في السبعينات من القرن الماضي كنت طالباً في معهد الدراسات الإسلامية، وكان من أساتذتنا الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، وفي هذه الفترة أخرج السادات من كانوا في السجون من الإخوان، وبدأ تشجيع الجماعات الدينية في الجامعات، وظهر نموذج جديد من الشباب، يرتدي الجلباب القصير، وتحته البنطلون، مع وضع سواك في جيب الجلباب، وتربية الذقن، والاهتمام بالزبيبة. وفي إحدي المحاضرات وجه طالب سؤالاً للشيخ الغزالي، قال: ما رأيك يا مولانا في هؤلاء الشباب الذين يرتدون الجلباب القصير ويضعون السواك في الجيوب ويطلقون لحاهم. هل هذا هو الإسلام ؟ وكأن الشيخ كان ينتظر السؤال لينفجر، قال: هذا تدين شكلي، الدين ليس في الجلباب ولا السواك ولا الذقن ولا الزبيبة، هؤلاء شباب لا يعرفون جوهر الإسلام، الإسلام ليس دين الشكل. المسلم الحقيقي هو من يسعي لقوة الإسلام، من يبتكر نظرية علمية، من يخترع آلة تنفع الإنسان، من يقدم نظرية اقتصادية ترفع من شأن مجتمعه. من يؤدي عمله مخلصاً لخدمة الناس، ويخالط من حوله بخلق حسن، أما من يظنون أن الإسلام هو الجلباب والذقن والزبيبة فهم واهمون. ونبهني كلام الشيخ إلي معني مهم، وهو عدم الوقوف عند المظاهر الشكلية، أو البرانية، والبحث عن جوهر الشيء الحقيقي، الجواني. وأن معيار التدين ليس الذقن ولا الزبيبة، بل معاملة الناس، وما يقدمه الإنسان من عمل نافع لمجتمعه. ويؤكد الواقع أن المظهر الديني كثيراً ما يكون خادعاً، ألم يكن الرجل الذي ألقي بالأطفال من فوق السطح في الإسكندرية من أصحاب الذقون وتملأ الزبيبة جبهته ؟ والبلكيمي السلفي الذي أجري عملية في أنفه وخشي أن يلومه زملاؤه فادعي كذباً أن اللصوص اعتدوا عليه وكسروا أنفه، ألم يكن من أصحاب الذقون وتملأ الزبيبة جبهته ؟ والرجل السلفي الذي ضبطوه في سيارته عام 2012 في الطريق الزراعي مع إحدي الطالبات في وضع يعاقب عليه القانون، ألم يكن من أصحاب الذقون وتملأ الزبيبة جبهته ؟ والمشكلة أن ظاهرة الإسلام الشكلي موجودة في مجتمعنا العربي كله، وازدادت مع تغلغل الإخوان، وصعود السلفيين، ففي عام 2016 في المغرب مثلاً تم ضبط أحد كبار الدعاة، وهو قيادي في حركة الإصلاح والتوحيد، مع إحدي الداعيات في سيارته في حالة تلبس بالزنا. باختصار: الجلباب والذقن والزبيبة هي نوع من التدين الشكلي، ولا يمكن أن يكونوا دليلاً علي الإسلام الصحيح. أما التدين الحقيقي فهو المعاملة الحسنة للناس، وخدمة الإسلام والمسلمين لوجه الله دون غرض.