احتل الفدائيون من أبناء سيناء موقع الصدارة فى ترتيب البطولات والتضحيات التى قدموها من أجل تحرير هذه البقعة الغالية من أرض مصر، من بين هؤلاء سالمان سليمان سلامة، أحد المجاهدين والمحاربين القدامى، الملقب ب«أبوسيناء، والذى تقابلنا معه فى مدينة العريش. عندما اتصلنا به لتحديد موعد لمقابلته، فوجئنا بأنه يقيم فى مدينة القاهرة، لكنه لا يمانع من السفر إلى العريش ليروى لنا ما حدث فى حرب أكتوبر، سألناه عن سبب مغادرته مدينة العريش للإقامة بالقاهرة، فقال: إن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تضعه ومجموعة من زملائه فى الكفاح، على رأس قائمة بأسماء المطلوبين بتهمة تنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية، أثناء احتلالها سيناء، ما دفعه للإقامة فى القاهرة، رغم أن ابنه يعيش فى منزل العائلة بمدينة العريش. اصطحبنا «سالمان» إلى موقع «حمير»، حيث قاعدة عسكرية للقوات الإسرائيلية فى شمال سيناء، وسميت بهذا الاسم، لأنها تقع فوق جبل حمير، أعلى جبل فى المحافظة، يبعد عن مدينة العريش بأكثر من 100 كيلو متر، قطعنا المسافة فى حوالى ساعتين، حكى خلالها «سالمان» قصة نضاله ضد الاحتلال. قال: إنه من مواليد عام 1940، وكان يعمل موظفاً ب«الهيئة العامة للمسح الجيولوجى»، وفى نكسة 67 كان شاباً يافعاً عمره 27 عاماً، ووصف ما حدث بأنه «مجزرة» ارتكبها سلاح الجو الإسرائيلى ضد القوات المصرية، محملاً المسؤولية للقيادة السياسية. وأشار إلى أنه وزملاءه كونوا مجموعة «المجاهدين»، ما عرف ب«منظمة تحرير قناة السويسوسيناء»، وكانت مهمتهم استطلاعية وميدانية، حيث جمعوا الجنود والضباط الذين ضلوا الطريق بعد القصف الإسرائيلى. وأضاف أن القوات الإسرائيلية قصفت «لنشاً» كان يستقله وزملاؤه وعدد من الضباط والجنود، ما أدى إلى استشهاد معظمهم وإصابة الآخرين، فآوى إلى جبل الراحة فى سيناء، وذهب إلى القاهرة وأبلغ ما لديه من المعلومات المهمة عن مواقع العدو الإسرائيلى للقيادة، ودربته المخابرات الحربية على استخدام جميع الآليات والمدرعات العسكرية، وتعهد لقادة الجيش بإبعاد العدو الإسرائيلى إلى منطقة الممرات، أى على بعد 65 كيلو متراً شرقى القناة، لكى تكون فى مرمى المدفعية، لكن الجيش لم يعطه الفرصة. وتابع: إن قادة الجيش أبلغوه برغبتهم فى السيطرة على قاعدة «أم خشيب»، التى احتلتها القوات الإسرائيلية، فتسلق جبل «عتاقة» وجمع جميع المعلومات عن القاعدة، وأبلغ القيادة بها، وقد ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليه بعد علمهم بتجنيده أكثر من نصف أبناء سيناء لصالح الجيش المصرى، وتنفيذهم عمليات فدائية ضدهم، وتعرض لأبشع أنواع التعذيب، وأكمل أنه عندما وجدت إسرائيل أنه لا جدوى من تعذيبه وإصراره على عدم الاعتراف بأى معلومات، جاءت له بالعاهرات لإغوائه، لكنه لم يستجب، فعرضوا عليه أن يكون شيخاً لسيناء كلها من الطور إلى العريش فلم تفلح محاولتهم. وأشار إلى أنه شارك زملاءه فى ضرب قاعدة «بالوظة» بصواريخ «أرض- أرض» ما تسبب فى خسائر فادحة للعدو، وأن القوات المصرية حققت انتصاراً كبيراً فى حرب أكتوبر، وصمدت أمام العدو لمدة 10 أيام كاملة، رغم ضعف أسلحتها ولكن بدأت تهتز وتفقد السيطرة، بعد امتداد جسر جوى بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. استطرد قائلاً: إن أول طلب لرئيس الوزراء الإسرائيلى، مناحم بيجن، بعد جلوسه مع الرئيس الراحل أنور السادات، هو تفكيك الكتيبة 142، التى كان يتولى تدريبها الشهيد مصطفى حافظ، وظلت تعمل بعد استشهاده لأن إسرائيل تخاف الفدائيين مليون مرة أكثر من الجيوش النظامية، خاصة أنها تعلم جيداً أن المجاهدين يضحون بأرواحهم فى أى لحظة وفى أى مكان. وصلنا إلى قاعدة «حمير»، سارت السيارة حوالى 15 دقيقة حتى وصلت إلى قمة الجبل، تبدو كاشفة كل الجبال المحيطة، هناك مدخل للقاعدة شبه مدمر، من الواضح أنه كان مرصوفاً، طلب منا «سالمان» أن نقرأ الفاتحة على روح «الشيخ حمير - أحد أولياء الله الصالحين - حسب قوله، ويوجد قبره فى القاعدة والغريب أن الجيش الإسرائيلى لم يمس المقبرة واحترمها وأحاطها بمجموعة من الحجارة. فى القاعدة كل شىء تم تدميره، بقايا «دشم»، كتل خرسانية بها حديد بارز يبدو أنه تم تجريف المكان، وهو ما أكده الشيخ «سالمان»، حيث قال إن الإسرائيليين لا يتركون أى أثر لتواجدهم، بحثنا عن آثار للإسرائيليين فوجدنا بعض العملات الإسرائيلية وفوارغ رصاصات، وقد غطاها الصدأ، وتظهر الآثار الدالة على وجود الجيش الإسرائيلى أن المنطقة كان بها مواسير مياه، كما توجد كميات من الأسلاك الشائكة. جلس «سالمان» يتحدث عن ذكرياته عن الموقع، فقال: إن معركة كبيرة وقعت بالقرب من هذه المنطقة، حيث قتل الجيش الإسرائيلى أعداداً كبيرة من الجنود والضباط، ما دفع القوات المصرية للرد عليهم وقتلت عدداً كبيراً منهم لدرجة أن الممرضين العسكريين، التابعين للجيش الإسرائيلى، كانوا يضعون قطع اللحم البشرية التى تتناثر فى صناديق الذخيرة بعد أن أفرغوها. وقال إنه قابل العديد من القادة العسكريين، منهم المشير أحمد بدوى، والمشير أبوغزالة، وأطلع «المصرى اليوم» على شهادة نوط الامتياز من الطبقة الأولى، التى حصل عليها من الرئيس السابق حسنى مبارك، وطالب المسؤولين بتكريم المجاهدين والفدائيين، ومنحهم معاشاً «محترماً» على حسب تعبيره يكفى لحياة كريمة لهم، كما طالب بإنشاء وزارة خاصة بسيناء لتدير أمورها وتعمل على تنميتها. نقلا عن المصرى اليوم