أمل فوزى تكتب :شيء‏ من‏ الأمل

ما‏ أجمل‏ كلمات‏ المديح‏ والثناء‏ خصوصا‏ إذا‏ جاءت‏ بعد‏ جهد‏ بذلته‏ بكل‏ صدق‏ وإخلاص‏, فهي‏ كقطرة‏ ماء‏ تروي‏ عطشك‏ في‏ وسط‏ الصحراء‏,‏أو‏ كنسمة‏ باردة‏ تأتيك‏ في‏ ليلة‏ صيف‏ حارة‏, كان‏ هذا‏ شعوري‏ تماما‏ بعد‏ عبارات‏ التقدير‏
‏التي‏ وصلتني‏ من‏ القراء‏ والزملاء‏ عن‏ العدد‏ السنوي‏ للمجلة‏ الذي‏ صدر‏ في‏ الأسبوع‏ الماضي‏ وكان‏ يدور‏ حول‏ السعادة‏ , فلقد‏ اكتشفت‏ أن‏ هناك‏ حنينا‏ جارفا‏ لدي‏ المصريين‏ لما‏ تحمله‏ تلك‏ الكلمة‏ من‏ مشاعر‏, أذكر‏ أنني‏ عندما‏ اقترحت‏ الفكرة‏ اعترض‏ بعض‏ الزملاء‏ بدعوي‏ أن‏ الظروف‏ الحالية‏ غير‏ مناسبة‏, البعض‏ قال‏ لي‏ '‏هو‏ ده‏ وقته‏ '‏في‏ ظل‏ كل‏ تلك‏ الأجواء‏ المشحونة‏ والمشاعر‏ الملتهبة‏ تتحدثين‏ عن‏ السعادة‏ قلت‏ لهم‏: دائما‏ وفي‏ وسط‏ الظلام‏ تتمني‏ أن‏ تجد‏ من‏ يرشدك‏ إلي‏ بصيص‏ من‏ النور‏, وتحتاج‏ لمن‏ يساعدك‏ للتغلب‏ علي‏ الألم‏ ويمنحك‏ الأمل‏.. صناعة‏ السعادة‏ جزء‏ أصيل‏ من‏ مهمة‏ الصحافة‏ والفكر‏ والإبداع‏ لكن‏ أغلب‏ أبناء‏ المهنة‏ يتجاهلون‏ هذا‏, فما‏ يحدث‏ في‏ الإعلام‏ في‏ مصر‏ يختلف‏ تماما‏ حيث‏ يتسابق‏ الجميع‏ من‏ أجل‏ البحث‏ عن‏ الأحداث‏ الساخنة‏ فسمة‏ الإعلام‏ الآن‏ هي
‏bad news..it is good news , فالصحف‏ والقنوات‏ التليفزيونية‏ تتسابق‏ علي‏ نقل‏ أخبار‏ الكوارث‏ والحوادث‏ , حيث‏ يعتقد‏ البعض‏ أن‏ ما‏ تحمله‏ تلك‏ الأخبار‏ من‏ إثارة‏ هو‏ ما‏ يثير‏ فضول‏ الناس‏,‏ولكن‏ الواقع‏ يختلف‏ عن‏ ذلك‏ إلي‏ حد‏ كبير‏ فمن‏ بين‏ ما‏ يقرب‏ من‏ 100‏مليون‏ عملية‏ بحثية‏ تتم‏ يوميا‏ علي‏ موقع‏ جوجل‏ وحده‏ من‏ رواد‏ الإنترنت‏ في‏ العالم‏ العربي‏ تحتل‏ المواقع‏ الترفيهية‏ والموضوعات‏ الاجتماعية‏ أو‏ التي‏ تمس‏ الحياة‏ اليومية‏ الصدارة‏ في‏ اهتمامات‏ الناس‏, والحقيقة‏ أنا‏ أتعجب‏ كثيرا‏ من‏ بعض‏ مقدمي‏ البرامج‏ وهل‏ فكر‏ بعضهم‏ في‏ حقيقة‏ الدور‏ الذي‏ ينبغي‏ عليه‏ أن‏ يؤديه‏ لمجتمعه؟‏ هل‏ هو‏ مجرد‏ الانتقاد‏ أم‏ كشف‏ الحقائق‏ أم‏ ينبغي‏ أن‏ يصاحب‏ ذلك‏ محاولة‏ وضع‏ تصور‏ لحلول‏ مقترحة‏ للمشكلات‏ التي‏ يطرحها‏, هل‏ يفكر‏ بعضهم‏ في‏ الحالة‏ النفسية‏ التي‏ يذهب‏ فيها‏ المصريون‏ للنوم‏ يوميا‏ بعد‏ متابعة‏ هذا‏ الكم‏ من‏ الأحداث‏ التي‏ ترفع‏ الضغط‏ وتفقع‏ المرارة‏ وقد‏ تصيب‏ بالذبحة‏,
‏قد‏ يقول‏ البعض‏ طيب‏ ما‏ هي‏ دي‏ الأخبار‏ التي‏ تحدث‏ في‏ مصر‏ الآن؟‏, وبالطبع‏ أنا‏ أختلف‏ كثيرا‏ مع‏ ذلك‏ فنحن‏ نمر‏ بفترة‏ صعبة‏ ولكن‏ ليس‏ معني‏ ذلك‏ أن‏ الحياة‏ توقفت‏ وأن‏ المصريين‏ قد‏ جف‏ إبداعهم‏ وعبقريتهم‏, بل‏ علي‏ العكس‏ فمن‏ يتأمل‏ الصحف‏ يجد‏ دائما‏ عددا‏ من‏ الأخبار‏ المفرحة‏, وإن‏ كانت‏ منشورة‏ في‏ ركن‏ صغير‏ وعلي‏ استحياء‏, مثل‏ دراسة‏ مصرية‏ عن‏ نباتات‏ تأكل‏ الألغام‏ وهو‏ ما‏ سيحمل‏ الحل‏ لمئات‏ الأفدنة‏ المعطلة‏ عن‏ الزراعة‏ بسبب‏ الألغام‏ المنتشرة‏ فيها‏, مصري‏ يخترع‏ جهازا‏ يحول‏ الزلازل‏ لمصدر‏ طاقة‏ وما‏ أحوجنا‏ للطاقة‏, أو‏ عمرو‏ محمد‏ عبقري‏ ناسا‏ الذي‏ تفوق‏ علي‏ 2000 شاب‏ من‏ دول‏ العالم‏ كافة‏ والذي‏ ننشر‏ نحن‏ عنه‏ في‏ هذا‏ العدد‏, ماذا‏ لو‏ تم‏ الاهتمام‏ بهؤلاء‏ النوابغ‏ والتركيز‏ عليهم‏ بشكل‏ كبير‏ ومحاولة‏ دعمهم‏ ألن‏ يعود‏ ذلك‏ علي‏ مصر‏ بالخير؟‏ يقيني‏ أنهم‏ سيصبحون‏ مثلا‏ وقدوة‏ لكثير‏ من‏ الشباب‏ ويغرسون‏ بعضا‏ من‏ الأمل‏ وقيم‏ الانتماء‏ التي‏ ضاعت‏,
أتعجب‏ كثيرا‏ من‏ أنه‏ حتي‏ لو‏ تعرض‏ أحد‏ البرامج‏ لمثل‏ هؤلاء‏ فيكون‏ لمدة‏ دقائق‏ وعلي‏ طريقة‏ '‏أهي‏ مرة‏ وعدت‏' في‏ حين‏ أنني‏ أجد‏ بعض‏ البرامج‏ الحوارية‏ الرئيسية‏ تفرد‏ ساعات‏ لقضايا‏ تثير‏ غيظ‏ الناس‏ وقد‏ تصيبهم‏ بالاكتئاب‏, فمثلا‏ منذ‏ عدة‏ أيام‏ شاهدت‏ برنامجا‏ عبارة‏ عن‏ جلسة‏ علاج‏ نفسي‏ علي‏ الهواء‏ لعدد‏ من‏ الشباب‏ الذين‏ مروا‏ بظروف‏ نفسية‏ سيئة‏, بسبب‏ بعض‏ أحداث‏ الثورة‏, وتصادف‏ أنني‏ كنت‏ أشاهد‏ هذا‏ البرنامج‏ وسط‏ جمع‏ من‏ الأصدقاء‏ الذين‏ حثوني‏ جميعهم‏ علي‏ تحويل‏ مؤشر‏ القناة‏ إلي‏ أخري‏, ولكنهم‏ استسلموا‏ في‏ النهاية‏ لرغبتي‏ في‏ مواصلة‏ المشاهدة‏, ولقد‏ كان‏ منبع‏ إصراري‏ هو‏ معرفة‏ هدف‏ الحلقة‏, فليس‏ من‏ المتوقع‏ أن‏ تحدث‏ معجزة‏ ويتم‏ شفاء‏ الضيوف‏ أثناء‏ الحلقة‏, ولا‏ هم‏ تحدثوا‏ أيضا‏ عن‏ تفاصيل‏ أو‏ أحداث‏ جديدة‏ تمس‏ الثورة‏ مثلا‏ حتي‏ نضطر‏ للاستماع‏ إليهم‏, لا‏ شيء‏ سوي‏ قدر‏ من‏ الكآبة‏ التي‏ تصيب‏ المتلقي‏ بلا‏ ذنب‏.
‏ألم‏ يكن‏ من‏ الأفضل‏ منح‏ طاقة‏ إيجابية‏ للناس‏ من‏ خلال‏ نماذج‏ لشباب‏ من‏ الثورة‏ أيضا‏, ربما‏ مثل‏ هذه‏ البرامج‏ تفسر‏ لنا‏ سبب‏ عزوف‏ الكثيرين‏ عن‏ مشاهدتها‏ الآن‏ فكما‏ أظهر‏ الاستطلاع‏ الذي‏ قمنا‏ بعمله‏ علي‏ عينة‏ من‏ ألف‏ شخص‏ ونشرناه‏ في‏ المجلة‏ فإن‏ 42% لا‏ يشاهدون‏ برامج‏ التوك‏ شو‏ ومن‏ بين‏ بقية‏ النسبة‏ التي‏ تتابعها‏ تؤكد‏ نسبة‏ 41% أنها‏ تصيبهم‏ بالاكتئاب‏ والقلق‏ , يا‏ أهلي‏ وأصدقائي‏ يا‏ رموز‏ الإعلام‏ في‏ مصر‏ انزعوا‏ الشعور‏ بالخوف‏ من‏ قلوب‏ الناس‏ وامنحوهم‏ شيئا‏ من‏ الأمل‏.‏
رحيل‏ الفارس
الاستغلال‏ العظيم‏ للحياة‏ هو‏ أن‏ تقضيها‏ في‏ عمل‏ شيء‏ ما‏.. يبقي‏ إلي‏ ما‏ بعد‏ الحياة‏.. إذا‏ أردنا‏ أن‏ نلخص‏ حياة‏ الفارس‏ والأديب‏ والفنان‏ د‏. ثروت‏ عكاشة‏ فلن‏ تستطيع‏ أن‏ تقول‏ سوي‏ ذلك‏, فهو‏ وهب‏ حياته‏ لإنجاز‏ الكثير‏ من‏ الأعمال‏ التي‏ ستبقي‏ في‏ ذاكرة‏ التاريخ‏ بداية‏ من‏ دوره‏ البارز‏ في‏ ثورة‏ يوليو‏, وإنقاذه‏ لآثار‏ النوبة‏, فضلا‏ عن‏ مجموعة‏ كتبه‏ ومؤلفاته‏ الفريدة‏ د‏. ثروت‏ عكاشة‏ كم‏ تمنيت‏ أن‏ ألقاك‏, ولكن‏ للأسف‏ كان‏ هناك‏ دائما‏ حائل‏ يمنع‏ تحقيق‏ تلك‏ الأمنية‏.‏
أعلم‏ جيدا‏ أن‏ صمتك‏ طوال‏ السنوات‏ الماضية‏ عن‏ الحديث‏ قد‏ يحمل‏ وراءه‏ مفاجأة‏ كمذكرات‏ أو‏ ذكريات‏ تكون‏ قد‏ دونتها‏ عن‏ حياتك‏ فيا‏ تري‏ هل‏ هذا‏ حدس‏ صحيح؟‏.. أتمني‏ ذلك‏.. وداعا‏ يا‏ فارسنا‏ النبيل‏..‏
نور‏ الكلمات
الإيمان‏ عندي‏ ..‏أن‏ يكف‏ المرء‏ عن‏ القلق
جون‏ ديوي
يخطئ‏ من‏ يظن‏ أن‏ غاية‏ الحياة‏ هي‏ خدمة‏ الله‏ فقط‏, فغاية‏ الحياة‏ أيضا‏ الحصول‏ علي‏ السعادة‏ التي‏ أرادها‏ الله‏ بطرق‏ مشروعة‏ فمن‏ يطلبها‏ بوسائلها‏ الشريفة‏ فإنما‏ يحقق‏ أيضا‏ إرادة‏ الله‏.‏
ليوتولستوي