جاءت نتائج استطلاعات الرأي المحلية والعالمية لتؤكد أن المصريين هم أكثر شعوب الأرض تدينا, ويتأكد لديك هذا الشعور بسهولة. إذا مررت في أي شارع بأي مدينة أو قرية في مصر, إذ ستجد المظاهر الدينية حولك في كل مكان من الآيات القرآنية المكتوبة علي الحوائط في المحلات التجارية والمكاتب, والمسموعة من الراديو والميكروفونات من عشرات المساجد والزوايا, إلي مظاهر وملابس المصريين أنفسهم من الرجال والنساء والمحجبات والمنقبات, وتحولت سيارات النقل العام وعربات مترو الأنفاق في القاهرة إلي مايشبه الإذاعات الدينية بواسطة آيات قرآنية وأدعية وأحاديث نبوية متنوعة في رنات التليفونات التي يحملها الركاب. وعلي الرغم من تجلي مظاهر التدين في المجتمع, إلا أن علماء الدين يؤكدون أنها مظاهر شكلية بعيدة عن جوهر العقيدة وتمسك بقشور الدين وتراجع لقيم دينية أصيلة في المعاملات والأخلاق والانضباط والعمل والإنتاج. وحول أسباب شيوع مظاهر التدين الشكلي في المجتمع وغياب الجوهر الحقيقي للدين يقول فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: هناك الكثير من العوامل التي وفدت علي مجتمعاتنا مع انتشار القنوات الفضائية التي تنشر السموم والخطايا والقيم المادية وتؤثر علي عقول الشباب وسلوكياتهم وأفكارهم فتبعدهم عن القيم الروحية وعن الدين الذي هو علاج لكل الأمراض الاجتماعية.ورغم بروز موجة التدين بين الناس إلا أنه تدين شكلي فتراهم يغشون ويختلسون ويكذبون فالتدين الحقيقي ليس جلبابا قصيرا وسواكا ولحية, فهناك كثيرون مظهرهم إسلامي ولكن مخبرهم غير إسلامي والرسول صلي الله عليه وسلم يقول الإيمان حسن الخلق ولعن الله الراشي والمرتشي ويقول ايضا إن الله لاينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم وقد نبهنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي أن الدين ليس شكلا وإنما قلب يعي ويلبي ويراقب الله في كل شأن, ولذلك أيضا قال النبي صلي الله عليه وسلم الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك, ونحن بحاجة جميعا إلي فهم المقاصد الشرعية وإعادة تقييم حياتنا وفقا لمنهج الإسلام فالإيمان كما قال رسولنا الكريم هو ما وقر في القلب وصدقه العمل. ويؤكد الدكتور عبد المعطي بيومي أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو بمجمع البحوث الإسلامية أن المجتمع المصري يعيش حالة من التناقض والازدواجية الشديدة, فبرغم أحاديث التدين اليومية بين الناس لدرجة الهوس وازدياد مظاهر التدين في الشارع, فهناك علي الجانب الآخر قلة في الإنتاج وزيادة للرشوة والفساد والكذب, وفوضي مرورية وسباب بأبشع الألفاظ علي مسامع المارة بالشارع, فهناك من يخرج من المسجد بعد الصلاة ثم يسب بأبشع الألفاظ في الشارع, وموظف آخر يذهب ليصلي ويترك طابورا من الجمهور منهم المريض وصاحب الحاجة, وثالث يصلي ويفتح مكتبه لتلقي الرشاوي, أو يهتم بتقصير الثوب وتربية اللحية, وأخري ترتدي النقاب وكلها مظاهر تعد من قشور الدين ومثل هذه السلوكيات ليس لها علاقة بحقيقة الدين الإسلامي, بل إنها ترسل إشارة سلبية لغير المسلمين عن الدين, وجعلت الإسلام متهما في أعين الغرب لأن المسلمين لم يكونوا نموذجا حقيقيا لدين يعتمد علي المعاملة الحسنة, فالإسلام ليس كلمة أو نغمة أو ملصقات بأدعية ركوب السيارة نراها حاليا بالشوارع أو داخل المصاعد, بل الإسلام عمل صالح وأدعية ترتكز بقلب المؤمن وسلوكيات راقية مع المظهر الحسن. ويطالب الدكتور عبد المعطي بيومي المؤسسات الدينية ووسائل الاعلام بتبني خطاب ديني معتدل يؤكد القيم الحقيقية للإسلام, ونبذ النفاق ويتصدي لحالة الازدواجية مابين الشكل الذي أصبح معضلة وبين المظهرية والخواء الذي أصاب المجتمعات الإسلامية, وأن يرتكز الخطاب الديني علي قضايا أكثر أهمية مثل الأمانة, والنظافة, ونشر منظومة الأخلاق وإعلاء قيمة العمل والإنتاج.