في ذكري مولد أعظم رسل الله محمد ابن عبدالله عليه الصلاة والسلام، يتداعي إلي الذهن تلك الشخصية الباهرة التي استطاعت أن تغير شكل العالم، وتنشئ عالما جديدا مضيئا بنور التوحيد، محطما كل التقاليد العفنة، والأساطير العقيمة، وأن تكون حضارة الإسلام أعظم حضارة عرفتها الدنيا، تنشر من حولها كل ما هو جدير بحياة الإنسان، وحقه أن يحيا كريما في ظل شريعة لا تعرف إلا العدل والكرامة والمحافظة علي حقوق الإنسان. أما شخصية الرسول الكريم نفسه، فهي شخصية يتجسد فيها كل قيم الإسلام.. إنه قرآن يمشي علي الأرض كما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها. وقد كانت سيرته من أحسن السير قبل الرسالة وبعدها.. شخصية متكاملة لا تعرف إلا طريق الهدي والنور.. وقد وقفت طويلا أما ما كتبه عبدالرحمن عزام أول أمين للجامعة العربية في كتابه (الرسالة الخالدة).. ولمست كلماته منطقة عذراء من نفسي عندما يقول عن الإسلام ونبي الإسلام: »وإني علي ما أنا فيه من تقصير وتفريط لشاهد بالتجربة والنظر، وقد عشت بين الفقراء والأغنياء، محروم الجاه ومتمتعا به، وخالطت الخاصة والعامة في الشرق والغرب، وشاهدت آثار دعوات مختلفة، ونظرت في كتب أقوام كثيرة، فلم أر بناء أقوي علي الدهر، ولا أرحب لجمع البشرية من ذلك البناء الذي بناه محمد صلي الله وعليه وسلم. حاولت أن تنال منه العرب والعجم، واشتط به المتفقهون والمؤرخون، والرواة وأهل الرأي، ودعاة الفتنة ودعاة السياسة، وتألب عليه الجاحدون والمكابرون، وشوهوا ما شاءوا ثلاثة عشر قرنا فلم يستطيعوا أن يغيروا وعد الله.. »إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون«.. لقد ظل الرسول الكريم وسيظل نور هداية للناس إلي يوم البعث والنشور.. ولقد كان عليه الصلاة والسلام يعلم علم اليقين كما يقول خالد محمد خالد أنه جاء إلي الحياة الإنسانية ليغيرها، وأنه ليس رسولا إلي قريش وحدها، ولا إلي العرب وحدهم.. بل رسول الله إلي الناس كافة. وقد فتح الله سبحانه بصيرته علي المدي البعيد الذي ستبلغه دعوته وتخفق عنده رايته.. ورأي رأي اليقين مستقبل الدين الذي بشر به، والخلود الحي الذي سيكون له، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ورغم ذلك كله لم ير في نفسه، ولا في دينه، ولا في نجاحه الذي لن تشهد له الأرض مثيلا، أكثر من لبنة البناء، ويورد قوله عليه الصلاة والسلام، »مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين..