا إلي أن الأزهر تمسك بأن يكون رأيه استشاريا وليس إلزاميا، تفادياً لتأسيس دولة دينية. وأكد الدكتور عبد الله النجار، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ويمثل الأزهر في لجنة الخمسين، أن الدستور المعدل لايخالف الشريعة أو يعاديها، وأن دور المحكمة الدستورية مستمر منذ دستور 1971 وانحازت خلال هذه العقود إلي الأزهر في أحكامها فيما يتعلق بالشأن الإسلامي، مضيفًا: "عدلنا في نص الديباجة بحذف تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية، وفقاً لحكم المحكمة الدستورية، لأن النص طال بشكل غير طبيعي ما أثر علي الصياغة، لذلك تم الاتفاق علي وضع عبارة "ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا في مجمل أحكامها". وذهبت الدكتورة فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الدستوري، إلي أن الأزهر أخذ صلاحيات أكثر في الدستور 2012 المُعدل، مضيفة ل"آخر ساعة": "الأزهر أصبح المرجع الأساسي في الأمور الدينية والشؤون الإسلامية، وهو مالم ينص عليه في النسخة الأولي من دستور 2012 رغم جعل المحكمة الدستورية العليا هي المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية، وهو أمر أراه أفضل للأزهر لأن المحكمة الدستورية مضطرة للرجوع إلي الأزهر لأن الديباجة وضعت مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وهو ما يعني أن المحكمة ستعود إلي الأزهر في تفسير أي قوانين تتعلق بالشريعة، وإن كان رأي الأزهر استشاريا، لكنه معتبر".