في أيام شهر رمضان الكريم يتداعي إلي ذهني ذلك اليوم البعيد يوم ذهبت إلي صلاة الجمعة في زاوية علي النيل أمام نقابة المعلمين بصحبة الأديب الكبير عبدالحميد جودة السحار حيث صافحه رجل وقور وسألته عنه فقال إنه خالد محمد خالد. وعدت إليه وصافحته وذكرت له اسمي وكنت في أول حياتي الصحفية وأخبرته إنني معجب بمؤلفاته، يومها ربت علي كتفي في حنان وأخذت طريقي إلي صفوف المصلين. وبعد أيام وجدته يرسل إلي كتابه (رجال حول الرسول) كهدية بإهداء جميل.. والكتاب يتناول سيرة بعض الصحابة ومواقفهم.. وآثرت في الشهر الكريم أن أشير مجرد إشارة إصبع إلي بعض ما كتبه عنهم باختصار شديد.. إنه يبدأ فيتحدث عن النور الذي اتبعوه والنور هو محمد عليه الصلاة والسلام، ويسوق المؤلف بعض مواقف الرسول وما واجهه من عقبات وصعوبات في نشر الدعوة إلي أن انتصرت، ويصف ما أقسم به الرسول الكريم من صفات أهلته ليكون أهلا لتلقي وحي السماء ويورد الحديث الشريف: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين.. ويعلق: كل هذه الحياة التي عاشها.. كل جهاده وبطولاته كل عظمته وطهره، كل هذا النور الذي حققه دينه في حياته، والنور الذي كان سيعلم أنه سيبلغه بعد مماته، كل ذلك ليس إلا لبنة. لبنة واحدة في بناء شاهق عريض.. وهو الذي يعلن هذا ويقوله ويصر علي توكيده. ثم هو لا ينتحل بهذا القول تواضعا يفدي جوعا إلي العظمة في نفسه، بل هو يؤكد هذا الموقف باعتباره حقيقة تشكل مسئولية تبليغها وإعلانها جزءا من جوهر رسالته.. ذلك أن التواضع علي الرغم من أنه خلق من أخلاق محمد الأصيلة لم يكن الدليل الذي يدل علي عظمته ويشير إليها، فإن عظمة الرسول بلغت من التفوق والأصالة ما جعلها أية نفسها وبرهان ذاتها.