صندوق الذكريات..مواقف لا تنسى...مواقف وطرائف...أوراق العمر المتساقطة...سنوات حياتنا تمر مر السحاب.. كلمات ومعانى تتدفق على عقلى وتدفعنى دفعاً لفتح صندوق الذكريات لأسترجع منه بعضاً من ملامح حياتي السابقة. ففى حياة كل منا ذكريات ومواقف...نستدعيها من الذاكرة مهما مرت السنوات عليها ونستحضرها من الماضي كى نتدثر بدفئها فى برد الحياة لو كانت ذكريات سعيدة، أو نضحك منها لو كانت لطيفة، أو نضحك من أنفسنا ونسخر منها لو كانت ساخرة. ومع العرسان كانت لى أيام...لا بل سنوات...من العذاب والضنى والكوميديا أيضاً. مواقف وطرائف وحوارات متنوعة تحمل بين طياتها ما وصلت إليه حياتنا الاجتماعية التفسخية المهلبية! وتعكس أيضاً "هذه المواقف" النمط السائد في طرق الزواج، بل تعكس الفوز الكاسح لما يسمى الزواج التقليدي "زواج الصالونات ". أحكى لكم هذه المرة عن طريقة زواج "غير تقليدية" ...وعريس "غير تقليدى" لفتاة "غير تقليدية"....فى مجتمع للأسف "تقليدى". دكتور "ع" إنها حكايتي مع دكتور "ع" ...وعين هنا ليست عين عبد العال بالتأكيد، فقد أخبرتكم أنه عريس غير تقليدي...فالعين ترمز لإسم غير عربي! إسم باكستانى تحديداً...فعريسى الذى أروى لكم عنه "ب ا ك س ت ا ن ى" ! وأنا طبعاً مصرية ! وحتى أفك لكم طلاسم الحدوتة سأعود بكم بطريقة "الفلاش باك" السينمائية الشهيرة لبداية القصة. الزمان شتاء 2005 الأحداث تبدأ في إحدى المؤتمرات بإحدى الجامعات المصرية تلاقت أفكارنا فى انسجام "غير تقليدي" ، والتقت روحانا أيضاً فحقيقة شعرت نحوه بارتياح كبير ...كبير ...أكبر من البحر وأبعد من السما على رأى فيروز..خاصة وأنه يجيد العربية بطلاقة على الرغم من أن لغته الأم "والأب أيضاً" هى الأوردو...! تحدثنا كثيراً وتناقشنا طويلاً...(وهو كان طويلاً أيضاً)...ولا أخفيكم سراً..أعجبت به وبتفكيره وعلمه وأناقته و...إحم..."وسامته"! واستطاع دكتور "ع" أن يغير فكرتى "التقليدية" عن باكستان والباكستانيين...فهو أستاذ جامعى مثقف يجيد العربية ، قدم بحثاً مميزاً بلغة غير لغته الأصلية ، متفتحاً وأنيقاً ووسيماً...وجذاباً بلحيته القصيرة الأنيقة ومظهره الوقور. وكان من الطبيعى مع حالة التناغم التى كنا عليها أن نتبادل وسائل الاتصال ومنها البريد الالكترونى للتواصل بعد عودته لبلده. وقد كان . فقد كان دكتور "ع" دائم السؤال عنى وعن أحوالى. حتى فاجأنى ذات مرة بطلبه الزواج منى ، وهو ما قد لا يدعو للدهشة فى نظر البعض ، فهناك فى كل مكان فى العالم من يتزوج بجنسية أخرى ولغة أخرى، وكنت وقتها فى أواخر العشرينيات وهو فى منتصف الثلاثينيات فالسن بيننا متقارب، لكن أريد أن أدهشك صديقى القارئ بأن أخبرك أن دكتور "ع" طلبنى للزواج وهو متزوج ولديه 3 أبناء! ويعمل ويقيم فى باكستان ! إضحك..أو اندهش أو حتى امنحنى شفقة وحناناً...لك مطلق الحرية فى رد فعلك ...فكل أنواع رد الفعل مسموح ومرحب به...لكن اعلمنى إياه...كما فعل هو "بالبريد الالكترونى" بما أننا فى الفضاء الالكترونى. وهذا ليس كل شيء... فقد ألح إلحاحاً وأصر إلحاحاً "أيضاً" على إقناعى بالزواج منه بعد اعتذارى له بأدب قائلة أنه إنسان رائع وراق جداً ومثقف للغاية ويستحق من هى أفضل. فكان رده أننى أقلل من شأن نفسي بهذا الكلام وأنه مقتنع بى تماماً كزوجة له ومستعد للنزول للقاهرة فى أقرب وقت ممكن لعرض الأمر على أسرتى. هتجوزك يعني هتجوزك تعللت باختلاف الثقافة المصرية والباكستانية وأن هذا سيخلق مشكلات عديدة فى التعامل بيننا، فكان رده أنه أمر يمكن التغلب عليه خاصة بالنسبة لمثقفين مثلنا. (والله راجل طيب وابن حلال هذا الذي يعتبرنى مثقفة وهذه بلاشك إحدى مزايا دكتور "ع".) حدثته عن صعوبة الحياة فى بلد آخر غير بلدى ...فكان رده أن إنسانة مثلى يمكنها التكيف مع أى مجتمع وأنه يتوقع أن أتفاعل معهما "معه هو ومع مجتمعه"، وأن أعيش قضاياه وهمومه "هموم باكستان يعني"! هكذا قال لى بالحرف الواحد ، وأنه لو اقتضى الأمر يمكنه ترتيب حياته بأن تكون إقامته فى القاهرة. ولابد أن أذكر هنا تعليق أحد إخوتى على هذا الرد بأن قال مازحاً: نعم.ستعيشين قضايا وطنه، وسيقنعك بارتداء حزام ناسف للتخلص من أعداء الله مؤكداً أن مكانك ليس على الأرض بل أعلى...فى السماء! ذكرته أنه متزوج ولديه أطفال فأكد أن الإسلام يسمح بزواج الرجل من امرأتين، وحتى أربع، "وكأننى لا أعرف هذه المعلومة" ! وأنه يمكننى ببساطة وسهولة أن أساعده على العدل بين زوجته وبينى "اعتبرنى وافقت" ، وأنه يتوسم فى حسن معاملة أولاده من زوجته الأولى "باعتبارى الزوجة الثانية" لما لمسه في من حسن أخلاق! كان يسدد على كل الحجج والعلل ويصر إلحاحاً "غير تقليدى" ، وحتى بعد رفضي القاطع الزواج منه فوجئت به يحادثنى من الإسكندرية ويطلب مقابلتى عند وصوله القاهرة، لفتح باب الحديث مجدداً لاقناعى بأن أكون "الزوجة الثانية" له! دكتور "ع" لا أزال احترمك وأقدرك وأتفهم طريقة تفكيرك المختلفة ، وأشكرك أنك كنت سبب كتابتى مذكراتى مع العرسان بعد كل هذه السنوات.