بعد إصداره كتاب (الصحافة والحكم) منذ نحو ثلاثة أعوام يعود الينا الكاتب الكبير محمد العزبي بكتابه الجديد »صحفيون غلابة.. الكتابة بنظر 6/60». باسلوبه الساحر السلس الذي يجمع بين الأدب في عمقه وطريقة الصحفي في بساطة العرض والتناول يبحر بنا عمنا العزبي وكأنه يؤرخ للصحافة المصرية بداية من النصف الثاني من القرن العشرين حيث هجر الطب عام 52 إلي دراسة الصحافة والعمل بها حتي صار رئيساً لتحرير الاجيبشين جازيت أشهر جريدة بالانجليزية في مصر وتفرغ بعدها كاتباً صحفياً في جريدة الجمهورية التي منحها هي والصحافة عمره. ينتقل بنا العزبي وهو يرصد مواقف وطرائف قد تنهمر فيها الدموع من عينيك في الوقت الذي لا تستطيع فيه إخفاء الابتسامة التي وضعتها سطور قلمه الرشيق علي شفتيك ولا تملك معها الا أن تردد قول الشاعر وكم ذا بمصر من المضحكات لكنه ضحك كالبكاء. وكما يتفنن كاتب السيناريو البارع في قص مشاهده ويتفنن مخرج أروع في خروجها إلي سينما الواقع يحكي لنا في سطور قليلة علي لسان نبيل العربي أحد اعضاء اللجنة التي استردت طابا كيف تجاهلهم الرئيس مبارك في موقع رفع العلم المصري وتوجه لمصافحة فريد شوقي وهشام سليم ويسرا ولم يصافح أيا من اعضاء اللجنة الذين اصطفوا في انتظار مصافحة الرئيس التي لم تتم! ومن هذا المشهد إلي كلمات كاتب آخر تؤكد رواية عن وزير سابق زار أحد المدارس الخاصة وما كتبه الصحفي وما رآه الوزير وما فعله مبارك ما هو الا تجسيد لحالة الانفصام التي انعكست علي المصريين وما حدث لهم في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. »عنبر 2 في مزرعة طرة» وهو العنبر الذي رافق فيه الكاتب شقيقه أحمد ورفعت السعيد وجمال الغيطاني والأبنودي وغيرهم من أقطاب اليسار في مصر، أحتل من الكتاب مساحة هي الأكبر بين كل الحكايات ويقص علينا توسط خالد محيي الدين عندما ذهب الي شعراوي جمعة وزير الداخلية وسأل إيه حكاية الأبنودي وأجابه ابنودي مين؟ قال خالد »علي حسب وداد قلبي» رد شعراوي وإنت الصادق تحت الشجر يا وهيبة! المفاجأة أن مصر كلها كانت محبوسة داخل مزرعة طرة، أخوان، شيوعيون، وفديون، وحتي رجال النظام من منظمة الشباب والتنظيم الطليعي، وأعيتهم الحيل فيما يجب ان ينسبونه إلي كل هؤلاء الذين جمعوهم في عنبر واحد فأطلقوا علي العنبر النشاط المعادي. ولا ينسي اللواء رئيس شرطة السياحة عندما رآه في رحلة نيلية من الاقصر إلي اسوان وكان هو الضابط الذي يتولي التحقيق معهم في سجن القلعة.. شاهدته وهو يصلي الجمعة أثناء توقف الباخرة في الطريق.. كانت الدموع تملأ وجهه لعله يستغفر ربه. وربما استقي كاتبنا محمد العزبي عنوان كتابه »صحفيون غلابة» من حوار الرئيس السادات مع الراحل مرسي سعد الدين رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في احدي السفريات الخارجية عندما طلب منه أن تكون الاقامة كاملة للوفد الصحفي المرافق علي حساب الهيئة مبرراً طلبه بأن الصحفيين غلابة وخليهم يجيبو ببدل السفر حاجات لولادهم. وأذكًر أستاذنا محمد العزبي بأن السادات في السبعينيات هاجم بعضا من الصحفيين وقال عن الجميع ان دخل الصحفي المتوسط 400 جنيه رغم أن الحد الأقصي لمرتب رئيس التحرير وربما رئيس مجلس الإدارة كان 416 جنيها. وإذا كان هؤلاء المرافقون للرئيس هم الغلابة كما وصفهم السادات.. فمن هم الصحفيون المفترون وماذا عمن هم في بدايات السلم الذين يبدأون مشوار صاحبة الجلالة بمسح بلاطه. والمساحة لا تتسع لتناول حكايات وحكايات تؤرخ لعصر صحافة أكثر من ستين عاماً كما تؤرخ لبعض جوانبها الاقتصادية والاجتماعية. ويبقي في الختام كلمات الكاتب: من بين أحلامي كان رسم الكاريكاتير.. وكثيرون من رسامي الكاريكاتير من أجيال مختلفة أصحابي، لكني لم أعرف كيف أمسك بالريشة، بالكاد أمسكت بالقلم.. وكله كاريكاتير!