ناقشنى أكثر من صديق وراجعنى بعضهم بصيغة السؤال عن سبب إصرارى على استخدام تعبير «التهور» فى كل مرة كتبت أو تحدثت عما تفعله جماعة الإخوان المسلمين، وتوابعها من الجماعات المتسربلة برداء الدين الحنيف، بعدما اقتحمت جميعا مسرح السياسة فى هذا البلد بغشم (وبالمخالفة للقانون وطبيعة الأشياء)، مستفيدة من التواطؤ، حتى لا أقول اتفاق التآمر الذى تم بين المجلس العسكرى والإخوان عقب خلع المخلوع، بمقتضاه جرى فرض مسار انتقالى شاذ ومشؤوم على المجتمع، وحشره بين تروس عملية سياسية معطوبة ومقلوبة بددت الزمن واستهلكت الطاقات المعنوية الهائلة للمصريين، وأنتجت أزمات وكوارث وطنية لا أول لها ولا آخر، ولم يكن لها أى هدف مشروع سوى «تمكين» هذه الجماعات الطائشة التى ولد بعضها من رحم أجهزة أمن حسنى مبارك وعصابته، كما أن نسبة غير قليلة منها أياديها ملوثة بالدم وتراثها كله عنف أعمى وإرهاب مجنون، وفوق ذلك فإن عقول المنخرطين فيها من التحجر والظلام لدرجة لا يمكن معها استبعاد احتمال اختراقها وتوظيفها من قبل أجهزة استخبارات أجنبية معادية (أظن أن «موساد» العدو الإسرائيلى لا يهمل فرصًا ثمينة من هذه الشاكلة). أعود فأقول إن من ناقشونى فى أمر «التهور» لا بد أنهم فى هذه اللحظات الحزينة يدركون ويلمسون المعنى الذى اجتهدت فى شرحه وتوضيحه، ومختصره أن هذا النوع من الجماعات التى تعانى بؤسا عقليًّا فاضحًا وفقرًا شديدًا فى مؤهلات العمل السياسى، لن يقف ضرر عربداتها عند حدود تخريب وإفساد أى محاولة لبناء الوطن الجديد، الذى حلمنا به ناهضًا حرًا ومحررًا من القهر والظلم والفساد والتخلف والتبعية، بل إن أفكارها الحجرية وعقائدها المعادية لجُل منجزات مسيرة التحضر الإنسانى من العمق والقوة والشمول، بحيث تتملكها أوهام أن بمقدورها استخدام السلطات السياسية التى ستصل أياديها إليها فى تفكيك بنيان الدولة والمجتمع المصريين (وليس تطويرهما) وإعادة هندستهما على مقاس الخزعبلات والهلوسات الراقدة فى عقولها، وهو طبعا هدف يستحيل تماما تحقيقه فى بلد بحجم مصر وثراء نسيجها الثقافى والمجتمعى، لكن مجرد الشروع فى تنفيذه سوف يلحق دمارًا وأذى واسع النطاق بالكثير من مقومات وأسباب القوة الكامنة أو الباقية فى هذا الوطن، وسيجعله يبدو بلدًا مستباحًا يرزح تحت أشلاء دولة منهارة وفاشلة لا تقوى على الوفاء بأبسط واجبات حماية شعبها وأراضيها. والحق أن تلك الجريمة الدموية الرهيبة المتفوقة فى الخسة والبشاعة التى ارتكبتها عصابة مشبوهة مساء أول من أمس مستهدفة العشرات من جنودنا وضباطنا الأطهار الأبرياء، الذين يحرسون حدود الوطن مع فلسطينالمحتلة، ليس بعيدًا عما فعلته هذه، جماعات ما يسمى «الإسلام السياسى»، بعدما تمكنت من التمدد وممارسة نفوذ وحضور قوى ومباشر فى أعلى سلطات الحكم من سلطة التشريع إلى سلطة الرئاسة، خالقة بيئة إجرائية ودعائية شجعت واستقطبت إلى حياضنا شتى أنواع العصابات الإجرامية المشبوهة المتمسحة فى دين الله، فيما هى تتسلح ببنادق وقنابل كافرة عمياء تضرب فى صدورنا طول الوقت، ولم تخدش مرة واحدة طرف إصبع للعدو.. اللهم ارحم شهداءنا وارحمنا وانصرنا على القوم الظالمين المظلمين.