على الرغم من شيوع وتجلى مظاهر التدين فى المجتمع, والتى لا تكاد تخطئها عين فى محيط العمل والأسرة والشارع, أصبحنا نرى ظاهرة التدين الشكلى سمة غالبة عند كثير من الناس. وما بين عبارات خادشة للحياء تترامى إلى أسماع المارة فى الشوارع، وإهمال وتقصير فى العمل وتعطيل لمصالح الناس، وغش وتدليس واحتكار للسلع، وانفلات أخلاقى وفوضى وعشوائية فى المرور، تبرز فى حياتنا اليومية مشاهد التدين المظهرى دون العمل بجوهر الدين ومقاصد الشريعة الإسلامية التى جاءت لإسعاد البشرية. علماء الدين يؤكدون أنها مظاهر شكلية بعيدة عن جوهر العقيدة وتمسك بظاهر الدين, وتراجع لقيم دينية أصيلة فى المعاملات والأخلاق والانضباط والعمل والإنتاج. وأن التدين المظهرى الذى يركز على الشكل الخارجى دون التركيز على جوهر الدين الإسلامى الحنيف, يعد من أهم التحديات التى تواجه الأمة الإسلامية فى الوقت الراهن. وحول أسباب شيوع مظاهر التدين الشكلى فى المجتمع وغياب الجوهر الحقيقى للدين يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إن هناك الكثير من العوامل التى وفدت على مجتمعاتنا مع انتشار القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة التى تنشر السموم والخطايا والقيم المادية وتؤثر على عقول الشباب وسلوكياتهم وأفكارهم فتبعدهم عن القيم الروحية وعن الدين الذى هو علاج لكل الأمراض الاجتماعية، ورغم بروز موجة التدين بين الناس، إلا أنه تدين شكلى فتراهم يغشون ويختلسون ويكذبون. وأضاف: أن التدين الحقيقى ليس جلبابا قصيرا وسواكا ولحية, فهناك كثيرون مظهرهم إسلامى ولكن مخبرهم غير إسلامى والرسول صلى الله عليه وسلم يقول االإيمان حسن الخلق «ويقول ايضا اإن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الدين ليس شكلا وإنما قلب يعى ويلبى ويراقب الله فى كل شأن, ولذلك أيضا قال النبى صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك, ونحن بحاجة جميعا إلى فهم المقاصد الشرعية وإعادة تقييم حياتنا وفقا لمنهج الإسلام، فالإيمان كما قال رسولنا الكريم هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل. أمية دينية وفى سياق متصل يقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط السابق، إن من أشد ما ابتليت به الأمة الإسلامية هو التدين الظاهرى حيث نجد أن بعض الشباب يلتزمون بالمظاهر فقط، ولا يهتم بعضهم إلا بتقصير الثياب أو إطالة اللحية أو الإمساك بالسواك، وهذه من السنن التى سنها النبى صلى الله وسلم ولكن جوهر الدين ليس هو الظاهر فقط، إنما جوهر الدين هو الالتزام بالعبادات والمعاملات وتطهير القلب من الحقد والحسد، بل إن بعضهم يسيء المعاملات مع جيرانه، والبعض الآخر يرى انه أفضل من الآخرين، وقد نهى نبينا الكريم عن ذلك فقال، صلى الله عليه وسلم: :لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر فقالوا يا رسول الله إن الرجل منا يحب أن يكون ثوبه حسنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس أى دفع الحق واحتقار الناس، وعن طهارة القلب يقول النبى صلى الله عليه وسلم: ألا وأن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب، وأنصح كل من يلتزم بالتدين الظاهر أن يحافظ على طهارة الباطن وهو أهم وأن يلتزم بالأخلاق الحسنة بدءا من أسرته إلى جيرانه فى المنزل والحقل والزملاء فى العمل، وذلك لأنه إن لم يحسن هذه المعاملات فلا فائدة فى تدينه الظاهر ولا فى عباداته، فقد صح أن امرأة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم تكثر من صلاتها وعبادتها ومن صدقتها ومع أنها كانت مشهورة بتلك العبادات إلا أنها كانت تؤذى جيرانها بلسانها فقال النبى صلى الله عليه وسلم: هى فى النار. إتقان العمل ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الإسلام يربى القلوب على تقوى من الله عز وجل فإذا استقام القلب على منهج الله استقامت الجوارح قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30 سورة فصلت)، لأجل ذلك يميز الإسلام بين الجوهر والمظهر، فالمسلم مطالب بالتمسك بجوهر الدين لا بمجرد شكليات الدين، ومن القواعد الرئيسة فى الحكم على إيمان الإنسان وحسن إسلامه الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهو ليس مجرد شعار فكم من أناس مظهرهم يخالف جوهرهم. الدين والتدين وحول الأسباب الاجتماعية لانتشار ظاهرة التدين الشكلى وسبل مواجهتها، يقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن هناك فرقا بين الدين والتدين، وما جاء بالقرآن الكريم وما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأوامر والنواهى والأحكام الشرعية والعقيدة والمقاصد الشرعية والعبادات ومنظومة القيم ومكارم الأخلاق فهذا هو الدين، أما التدين فهو سلوك بشرى لمن يقتدى بهذه الثوابت فى الإسلام طواعية وقناعة وإيمانا ويقينا. وأما أن يدعى أنه على هذه الثوابت الدينية لخداع الناس ويتخذ الدين ستارا لتحقيق مصالح شخصية قد تكون غير مشروعة كالنصب والاحتيال والغش والتدليس والوصول إلى مناصب أو الحصول على أموال دون وجه حق، فهذا يدخل فى إطار الإدعاء والكذب، والمسئول عن هذا هو التربية والتعليم بمختلف مؤسساتها وأدواتها وآلياتها اعتبارا من الأسرة مرورا بالحضانة والمدارس والجامعات ودور العبادة وأجهزة الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى المجتمع، فجميعهم مسئولون عن شيوع تلك الظاهرة السلبية.