الكثرة الغالبة من الإخوة الذين تسربلوا (بعضهم تخفى) برداء الإسلام ونزلوا به ساحة السياسة يملؤهم الطموح (لكى لا أقول الطمع) إلى أن يكسبوا فى هذه الساحة أرضا ونفوذا، لا برشد ومعقولية برامجهم وأفكارهم وخططهم السياسية فى شتى المجالات.. اقتصاد واجتماع وطبابة وتعليم وثقافة وخلافه، وإنما اعتمادا على إشاعة الوهم بأنهم ما داموا يلبسون عباءة الدين الحنيف فإنهم والدين سواء! ورغم أن ظاهرة «المتسربلين» هذه بتنوعاتها المختلفة تبدو الآن قوة شغب ومصدر ضجيج وشوشرة سياسية وتلوث سمعى وعقلى (وربما بصرى أيضا) كما أنها فى الحساب النهائى تقع ضمن أهم عقبات التطور الديمقراطى والمجتمعى المنشود بسبب فائض الخشونة وضيق الأفق الذى يطبع تصرفات ومواقف نسبية لا يستهان بها من مكونات هذه الظاهرة، رغم ذلك لا مفر من الاعتراف بأن بعض سلوك وهرطقات هؤلاء «المتسربلين» يبدو فى أحيان كثيرة فكاهيا ويثير الضحك أكثر مما يثير القرف.. ومن النماذج الفاقعة لهذه الفكاهيات المحزنة ما فعله الإخوة المذكورون أعلاه مع استفتاء 19 مارس المشهور الذى جرى على تسعة بنود معدلة فى الدستور القديم المفروض أنه سقط بسقوط المخلوع وذهب معه إلى الجحيم، بيد أن المتسربلين نصبوا حفلة تدليس وتضليل سياسى نادرة المثال إذ حولوا هذا الاستفتاء إلى معركة وهمية موضوعها الإسلام شخصيا وروجوا بفجاجة لفكرة أن رفض تعديلات الدستور الساقط ذهاب مباشر إلى الكفر والعياذ بالله! وما إن ظهرت النتيجة ومرت التعديلات (تتعلق كلها بشكل مؤسسات الحكم) بعدما أيدها المشاركون فى الاستفتاء (18 مليونا) بأغلبية كبيرة يحدوهم أمل كاذب روجت له أبواق معادية أو قلقة من الثورة، أن يكون التصويت ب«نعم» هو أقرب طريق للاستقرار والرخاء وأن الدنيا بعد «نعم» سيكون لونها بمبى. فلما لم يأت أى «بمبى» لم ينه المتسربلون الحفلة وإنما أبدعوا فقرات كوميدية جديدة ارتكزت كلها على كذبة أن نتيجة الاستفتاء جاءت لتمنحهم تفويضا شعبيا بجوار التفويض الإلهى الذى يظنون أنهم يحملونه أصلا. وعلى هذه القاعدة الكذابة توالت «النِّمَر» الضاحكة، ابتداء من مطالبة «الكفار» الذين قالوا «لا» لتعديل الدستور الساقط بالهجرة إلى كندا (لماذا كندا بالذات؟) وانتهاء بالترخص والاستهبال الشديدين فى استخدام نتيجة الاستفتاء كمطواة قرن غزال لا يتردد الأخ المتسربل بعباءة الدين فى إخراجها من بين طيات عباءته وإشهارها فورا فى وجه كل من يخالفه الرأى فى أى موضوع أو قضية مهما كان نأيها وابتعادها تماما عن ذلك الاستفتاء العتيد الذى حولوه إلى صنم أو إله وثنى علينا أن نعبده من دون الله تعالى. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا توافقت القوى الوطنية كلها يمينا ويسارا وجنوبا وشمالا على ضرورة التوصل إلى مبادئ دستورية أساسية وتأسيسية تحتل مكانة معتبره ضمن بنود الدستور المنتظر بما يضمن بناء مجتمعنا الجديد على أسس وقيم عليا كالحرية والعدالة والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين لأى سبب وبأى ذريعة، يخرج علينا المتسربلون ب«سنجة الاستفتاء» ويرهبون الناس بأن هذه المبادئ الراقية السامية التى لا يجادل عاقل فى كونها تتطابق مع مقاصد الشرع فى الإسلام، إنما هى محاولة للالتفاف على نتيجة الاستفتاء! ورغم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة صار فجأة من بعد الثورة قبلة «نفاق نشط» يمارسه المتسربلون على أمل أن يستميلوا قلبه فيكافئهم بجزء معتبر من كعكة البلد، فإن الغرور والحماقة دفعا بعض هؤلاء إلى استخدام «السنجة إياها» مع المجلس العسكرى نفسه بعدما أعلن نيته إصدار مرسوم بوثيقة المبادئ الدستورية الأساسية المتوافق عليها، وكذلك مرسوم آخر بقواعد ومعايير اختيار لجنة وضع الدستور بما يضمن تعبيرها المنضبط عن كل مكونات وأطياف الجماعة الوطنية. ويبدو أنه لا حل لهذا التهور فى استخدام «سنجة الاستفتاء» ضد خلق الله عمال على بطال، إلا تطبيق قانون البلطجة ومصادرة «السنجة» وتقديم حاملها مخفورا للعدالة.